وصيته لجابر بن يزيد الجعفي في الوعظ
الامام الباقر عليه السلام: يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمسا:
[ صفحه 269]
اغتنم خمسا:
ان حضرت لم تعرف، و ان غبت لم تفتقد، و ان شهدت لم تشاور، و ان قلت لم يقبل قولك، و ان خطبت لم تزوج.
اوصيك بخمس:
و أوصيك بخمس: ان ظلمت فلا تظلم، و ان خانوك فلا تخن. و ان كذبت فلا تغضب، و ان مدحت فلا تفرح، و ان ذممت فلا تجزع. و فكر فيما قيل فيك، فان عرفت من نفسك ما قيل فيك، فسقوطك من عين الله جل و عز عند غضبك من الحق، أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس، و ان كنت علي خلاف ما قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.
علامة الأولياء:
و اعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتي لو اجتمع عليك أهل مصرك و قالوا: انك رجل سوء لم يحزنك ذلك، و لو قالوا: انك رجل صالح لم يسرك ذلك، و لكن اعرض نفسك علي كتاب الله، فان كنت سالكا سبيله، زاهدا في تزهيده، راغبا في ترغيبه، خائفا من تخويفه فاثبت و أبشر، فانه لا يضرك ما قيل فيك. و ان كنت مبائنا للقرآن. فماذا الذي يغرك من نفسك.
في أحوال المؤمن:
ان المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها علي هواها، فمرة يقيم أودها [1] و يخالف هواها في محبة الله، و مرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله [2] فينتعش، و يقيل الله عثرته فيذكر، و يفزع الي التوبة و المخافة فيزداد بصيرة و معرفة لما زيد فيه من الخوف، و ذلك بأن الله يقول: (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) [3] .
[ صفحه 270]
في القناعة:
يا جابر؛ استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا الي الشكر، و استقلل من نفسك كثير الطاعة لله ازراء علي النفس [4] و تعرضا للعفو.
في أهمية العلم:
و ادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم، و استعمل حاضر العلم بخالص العمل. و تحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ. و استجلب شدة التيقظ بصدق الخوف.
و احذر خفي التزين بحاضر الحياة، و توق مجازفة الهوي بدلالة العقل. وقف عند غلبة الهوي باسترشاد العلم.
و استبق خالص الأعمال ليوم الجزاء.
و انزل ساحة القناعة باتقاء الحرص، و ادفع عظيم الحرص بايثار القناعة.
و استجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل. و اقطع أسباب الطمع ببرد اليأس.
و سد سبيل العجب بمعرفة النفس. و تخلص الي راحة النفس بصحة التفويض.
فيما يخص البدن و القلب:
و اطلب راحة البدن باجمام [5] القلب. و تخلص الي اجمام القلب بقلة الخطأ. و تعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات. و استجلب نور القلب بدوام الحزن.
التحذير من ابليس:
و تحرز من ابليس بالخوف الصادق. و اياك و الرجاء الكاذب، فانه يوقعك في الخوف الصادق. التحبب الي الله:
و تزين لله عزوجل بالصدق في الأعمال. و تحبب اليه بتعجيل الانتقال.
[ صفحه 271]
و اياك و التسويف، فانه بحر يغرق فيه الهلكي.
و اياك و الغفلة، ففيها تكون قساوة القلب.
و اياك و التواني فيما لا عذر لك فيه، فاليه يلجأ النادمون.
مواعظ للتوبة:
و استرجع سالف الذنوب بشدة الندم، و كثرة الاستغفار.
و تعرض للرحمة و عفو الله بحسن المراجعة، و استعن علي حسن المراجعة بخالص الدعاء و المناجاة في الظلم.
في الشكر و طلب الرزق:
و تخلص الي عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق، و استقلال كثير الطاعة.
و استجلب زيادة النعم بعظيم الشكر و التوسل الي عظيم الشكر بخوف زوال النعم.
في طلب العز و دفع الذل:
و اطلب بقاء العز باماتة الطمع. و ادفع ذل الطمع بعز اليأس، و استجلب عز اليأس ببعد الهمة، و تزود من الدنيا بقصر الأمل.
و بادر بانتهاز البغية [6] عند امكان الفرصة، و لا امكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان.
وصايا قصار:
و اياك و الثقة بغير المأمون، فان للشر ضراوة [7] كضراوة الغذاء.
و اعلم أنه لا علم كطلب السلامة، و لا سلامة كسلامة القلب.
و لا عقل كمخالفة الهوي.
[ صفحه 272]
و لا خوف كخوف حاجز.
و لا رجاء كرجاء معين.
و لا فقر كفقر القلب.
و لا غني كغني النفس.
و لا قوة كغلبة الهوي.
و لا نور كنور اليقين.
و لا يقين كاستصغارك الدنيا.
و لا معرفة كمعرفتك بنفسك.
و لا نعمة كالعافية.
و لا عافية كمساعدة التوفيق.
و لا شرف كبعد الهمة.
و لا زهد كقصر الأمل.
و لا حرص كالمنافسة [8] في الدرجات.
و لا عدل كالانصاف.
و لا تعدي كالجور.
و لا جور كموافقة الهوي.
و لا طاعة كأداء الفرائض.
و لا خوف كالحزن.
و لا مصيبة كعدم العقل.
[ صفحه 273]
و لا عدم عقل كقلة اليقين.
و لا قلة يقين كفقد الخوف.
و لا فقد خوف كقلة الحزن علي فقد الخوف.
و لا مصيبة كاستهانتك بالذنب و رضاك بالحالة التي أنت عليها.
و لا فضيلة كالجهاد.
و لا جهاد كمجاهدة الهوي.
و لا قوة كرد الغضب.
و لا معصية كحب البقاء.
و لا ذل كذل الطمع.
و اياك و التفريط عند امكان الفرصة، فانه ميدان يجري لأهله بالخسران. [9] .
پاورقي
[1] الاود: العوج. و قد يأتي بمعني القوة.
[2] نعشه الله: رفعه و أقامه و تداركه من هلكة و سقطة. و ينعش أي ينهض - و ينشط.
[3] الأعراف: 201.
[4] أزري علي النفس: عابها و عاتبها. و يحتمل أن يكون: ازدراء - من باب الافتعال - أي احتقارا و استخفافا.
[5] الجمام - بالفتح -: الراحة. و اجم نفسه أي: تركها.
[6] البغية: مصدر بغي الشي ء أي طلبه، و انتهاز البغية: اغتنامها و النهوض اليها مبادرا.
[7] الضراوة: مصدر ضري بالشي ء، أي لهج به و تعوده و أولع به.
[8] المنافسة: المفاخرة و المباراة.
[9] تحف العقول: ص 284، بحارالأنوار: ج 78 ص 162 ح 1 نقلا عنه.