بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين. وبعد: منذ سنوات طويلة وأنا أجول بين كتب النسب والتراجم والتواريخ بحثا عن معالم واضحة لأبناء الإمام الباقر عليه السلام حيث دفعني الوقوف علي كثرة من أعقابهم نحو البحث عن الأصول التي أسدل عليها التاريخ ستار النسيان والإهمال. وزادتني عزما علي مواصلة البحث - رغم العوائق الصعبة والظروف المتعبة - أمور: منها: تصريحات جازمة وعبارات قاسية قرأتها في كتب مشهورة في الفن عند ذكرها أولاد الإمام الباقر (ع) من قبيل (من انتسب إلي الباقر (ع) من غير ولده الصادق فهو كذاب دعي) [1] أو (أن العقب من جعفر وحده) [2] أو (درجوا كلهم إلا أولاد الصادق (ع)) [3] وأمثال هذه العبارات التي باتت عندي بعد مطالعة الكثير منها المادة



[ صفحه 6]



العلمية الأولي والسند الرسمي الذي لم أجد في حينه ما يدحضه. بينما كانت قناعتي علي خلاف ما اشتهر. وصرت بين ما قرأت وما اعتقد في حيره تمنيت كثيرا رفعها. ومنها: عدد كبير من السادة أعرفهم في إيران والعراق ينتسبون إلي الإمام الباقر عليه السلام من غير ولده الصادق (ع) بخلاف ما اشتهر عند النسابين ولا شك في صدقهم لكثرتهم وتباعدهم ومشجرات قديمة يحتفظون بها منذ مئات السنين شهد بصحة انتساب أصحابها علماء كبار وبعض النسابين. هذا إضافة إلي الرغبة الملحة في الوقوف علي أجوبة مقنعة لتساؤلات تجيش في النفس حول المسألة: تري هل الأمر كما زعمه النسابون وأن هؤلاء الكثرة من السادة المعروفين بالحسينيين والذين ينسبون أنفسهم إلي الإمام الباقر عليه السلام يدعون ما ليس فيهم، وأن الخلف حمل وزر الانتحال بخطأ ارتكبه أحد الأجداد مثلا؟ لكن ما هذه المشجرات التي توارثوها وهي مختومة من قبل مراجع عظام وبعض المحققين ممن لهم مكانتهم بين رجال الفن؟ وإذا احتملنا الادعاء فلم لم يقتصر ذلك علي فخذ أو بطن بل يتعداه إلي الجذور عمقا فطائفة تنسب نفسها إلي عبد الله ابن الإمام الباقر عليه السلام وطائفة إلي إبراهيم ابن الإمام الباقر (ع) وثالثة إلي علي ابن الإمام الباقر (ع). ثم إذا كانت المسألة صرف ادعاء كيف اتفق أن اختار كل فئة ابنا من أبناء الإمام عليه السلام. ولم لم يختاروا في انتسابهم - والمسألة انتخاب - المشهورين بالعقب من أبناء الأئمة وإنما نسبوا أنفسهم إلي من ينكر عقبه النسابون علنا، أكان ذلك جهلا منهم بأن أولاد الإمام الباقر عليه



[ صفحه 7]



السلام درجوا ولم يكن لأحدهم نسل إلا الإمام الصادق عليه السلام؟ أم أن الأمر بالعكس وأنهم شهود علي خلاف ما استقر عليه المشهور. هذه التساؤلات شوقتني أكثر فأكثر في متابعة الموضوع والسير نحو الفحص والتنقيب. فالظن يدفع بالقناعة صوب الاستقرار والشواهد تدفع بالظن إلي مرتبة أعلي منه.. إذ لو أنصفنا لوجدنا أن الإصرار علي الانتساب إلي مجهول الحال لا يتفق واحتمال الانتحال خاصة إذا لم يكن في هذا الانتساب المر نفع يذكر لا بالنسبة إلي الأجداد ولا إلي الأحفاد. وأن كثرة المنتسبين يبعد الشك في صدق الدعوي سيما مع شهادة علماء بصحة الادعاء عبر قرون.. ولقد التقيت بأعداد منهم في أماكن متفرقة أذكر منها، بغداد وواسط والبصرة والأهواز وإيلام و دهلران وشيراز واصطهبانات وني ريز وجهرم وسروستان وطهران وطالقان وأصفهان وغيرها. كل يدعي الانتساب إلي الإمام الباقر عليه السلام من مختلف أولاده ولكثير منهم مشجرات فهل كل أولئك كذابون أدعياء كما زعم البخاري..؟؟؟! ثم بماذا أفسر انتساب الفقيه الكبير والمرجع الديني في النجف الأشرف المرحوم آية الله العظمي السيد إبراهيم المعروف بالميرزا آقا ألاصطهباناتي إلي السيد إبراهيم ابن الإمام محمد الباقر عليه السلام، كما وقفت علي مشجرته التي كانت ضمن أوراق ورسائل تركها في مكتبته والذي أنهي نسبه فيها إلي السيد إبراهيم ابن الإمام محمد الباقر (ع) المدفون في بشتكوه. فإذا كان يعلم وهو الفقيه المرجع أن أولاد الإمام الباقر (ع) لم يعقبوا فلماذا انتسب إليهم؟ وقد ألفت نظري تعيينه - رحمه الله - مكان دفن السيد إبراهيم في بشتكوه. وقد كنت أظن أن



[ صفحه 8]



المنتسبين إلي السيد إبراهيم المتواجدين في محافظة إيلام وما حولها ينفردون بهذا الادعاء. إذ لم أظفر بمن يشير إلي موطن دفن السيد إبراهيم غيرهم، فكيف تسني له إثبات ذلك، وهو - رحمه الله - من القاطنين في إقليم فارس منذ زمن بعيد، أقل ما عرفت من أمده أن من أجداده المدفونين هناك السيد مير حسين المدفون في سفح جبل خرمنكوه. ويعد السيد مير حسين هذا الجد العاشر للسادة الحسينيين في تلك المناطق. أشار إلي سنة وفاته ودفنه صاحب كتاب فارسنامه وقبره زار معروف هناك. وعلي كل حال فلقد كانت العناصر الباعثة للتساؤلات والمحركة صوب البحث بأمل الوصول إلي أجوبة مقنعة متوفرة في هذا الموضوع الذي دار الأمر فيه بين مشهور ضعيف الأصل وادعاء ضعيف الدليل. أن علماء النسب خاصة المهتمين منهم بالهاشميين يصرحون بأن الغاية مما قرروه في ابتكارهم الفن هو خوف دخول الأغيار أو خروج الأفراد. ومن الواضح أن سلامة أصل هذه القاعدة لا تعني السلامة في حصر المصاديق خصوصا مع العلم بأن تطبيق هذه القاعدة عمليا لم يتم إلا بعد ثلاثة قرون وفي ظرف يستحيل معه البت في ادعاء الإحصاء التام وذلك لا يخفي علي من له أدني إلمام بحياة الطالبيين في ظل الحكومتين الأموية والعباسية.. والاعتماد علي هذا الأصل كأساس لحكم الاحتياط الشديد عند جرد الأسماء يتطلب الحجة البالغة إثباتا ونفيا. تلك الحجة التي فقدت مصداقيتها في موارد كثيرة ولأسباب معروفة منذ بدء العملية... ثم إن طرفي المعادلة فيما أظهروه أعني خوف دخول الأغيار وخوف خروج الأفراد ليسا متعادلين لو أردنا مراعاة



[ صفحه 9]



الاحتياط في التعامل مع فرد مشكوك يتأرجح بين الخوفين فإن إخراج فرد علي الظن وعدم الحجة أثقل في الميزان ذنبا وأخطر في الدنيا أثرا من إدخال مدع من الأغيار شبهة وظنا. فالذي يدخل نفسه في ربقة الهاشميين وهو يعلم أنه ليس منهم فقد أضر بآخرة نفسه لمكان انتحال اسمهم وسرقته حقهم ظلما ومثل هذا ربح دنياه علي كل حال وخسر آخرته ولا يلحق ضرره الفاحش إلا بنفسه. أما إخراج الهاشمي من دوحته وقطعه من شجرته فإنه يترتب عليه خسرانان أحدهما في الدنيا بخسران شرف النسب الرفيع وما يترتب عليه من حقوق والثاني في الآخرة. بإغرائه علي الخروج من مسلكه وتعاطيه ما لا يجوز له و أكله ما لا يحل عليه هذا مضافا إلي ما يتحمله من عذاب نفسي لا ينفك عنه مدي الحياة. وإذا كان الأمر كذلك أوليس من الأجدر الإغماض عن أهون الشرين كي لا نرتكب وزر عدم المودة للقربي بظلمهم من حيث لا نشعر. ولا نشفق علي من تقدم عالما عامدا علي اقتراف المعصية طمعا في الدنيا بردعه قهرا عن عمله بإنكار نسبه ونكون بحجة حماية الهاشميين قد استخدمنا شفرة لا تفري إلا أوداج الهاشميين الكرام، فكلنا يعلم أن من تجرأ علي الله من العوام بادعاء السيادة لا يردعه هذا الإقدام عن ارتكاب ما هو أشنع في زي العوام. فلم لم ندع العصاة المتعمدين وما هم يقترفوه ونترك أمرهم إلي الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ولا نرتكب بغرور أو جهل ما يصدع قلب الرسول (ص) بإنكار فرع من شجرته الطيبة وطرده عن مقامه النسبي بجزم لا مبني له إلا الظن واحتمال خلافه قريب جدا. فإن كان الغرض من تلك الكلمات اللا مسؤولة كما يزعمون هو حماية السادة من هدر حقوقهم



[ صفحه 10]



وانتحال شخصيتهم فلا أظن أن أحدا من السادة يتعامل مقابل احتمال حفظ فرع من فروعهم وهم الأدري بما يدور عليهم من دوائر ويرددون قول الشاعر فيهم:



أري فيأهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات



والعجب من الذين يتباكون علي مزاحمة العلوي في الشرف والمال حينما - يتظاهرون بتضلعهم في علم الأنساب ولا يجدون لجد العلويين علي بن أبي طالب (ع) إذ يجلسون مجالس المتكلمين حقا ضاع في وضح النهار في الصدر الأول رغم الحجج والأدلة التي لا يتطرق إليها الشك. والأعجب من ذلك أن يركن من يدعي الموالاة والمودة لذي القربي إلي أولئك في إثباتهم فرعا أو نفيهم أصلا في حين يعتبر الرشد في خلافهم في غيره من العلوم... وإلا أليس القول بأن انتحال غير الهاشمي شخصية الهاشمي رغم حرمته الأكيدة أكثر نفعا من إخراج الهاشمي من ثوبه، فلربما حال ثوب الادعاء بين مدعيه وبين إظهاره المعاصي حياء أو خوفا بينما تترتب المفسدة كل المفسدة علي الهاشمي بإخراجه من معشره فلماذا لا نقدم الهاشمي علي غيره في حمايته من الإفساد؟ ثم أي حق لآل الرسول (ص) روعي علي مر التاريخ يخشي عليه من الضياع ليتوقف حفظ ذلك علي التكذيب غالبا.. هل كل هذا الجد والاجتهاد وكل هذا الإنكار والإثبات كان حقا من أجل ذلك النزر العباسي اليسير الذي جادوا به بعد موقفهم القديم المعروف من الطالبيين وهل كان ما كان من الجود العباسي لخير العلويين حقا أم أن لهم وراء تلك العملية مكيدة جديدة؟.



[ صفحه 11]



كلنا نعلم أن موقف الطالبيين عموما والعلويين خصوصا كان من التردي أبان العهدين السابقين درجة بات نفس العنوان وحده يحمل في طياته الموت والتشريد وأن هذا الموقف كان مستمرا حتي قبيل خلق النقابات. وإذا كان العلوي الأصيل ينكر نسبه أو يهرب إلي أقاصي البلاد رجاء النجاة في تلك الأيام تري أي دخيل جرئ يخاف منه تقمص ثوبهم وهو يعلم أن صرف مصاحبة آل البيت ذنب غير مغفور... و لعمري فقد كان الثوب العباسي هو الأكثر عرضة للتدنيس والتقمص لما كان يدره هذا الثوب علي لابسه من خيرات ولما كان يلبسه من عافية وأمان فكان الأجدر أن يكون نصب عين الطامعين وكان الأولي بالعباسيين إنشاء نقابات لهم لا للطالبيين. لكن الذي وقع هو العكس. والذي يبدو أن السخاء العباسي في هذه المرحلة لم يكن محضا لله فلقد كشفت لهم الأيام أن القضاء المبرم علي العلويين بات أمرا مستحيلا رغم شوكتهم وسطوتهم وتملكهم البلاد الإسلامية طولا وعرضا. وأن القتل الذي أباحوه بحقهم لم يجتثهم كما تصوروه ورأوا أنهم كلما أثخنوا العلويين بالجراح كلما كثر أنصار العلوية وزاد حبهم في نفوس الآخرين، ففكروا وقدروا فقتلوا كيف قدروا... رأوا أن لا بأس في كسبهم رضا بعض المعارضة بالمال حماية لسلطانهم فهم بذلك يشقون وحدة العلويين لأنهم ينقسمون لا محالة في هذا الأمر إلي موافق لأخذ العطاء ومخالف لا يهادن فيؤول الأمر إلي زعزعة الثقة بينهم وكما قيل فرق تسد. هذا إضافة إلي كون فعلهم ذاك غطاء لما يغدقوه علي العباسي...!.



[ صفحه 12]



إذن المبررات لفكرة النقابات كثيرة ومن الخطأ تفسير ما قاموا به بندمهم علي ما ارتكبوه بحق العلويين واعتبار هذا الكرم استردادا لبعض الحقوق وتعويضا لما فات... بل إنما كانت العملية سياسة جديدة للالتفاف علي الخصم والإجهاز عليه بسلاح جديد ليس إلا.. وتبدأ الحملة بشراء الذمم وتشتد بانكفاء المسألة صوب بيوت النقباء، وطبيعي أن يكون للولاء هنا دور كبير فليس من المعقول درج من لم يثبت ولاءه في سجلاتهم وبذلك يتميز المسالم من المحارب. ولا يظن غير هذا في السياسة الجديدة إذا أخذنا بنظر الاعتبار ماضي الأمة مع القضية حيث لم نجد أثرا لمراعاة شرف التقدم في آل الرسول (ص) الأقربين منذ وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فكيف ومم يخاف عليهم المزاحمة من دخول الأغيار وقد دفعوا عن حقهم بحد السيف والتنكيل والتشريد إلي هذه الأيام التي راجت فيها فكرة النقابات. لم أقل ما قلت طعنا في علم النسب أو تقليلا من شأنه لا سمح الله لكنه احتجاج علي الظلم واعتراض علي من أغني بالظن الآثم عن الحق وأبي أن يقول لا أعلم استنكافا في مسألة أحيطت بظروف وملابسات عكرت صفو جوها، وكان بين حكمهم والواقع طول الزمان ووعورة المسلك وظلمات يتيه في سواد أمواجها الدليل الحاذق كما لا يخفي ذلك علي البصير المنصف. فكيف أذعن الفقيه بضياع الكثير من أخبار الأحكام رغم كثرة حفاظها وناقليها والمهتمين بشؤونها بسبب الظروف الخاصة التي مرت علي رواية الحديث مع أهميتها والاحتياج الشديد إليها في كل زمان. ولم يذعن النساب بضياع أخبار كثيرة عن أحوال أبناء الأئمة الأطهار عليهم السلام وهو يعلم أكثر من غيره أن الكثيرين



[ صفحه 13]



من ذرية علي عليه السلام كانوا يتعمدون في إضاعة أنفسهم هربا من بطش الجبارين في وقت لم تكن أخبار النسب بأهمية أخبار الفقه ولم يتصد له من الرواة ما تصدي لأخبار الأحكام بل ربما لم يكن ذكر نسب الطالبيين آنذاك شيئا مذكورا. فبدل أن يحيل بعضهم علم ما لا يعلم إلي الله تعالي - يبت بالافتراء والتوهين وذاك الذي يحز في القلب - من كان يعرف مصير عيسي المختفي لولا... وكم من أمثال عيسي ضاعوا و ضاعت ذرياتهم في أرض الله الواسعة والعذر في ذلك واضح والشواهد كثيرة ثم أي شئ اتفقوا عليه فيما كتبوه عن حياة الأئمة أنفسهم حتي يتفقوا علي أن " لا عقب للباقر (ع) إلا من الصادق " [4] .

وسنقف بعد قليل عند هذه الحقيقة عند تعرضنا للاختلافات الفاحشة بين المؤرخين وأهل السير في حياة شخص الإمام الباقر عليه السلام من سنة ولادته وكيفية وفاته والخليفة الذي توفي في عهده إلي غير ذلك من المسائل التي ينبغي ألا تكون مورد اختلاف ونقاش وجديرة بأن تذكر عندها عبارتهم " واتفقوا علي ذلك " هناك سنري كم هم في شقاق. فإذا كانت حياة الإمام ذلك العنوان البارز موردا للاختلاف وأخبارهم فيها تدور بين الإفراط والتفريط فكيف بالأبناء وأبناء الأبناء وقد كثرت الدواعي علي ضياع أخبارهم فخلو السجلات النقابية من أسماء الكثير منهم واختفائهم عن أنظار الباحثين عنهم في الطرقات العامة والمدن الكبيرة مع صعوبة التنقل والتظاهر أيام سلطان الدوانيقي والحجاج وإبراهيم بن هشام المخزومي وعبد الملك بن محمد بن عطية



[ صفحه 14]



وعيسي بن موسي ومن شاكلهم من المتعطشين بدماء أهل البيت و المقلدين لطواغيتهم في فتوي " اقتلوهم علي الظن والتهمة " إن نظرة دقيقة في الأوضاع الأمنية والسياسية التي رافقت حياة الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام تدل وبوضوح علي العلل الواقعية وراء غياب الكثير من أخبارهم وغموض مصير أبنائهم ومن أجل ذلك ركزنا في فصل من الكتاب علي هذا الجانب كأحد الأسباب الرئيسية وراء ضياع أبناء الإمام الباقر عليه السلام. فقد بلغ الحال درجة تعدي الخطر معها حدود أهل البيت إلي شيعتهم ومحبيهم حتي أن رواة الحديث من الشيعة كانت تنقطع صلتهم بالبعض علي أثر نشاط خلفاء بني أمية العدائي ضد الأئمة من آل علي وشيعتهم. فضلا عن الاتصال بالأئمة وأبنائهم. ثم إن الحديث عن الأنساب في القرن الأول وكذا الثاني كان مقتصرا علي أنساب القبائل العربية فقط لأن فخر الناس آنذاك كان عموما بفخر القبيلة وعظمة العشيرة، والانتساب إليها، فكان لا بد من معرفة أنساب العرب، إما للانتساب أو لتشخيص انتساب الآخرين إضافة إلي أن الإلمام بعلم الأنساب في حد ذاته كان عند العرب من السمات المبرزة لشخصية الفرد في المجتمع. ومن ثم تحول الاتجاه في الافتخار إلي الانتساب إلي شجرة النبوة فيما بعد النصف الثاني من القرن الثاني. ولم يثبت اختصاص كتب النسب بالطالبيين علي وجه التفصيل إلا أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع. فقد صرح كثير من الأعلام بأن كتاب نسب آل أبي طالب لمؤلفه يحيي النسابة بن



[ صفحه 15]



الحسن بن جعفر الحجة بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام المتوفي سنة 277 ه‍. ق هو أول كتاب ألف اختصاصا في نسب الطالبيين وهذا يكفي توجيها في غياب الكثير من أخبار أولاد (ع) الأئمة الذين عاصروا الأمويين والشطر الأول من العصر العباسي، مع الأخذ بنظر الاعتبار طول الفترة بينه وبين الإمام الباقر عليه السلام والفترة المظلمة من أيام الكر والفر بين أمية والعلويين وفقدان الحجة في إثبات الحقائق ومحدودية علم الرواة ممن سبق مع إذعانهم بالتنكيل والتشريد وصعوبة الانتقال و التنقيب وعدم انقشاع غيوم الخوف عن العلويين حتي فترة تدوين الأنساب إلا عن بعضهم ممن أظهر التعاطف مع الولاة العباسيين. وأخيرا وتقريبا لاحتمال ضياع الأخبار وتقريبا لحقيقة وقوع الهفوة مهما أحسنا الظن بحذاقة أهل الفن أقول: لو تأملنا في عملية التعداد السكاني التي تجريها دول العالم في عصرنا الحاضر. هذا العصر الغني عن الوصف من حيث الإمكانات وما تمتلكه الحكومات من القدرات والوسائل نجد رغم كل الجهود المبذولة ورغم الرغبة الشديدة للحكومات المقتدرة إفلات الكثير من الأسماء عن الإحصاء لأسباب وأسباب ولم يتم لهم الجرد الكامل المتوخاة. ولو سمعنا باشتعال فتيل فتنة بين حكومة وفئة من رعاياها تعارضها كما هو الحال اليوم في أرجاء كثيرة من العالم وتتبعنا مجريات الأحداث لرأينا كيف تكر الغارات علي تلك الفئة بجيوش لا قبل لهم بها غالبا لقمعهم وأني يتسبب ذلك في تشتيت شمل الأسر وهرب الأفراد شرقا وغربا للنجاة يلوذون بكل حجر ومدر وكم تضيع في الاستنفار من



[ صفحه 16]



نفوس وكم تذهل المراضع عما أرضعت ويفر المرء من صاحبته وبنيه وما أكثر هذه المشاهد في زماننا. فذاك شعب فلسطين وذاك شعب لبنان وهذا شعب العراق والبوسنة وشعوب وشعوب نكبت ببركة السياسة والسياسيين وتفرق جمعها ووقعت الفرقة بين أفراد أسرها فكم من أب لا يعلم مصير أولاده وكم من أخ قطع عن أخيه وهكذا. وقد يطول زمان الفرقة وتستمر أسباب الابتعاد والافتراق وتنقطع الأخبار رغم كثرة وسائل الاتصال والنقل حتي تحول الغربة بين القريب و القريب تماما وعلي ذلك شواهد كثيرة في عصرنا.. تري كيف بتلك القرون الغابرة التي لا يشك أحد بما جري فيها من القتل والتشريد بحق أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم.. وإذا كان الضائعون في عصر الذرة والمشردون عن ديارهم عاجزين عن إثبات وجودهم لأهليهم مع توفر الإمكانات فلم نستبعد العجز علي الغابرين مع فقدانهم كل وسيلة في تعريف أنفسهم للقريب أو الغريب المتبطر؟. وأخيرا فإن تصريح المشهور بالانكار وصمت غالب المصادر عن الموضوع وصعوبة مسلك البحث كل ذلك لم يحل بيني وبين المضي في المحاولة مهما كانت أولية. فالاطمئنان بالقضية والأمل في العثور علي القدر الكافي من الأدلة المثبتة شجعاني علي ذلك. فإن بلغت فهو المطلوب وإن حالت الظروف بيني وبين غاية المراد في المسألة فما جمعته في هذه الأوراق لا يخلوا قطعا من فائدة كمادة أوليه قد يستعين بها غيري ممن يحالفه التوفيق في تتبع هذه المسألة الخطيرة مستقبلا.. فوالله إني ما رفعت ولا وضعت قدما في هذا الطريق



[ صفحه 17]



إلا رغبة في إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام الذين فرض الله مودتهم علي الأنام وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. حسين الحسيني الزرباطي شيراز في 1 / 3 / 1416



[ صفحه 18]




پاورقي

[1] سر السلسلة لأبي نصر البخاري طقم سنة 1413 ص 33.

[2] المجدي للعمري ص 94، تهذيب الأنساب ص 147.

[3] المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 210، لباب الأنساب ج 2 ص 447.

[4] الشجرة المباركة ص 75.