فصل القرآن و ما يتعلق به
قال أبوجعفر عليه السلام: «ان [ا] ناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم و ذلك أن الله تبارك و تعالي يقول: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله الا الله» [1] الآية
[ صفحه 231]
فالمنسوخات من المتشابهات؛ و المحكمات من الناسخات، ان الله عزوجل بعث نوحا الي قومه: «أن اعبدو الله و اتقوه و أطيعون» [2] ثم دعاهم الي الله وحده و أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا، ثم بعث الأنبياء عليهم السلام علي ذلك أن بلغوا محمدا صلي الله عليه و آله و سلم فدعاهم الي أن يعبدوا الله و لا يشركوا به شيئا و قال: «شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا و الذي أوحينا اليك و ما وصينا به ابراهيم و موسي و عيسي أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه كبر علي المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء و يهدي اليه من ينيب» [3] فبعث الأنبياء الي قومهم بشهادة أن لا اله الا الله و الاقرار بما جاء [به] من عند الله فمن آمن مخلصا و مات علي ذلك أدخله الله الجنة بذلك و ذلك أن الله ليس بظلام للعبيد و ذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتي يغلظ عليه في القتل و المعاصي التي أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها، فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكل نبي منهم شرعة و منهاجا و الشرعة و المنهاج سبيل و سنة و قال الله لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم: «انا أوحينا اليك كما أوحينا الي نوح و النبيين من بعده» [4] ، و أمر كل نبي بالأخذ بالسبيل و السنة و كان من السنة و السبيل التي أمر الله عزوجل بها موسي عليه السلام أن جعل الله عليهم السبت و كان من أعظم السبت و لم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله، أدخله الله الجنة و من استخف بحقه و استحل ما حرم الله عليه من عمل الذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله عزوجل النار و ذلك حيث استحلوا الحيتان و احتسبوها و أكلوها يوم السبت، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن
[ صفحه 232]
و لا شكوا في شي ء مما جاء به موسي عليه السلام، قال الله عزوجل: «و لقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين» [5] ثم بعث الله عيسي عليه السلام بشهادة أن لا اله الا الله و الاقرار بما جاء به من عندالله و جعل لهم شرعة و منهاجا فهدمت السبت الذي أمروا به أن يعظموه قبل ذلك و عامة ما كانوا عليه من السبيل و السنة التي جاء بها موسي فمن لم يتبع سبيل عيسي أدخله الله النار و ان كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لا يشركوا بالله شيئا، ثم بعث الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و هو بمكة عشر سنين، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم رسول الله الا أدخله الله الجنة باقراره و هو ايمان التصديق و لم يعذب الله أحدا ممن مات و هو متبع لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم علي ذلك الا من أشرك بالرحمن و تصديق ذلك ان الله عزوجل أنزل عليه في سورة بني اسرائيل بمكة: «و قضي ربك أن لا تعبدوا الا اياه و بالوالدين احسانا - الي قوله تعالي - انه كان بعباده خبيرا بصيرا»، أدب و عظة و تعليم و نهي خفيف و لم يعد عليه و لم يتواعد عليها و قال: «و لا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقهم و اياكم ان قتلهم كان خطئا كبيرا - و لا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا - و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا - و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتي يبلغ أشده و أوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا - و أوفوا الكيل اذا كلتم و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و أحسن تأويلا - و لا تقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا - و لا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض
[ صفحه 233]
و لن تبلغ الجبال طولا - كل ذلك كان سيئه عنه ربك مكروها - ذلك مما أوحي اليهم ربك من الحكمة و لا تجعل مع الله الها آخر فتلقي في جهنم ملوما مدحورا»، و أنزل في: «و الليل اذا يغشي»، «فأنذرتكم نارا تلظي - لا يصلاها الا الأشقي - الذي كذب و تولي» فهذا مشرك و أنزل في: «اذا السماء انشقت»، «و أما من أوتي كتابه وراء ظهره - فسوف يدعو ثبورا - و يصلي سعيرا - انه كان في أهله مسرورا - انه ظن أن لن يحور - بلي» فهذا مشرك و أنزل في [سورة] تبارك: «كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير - قالوا بلي قد جاءنا نذير فكذبنا و قلنا: ما نزل الله من شي ء»، فهؤلاء مشركون و أنزل في الواقعة: «و أما ان كان من المكذبين الضالين - فنزل من حميم - و تصلية جحيم» فهؤلاء مشركون، و أنزل في الحاقة: «و أما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه - و لم أدر ما حسابيه - يا ليتها كانت القاضية - ما أغني عني ماليه - الي قوله - انه كان لا يؤمن بالله العظيم» فهذا مشرك، و أنزل في طسم: «و برزت الجحيم للغاوين - و قيل لهم أين ما كنتم تعبدون - من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون - فكبكبوا فيها هم و الغاوون - و جنود ابليس أجمعون» جنود ابليس ذريته من الشياطين، و قوله: «و ما أضلنا الا المجرمون» يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتبعوهم علي شركهم و هم قوم محمد صلي الله عليه و آله و سلم ليس فيهم من اليهود و النصاري أحد و تصديق ذلك قول الله عزوجل: «كذبت قبلهم قوم نوح» [6] ، «كذب أصحاب الأيكة» [7] ، «كذبت قوم لوط» [8] ، ليس فيهم اليهود الذين قالوا: عزير
[ صفحه 234]
ابن الله و لا النصاري الذين قالوا: المسيح ابن الله، سيدخل الله اليهود و النصاري النار و يدخل كل قوم بأعمالهم؛ و قولهم: «و ما أضلنا الا المجرمون»، اذ دعونا الي سبيلهم ذلك قول الله عزوجل فيهم حين جمعهم الي النار: «قالت أولاهم لأخراهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار» [9] ، و قوله: «كلما دخلت أمة لعنت أختها حتي اذا اداركوا فيها جميعا» [10] ، بري ء بعضهم من بعض و لعن بعضهم بعضا، يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج [11] فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم و ليس بلوي و لا اختبار، و لا قبول معذرة ولات حين نجاة و الآيات و أشباههن مما نزل به بمكة و لا يدخل الله النار الا مشركا، فلما أذن الله لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم في الخروج من مكة الي المدينة بني الاسلام علي خمس: شهادة أن لا اله الا الله و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم عبده و رسوله و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و أنزل عليه الحدود و قسمة الفرائض، و أخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها و بها النار لمن عمل بها و أنزل في بيان القاتل: «و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما» [12] ، و لا يلعن الله مؤمنا قال الله عزوجل: «ان الله لعن الكافرين و أعد لهم سعيرا - خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا و لا نصيرا» [13] ، و كيف يكون في المشيئة و قد ألحق به - حين جزاه جهنم - الغضب و اللعنة و قد بين ذلك من الملعونون في كتابه، و أنزل
[ صفحه 235]
في مال اليتيم من أكله ظلما: «ان الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا» [14] ، و ذلك أن آكل ما اليتيم يجي ء يوم القيامة و النار تلتهب في بطنه حتي يخرج لهب النار من فيه حتي يعرفه كل أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم و أنزل في الكيل «ويل للمطففين» [15] و لم يجعل الويل لأحد حتي يسميه كافرا، قال الله عزوجل: «فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم» [16] و أنزل في العهد: «ان الذين يشترون بعهد الله و ايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر اليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم» [17] ، و الخلاق: النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شي ء يدخل الجنة، و أنزل بالمدينة: «الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك و حرم ذلك علي المؤمنين» [18] فلم يسم الله الزاني مؤمنا و لا الزانية مؤمنة، و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: - ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال - لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن فانه اذا فعل ذلك خلع عنه الايمان كخلع القميص، و نزل بالمدينة: «و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون - الا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا فان الله غفور رحيم» [19] ، فبرأه الله ما كان مقيما علي الفرية من أن يسمي بالايمان، قال الله عز
[ صفحه 236]
و جل: «أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون» [20] ، و جعله الله منافقا، قال الله عزوجل: «ان المنافقين هم الفاسقون» [21] ، و جعله عزوجل من أولياء ابليس، قال: «الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه» [22] ، و جعله ملعونا فقال: «ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم - يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعلمون» [23] ، و ليست تشهد الجوارح علي مؤمن انما تشهد علي من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطي كتابه بيمينه قال الله عزوجل: «فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم و لا يظلمون فتيلا» [24] ، و سورة النور أنزلت بعد سورة النساء و تصديق ذلك أن الله عزوجل أنزل عليه في سورة النساء: «و اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتي يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا» [25] ، و السبيل الذي قال الله عزوجل: «سورة أنزلناها و فرضناها و أنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون - الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» [26] [27] .
[ صفحه 237]
عن جابر الجعفي قال: سألت أباجعفر عليه السلام: عن شي ء من التفسير فأجابني، ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال: «يا جابر ان للقرآن بطنا و للبطن بطنا و له ظهر و للظهر ظهر، يا جابر ليس شي ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، ان الآية يكون أولها في شي ء و آخرها في شي ء و هو كلام متصل منصرف علي وجوه» [28] .
قال عليه السلام: «يا سعد تعلموا القرآن فان القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر اليها الخلق و الناس صفوف عشرون و مائة ألف صف؛ ثمانون ألف صف أمة محمد و أربعون ألف صف من سائر الأمم فيأتي علي صف المسلمين في صورة رجل فيسلم فينظرون اليه ثم يقولون: لا اله الا الله الحليم الكريم ان هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته و صفته، غير أنه كان أشد اجتهادا منا في القرآن فمن هناك أعطي من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه ثم يجاوز حتي يأتي علي صف الشهداء فينظرون اليه [الشهداء] ثم يقولون: لا اله الا الله الرب الرحيم ان هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته و صفته غير أنه من شهداء البحر فمن هناك اعطي من البهاء و الفضل ما لم نعطه، قال: فيتجاوز حتي يأتي [علي] صف شهداء البحر في صورة شهيد فينظر اليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم و يقولون: ان هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته و صفته غير أن الجزيرة التي أصيب فيها كانت أعظم هؤلاء من الجزيرة التي أصبنا فيها فمن هناك أعطي من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه، ثم يجاوز حتي يأتي الصف النبيين و المرسلين في صورة نبي مرسل فينظر النبيون و المرسلون اليه فيشتد لذلك تعجبهم و يقولون: لا
[ صفحه 238]
اله الا الله الحليم ان هذا النبي مرسل نعرفه بسمته و صفته غير أنه أعطي فضلا كثيرا، قال: فيجتمعون فيأتون رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيسألونه و يقولون: يا محمد من هذا؟ فيقول لهم: أو ما تعرفونه؟ فيقولون ما نعرفه هذا ممن لم يغضب الله عليه، فيقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: هذا حجة الله علي خلقه فيلسم، و يجاوز حتي يأتي علي صف الملائكة في سورة ملك مقرب فتنظر اليه الملائكة فيشتد تعجبهم و يكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله و يقولون: تعالي ربنا و تقدس ان هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته و صفته غير أنه كان أقرب الملائكة الي الله عزوجل مقاما فمن هناك ألبس من النور و الجمال ما لم نلبس، ثم يجاوز حتي ينتهي الي رب العزة تبارك و تعالي، فيخر تحت العرش فيناديه تبارك و تعالي: يا حجتي في الأرض و كلامي الصادق الناطق أرفع رأسك و سل تعط و اشفع تشفع، فيرفع رأسه فيقول الله تبارك و تعالي: كيف رأيت عبادي؟ فيقول: يا رب منهم من صانني و حافظ علي و لم يضيع شيئا و منهم من ضيعني و استخف بحقي و كذب بي و أنا حجتك علي جميع خلقك، فيقول الله تبارك و تعالي: و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لأثيبن عليك اليوم أحسن الثواب و لأعاقبن عليك اليوم أليم العقاب قال: فيرجع [29] القرآن رأسه في صورة أخري؛ قال: فقلت له: يا أباجعفر في أي صورة يرجع؟ قال: في صورة رجل شاحب متغير يبصره أهل الجمع [30] ، فيأتي الرجل من شيعتنا الذي كان يعرفه و يجادل به أهل الخلاف فيقوم بين يديه فيقول: ما تعرفني؟ فينظر اليه الرجل فيقول: ما أعرفك يا عبدالله؛ قال: فيرجع في صورته التي كانت في الخلق الأول و يقول: ما تعرفني؟ فيقول: نعم، فيقول القرآن: أنا الذي أسهرت ليلك
[ صفحه 239]
و أنصبت عيشك، سمعت الأذي، و رجمت بالقول في، ألا و ان كل تاجر قد استوفي في تجارته و أنا وراءك اليوم، قال: فينطلق به الي رب العزة تبارك و تعالي فيقول: يا رب؛ يا رب عبدك و أنت اعلم به قد كان نصبا بي [31] ، مواظبا علي، يعادي بسببي و يحب في و يبغض، فيقول الله عزوجل: أدخلوا عبدي جنتي و أكسوه حلة من حلل الجنة و توجوه بتاج، فاذا فعل به ذلك عرض علي القرآن فيقال له: هل رضيت بما صنع بوليك؟ فيقول: يا رب اني استقل هذا له فزده مزيد الخير كله، فيقول: و عزتي و جلالي و علوي و ارتفاع مكاني، لأنحلن له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له و لمن كان بمنزلته، الا أنهم شباب لا يهرمون و أصحاء لا يسقمون و أغنياء لا يفتقرون و فرحون لا يحزنون و أحياء لا يموتون: ثم تلا هذه الآية: «لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الأولي» [32] ، قال: قلت: جعلت فداك يا أباجعفر و هل يتكلم القرآن فتبسم ثم قال: رحم الله الضعفاء من شيعتنا انهم أهل تسليم ثم قال: نعم يا سعد و الصلاة تتكلم و لها صورة و خلق تأمر و تنهي، قال سعد: فتغير لذلك لوني و قلت: هذا شي ء لا أستطيع [أنا] أتكلم به في الناس فقال أبوجعفر: و هل الناس الا شيعتنا فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقنا ثم قال: يا سعد أسمعك كلام القرآن؟ قال سعد: فقلت: بلي صلي الله عليك، فقال: «ان الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر و لذكر الله أكبر» فالنهي كلام و الفحشاء و المنكر رجال و نحن ذكر الله و نحن أكبر» [33] .
قال عليه السلام: قراء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة،
[ صفحه 240]
و استدر به الملوك، و استطال به علي الناس، و رجل قرأ القرآن، فحفظ حروفه وضيع حدوده، و أقامه مقام القدح، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن. و رجل قرأ القرآن، فوضع دواء القرآن علي داء قلبه، فسهر ليله، و ظمي ء به نهاره، و قام به في مساجده، و تجافي به عن فراشه، فذاك من الذين يدفع العزيز الجبار بلاءهم، و يزيل اعداءهم، و أولئك ينزل الله عزوجل الغيث عليهم من سمائه. ثم قال: اذا قرأتم القرآن فبينوه تبيانا، و لا تهذوه هذا كهذ [34] الشعر، و لا تنثروه نثر الرمل، ولكن أفرغوا له القلوب القاسية، و لا يكن هم أحدكم آخر السورة، و اقرؤوه بألحان العرب و أصواتها، و اياكم و لحون أهل الكبائر، و أعربوا به فانه عربي، و لا تقرؤوه هذرمة [35] ، و اذا مررتم بآية فيها ذكر الجنة، فقفوا عندها و اسألوا الله الجنة، و اذا مررتم بآية فيها ذكر النار، فقفوا عندها و تعوذوا بالله من النار، و حسنوه بأصواتكم، فان الله تعالي أوحي الي موسي بن عمران عليه السلام: اذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير، و اذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين. و لقد كان علي بن الحسين عليهماالسلام يقرأ القرآن فربما مر عليه المار فيصعق من حسن صوته. و اقرؤوه في المصحف، فانه من قرأه في المصحف متع ببصره، و خفف عن والديه و أنه ليعجبني أن يكون في البيت مصحف، و أن البقعة التي يقرأ فيها القرآن و يذكر الله تعالي فيها تكثر بركتها، و تحضرها الملائكة، و يهجرها الشيطان، و تضي ء لأهل السماء كما تضي ء الكواكب لأهل الأرض، و ان البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر فيه الله تعالي تقل بركته، و تهجره الملائكة، و يحضره الشيطان. و من
[ صفحه 241]
قرأ القرآن و هو شاب مؤمن، اختلط القرآن بلحمه و دمه، و جعله الله مع السفرة الكرام البررة، و كان القرآن حجيرا [36] عنه يوم القيامة» [37] .
جاء رجل الي أبي جعفر عليه السلام بمكة، فسأله عن مسائل فأجابه فيها، ثم قال له الرجل: أنت الذي تزعم أنه ليس شي ء من كتاب الله الا معروف؟ - قال: ليس هكذا قلت: ولكن ليس شي ء من كتاب الله الا عليه دليل ناطق عن الله في كتابه مما لا يعلمه الناس، قال: فأنت الذي تزعم أنه ليس من كتاب الله الا و الناس يحتاجون اليه؟ - قال: نعم، و لا حرف واحد، فقال له: فما «المص»؟ - قال أبولبيد: فأجابه بجواب نسيته، فخرج الرجل فقال لي أبوجعفر عليه السلام: هذا تفسيرها في ظهر القرآن، أفلا أخبرك بتفسيرها في بطن القرآن؟ - قلت: و للقرآن ظهر و بطن؟ - فقال: نعم، ان لكتاب الله ظاهرا، و باطنا، و معاينا، و ناسخا، و منسوخا، و محكما، و متشابها، و سننا، و أمثالا و فصلا و وصلا و أحرفا و تصريفا، فمن زعم أن كتاب الله مبهم فقد هلك و أهلك، ثم قال: أمسك: الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون، و الصاد تسعون، فقلت: فهذه مائة و احدي و ستون، فقال: يا لبيد اذا دخلت سنة احدي و ستين و مائة، سلب الله قوما سلطانهم» [38] .
قال عليه السلام: «ان القرآن واحد نزل من عند واحد [39] ولكن الاختلاف [40] يجي ء من قبل الرواة» [41] .
[ صفحه 242]
عن حمران بن أعين، قال: سألت أباجعفر عليه السلام عن ظهر القرآن و بطنه. فقال: «ظهره الذي نزل فيهم القرآن، و بطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم يجري فيهم ما نزل في أولئك» [42] .
أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: اذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال: «انما ترائي به أهلك و الناس، قال: يا أبامحمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك و رجع بالقرآن صوتك فان الله عزوجل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا» [43] .
قال أبوجعفر عليه السلام: «لا تتخذوا من دون الله وليجة فلا تكونوا مؤمنين، فان كل سبب و نسب و قرابة و وليجة [44] و بدعة و شبهة منقطع مضمحل كما يضمحل الغبار الذي يكون علي الحجر الصلد اذا أصابه المطر الجود [45] الا ما أثبته القرآن» [46] .
قال له جابر الجعفي: ان قوما اذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدثوا به صعق [47] أحدهم حتي يري أنه لو قطعت يداه و رجلاه لم يشعر بذلك فقال عليه السلام: «ان ذلك من الشيطان، ما بهذا أمروا، و انما هو اللين و الرقة و الدمعة و الوجل» [48] [49] .
[ صفحه 243]
پاورقي
[1] سورة آل عمران آية 7.
[2] سورة نوح آية 3.
[3] سورة الشوري آية 13.
[4] سورة النساء آية 163.
[5] سورة البقرة آية 65.
[6] سورة ص آية 12.
[7] سورة الشعراء آية 176.
[8] سورة الشعراء آية 160.
[9] سورة الآعراف آية 36.
[10] سورة الآعراف آية 38.
[11] الفلج: الفوز و الظفر.
[12] سورة النساء آية 93.
[13] سورة الأحزاب الآيتين 65 / 64.
[14] سورة النساء آية 10.
[15] سورة المطففين آية 1 التطفيف: نقص المكيال لصالح البائع.
[16] سورة مريم آية 37.
[17] سورة آل عمران آية 77.
[18] سورة النور آية 3.
[19] سورة النور الآيتين 5 - 4.
[20] سورة السجدة آية 18.
[21] سورة التوبة آية 67.
[22] سورة الكهف آية 50.
[23] سورة النور الآيتين 24 / 23.
[24] سورة الاسراء آية 71.
[25] سورة النساء آية 15.
[26] سورة النور الآيتين 1 و 2.
[27] أصول الكافي للكليني ج 2 ص 33 - 28.
[28] المحاسن للبرقي ص 300.
[29] في بعض النسخ «فيرفع».
[30] و في بعض النسخ [شاحب متغير ينكره أهل الجمع.].
[31] في بعض النسخ [في] و نصب الرجل بالكسر نصبا: تعب و أنصبه غيره.
[32] سورة الدخان آية 56.
[33] أصول الكافي للكليني ج 2 ص 598 / 596.
[34] الهذ: سرعة القطع و القراءة، القاموس المحيط - هذذ - ج 1 ص 360.
[35] الهذرمة: سرعة الكلام و القراءة، قاموس ج 4 ص 189.
[36] حجيرا: الحجر: المنع و المراد هنا أن القرآن يمنع النار عن قارئه.
[37] اعلام الدين للديلمي ص 101.
[38] المحاسن للبرقي ص 270.
[39] أي الله سبحانه و تعالي.
[40] لعل المقصود هنا الاختلاف في القراءات.
[41] أصول الكافي للكليني ج 2 ص 630.
[42] معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص 259.
[43] أصول الكافي للكليني ج 2 ص 616.
[44] وليجة الرجل: بطانته و أخلاءه و خاصته.
[45] الجود - بالفتح - المطر الواسع الغزير.
[46] روضة الكافي ص 242.
[47] صعق: غشي عليه لصوت سمعه.
[48] الوجل: الخوف.
[49] الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة للشهيد الأول ص 29.