بازگشت

هشام بن عبد الملك


105 - 125 ه‍. ق

وبتوليه الحكم تبدأ حقبة جديدة من التعسف العلني ضد بني هاشم، ولئن تظاهر من سبقه من حكام بني أمية بتحاشي الصدام المعلن مع الإمام زين العابدين (ع)، واكتفوا بصنيع ولاتهم في المدينة بإلحاق الأذي به، والتضييق وتشديد الحصار عليه، حتي لزم منزله ولا يلتقي الناس ولا يلاقوه إلي أن دسوا إليه السم، فإن هشاما فتح باب الحرب مع أهل هذا البيت الطاهر واستهدف شخص الإمام الباقر (ع). فهو إضافة إلي إمضائه الأمور علي ما كانت عليها في الأيام الماضية - سوي أيام عمر بن عبد العزيز - من مناحيها المتعددة، أضاف ما لم يظهره من كان قبله. ولئن تزاور ذات اليمين وذات الشمال لحفظ ظاهر الخلافة، فهو قد سلك سبيل النفاق في شفاء غليله من آل محمد (ص)، وفي رفع شأن أجداده الذين وضعهم الله.. ولم لا يكون كذلك وهو ابن الحمقاء عائشة بنت الوليد بن المغيرة، التي أمرها أهلها إلا



[ صفحه 40]



تكلم عبد الملك حتي تلد. وكانت تثني الوسائد وتركب الوسادة وتزجرها كأنها دابة، وتشتري الكندر فتمضغه وتعمل منه تماثيل، وتضع التماثيل علي الوسائد وقد سمت كل تمثال باسم جارية، وتنادي يا فلانة ويا فلانة. فطلقها عبد الملك لحمقها. وسار عبد الملك إلي مصعب فقتله، فلما قتله بلغه مولد هشام، فسماه منصورا يتفاءل بذلك وسمته أمه باسم أبيها هشام فلم ينكر ذلك عبد الملك [1] ، فلا غرابة إذن أن يكون هشام شكس الأخلاق خشن الجانب قليل البذل للنوال كما وصفه بعضهم [2] ، وإذا تصورنا الذين التفوا حوله من حثالات بني أمية وما كانوا عليه من مذهب، لأدركنا سر السبعية التي أظهرها لآل أبي طالب. فهذا هو هشام يعزم إلي مكة وقبل أن يدخل المدينة " لقيه سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان وهشام يسير فنزل له فسلم عليه ثم سار إلي جنبه فصاح هشام أبا الزناد - يقول أبو الزناد - فتقدمت فسرت إلي جنبه الآخر فأسمع سعيدا يقول: يا أمير المؤمنين إن الله لم يزل ينعم علي أهل بيت أمير المؤمنين وينصر خليفته المظلوم ولم يزالوا يلعنون في هذه المواطن الصالحة أبا تراب، فأمير المؤمنين ينبغي له أن يلعنه في هذه المواطن الصالحة [3] ...، ويتظاهر هشام نفاقا أنه ما قدم لشتم أحد ولا للعنه. وهو الذي يحمل الإمام أبي جعفر الباقر (ع) إلي الشام، فلما يصل بابه يتآمر مع أصحابه للاستهزاء من الإمام. فلما يدخل أبو جعفر (ع) " قال بيده السلام عليكم فعمهم بالسلام جميعا



[ صفحه 41]



ثم جلس فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة وجلوسه من غير إذنه فأمر به إلي الحبس " [4] .

وهذا زيد بن علي يدخل عليه فيقول له هشام: ما فعل أخوك البقرة؟ يعني الباقر عليه السلام فقال زيد: لشد ما خالفت رسول الله (ص) سماه الباقر وسميته البقرة لتخالفنه يوم القيامة يدخل هو الجنة وتدخل النار [5] وينتقص هشام من زيد ويرده زيد بالمثل " فوثب هشام ووثب الشاميون ودعا قهرمانه وقال لا يبيتن هذا في عسكري الليلة فخرج أبو الحسين زيد وهو يقول: لم يكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا. فحملت كلمته إلي هشام فعرف أنه يخرج عليه ثم قال هشام: ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا [6] ...؟ انظروا إلي ما كان يختلج في صدور بني أمية من أماني ورؤي: فقول هشام - ألستم تزعمون... يدل بوضوح علي ما نوته وتمنته أمية خلفا بعد سلف، فما أن علم أن بقية ما زالت منهم باقية ازداد حنقا وغيضا عليهم وزاد في سبهم ولعنهم علي المنابر.. فهذا واليه - إبراهيم بن هشام المخزومي - في المدينة وهو يجمع بني هاشم ثم يصعد المنبر فينال من علي، وكذا واليه خالد بن عبد الملك وآخر ولاته محمد بن هشام. وكشف هشام عن خبث سريرته عندما دس السم



[ صفحه 42]



إلي أبي جعفر الباقر (ع) وقد كشر عن أنياب حقده علي بني علي بعد قيام زيد... ويكفي في معرفة ما عاناه أهل البيت عليهم السلام إلي آخر عهد الإمام الباقر عليه السلام ما روي عن الإمام الباقر (ع) قال: ما ينقم الناس منا؟! نحن أهل بيت الرحمة، وشجرة النبوة ومعدن الحكمة وموضع الملائكة ومهبط الوحي [7] .

أن زيدا لما وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتي بايعوه علي الحرب ثم نقضوا بيعته وأسلموه فقتل رحمة الله عليه. و صلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحدهم ولا يغير بيد أو لسان [8] .

وكان أهل التملق من الولاة يتسابقون في إظهار الإخلاص للتقرب من الخليفة. و إذا ما حدث بين اثنين منهم أمر حاول الواحد منهم الإيقاع بالآخر باتهامه بشئ يسوء الخليفة. ووقع مثل هذا الأمر بين يوسف بن عمران والي هشام علي العراق، وخالد بن عبد الله القسري الوالي السابق عمران والي هشام علي العراق، وخالد بن عبد الله القسري الوالي السابق أيام قيام زيد. إذ يبادر يوسف بالكتابة إلي هشام - كتب إليه " إن أهل هذا البيت من بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعا حتي كانت همة أحدهم قوت عياله، فلما ولي خالد العراق أعطاهم الأموال فتقووا بها حتي تاقت أنفسهم إلي طلب الخلافة وما خرج زيد إلا عن رأي خالد والدليل علي ذلك نزول خالد - بالقرية علي مدرجة العراق يستنشئ أخبارهم [9] ويكذب هشام الخبر ويقول مهما اتهمنا خالدا فلسنا نتهمه في طاعة... نعم: إنها تهمة تكفي سببا للقتل ما دامت القلوب مليئة حقدا علي



[ صفحه 43]



هذا البيت الشريف وعلي من أظهر لهم الولاء. انظر إلي يوسف والي هشام علي العراق بعد قتله زيدا وهو يخطب في الكوفة ماذا يقول: يا أهل المدرة الخبيثة... لا عطاء لكم عندنا ولا رزق ولقد هممت أن أخرب بلادكم ودوركم وأحرمكم أموالكم أم والله ما علوت منبري إلا أسمعتكم ما تكرهون عليه فإنكم أهل بغي وخلاف ما منكم إلا من حارب الله ورسوله إلا حكيم بن شريك المحاربي. ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ولو أذن لقتلت مقاتلتكم وسبيت ذراريكم [10] كل ذلك لأن أهل العراق أظهروا الولاء أكثر من غيرهم للإمام علي و بنيه. ويكتب هشام إلي يوسف بن عمر الثقفي بعد أن وصله رأس زيد بن علي بن الحسين (ع) مهداة من يوسف: أن اصلبه عريانا فصلبه يوسف كذلك، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أمية يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم: صلبنا لكم زيدا علي جذع نخلة ولم أر مهديا علي الجذع يصلب [11] ويقال إن هشاما أرسل إلي يوسف أن احرق عجل العراق فحرقوه [12] وقيل إن الوليد كتب إليه: أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل العراق فاحرقه وانسفه في اليم نسفا.. [13] وأيهما كان الكاتب فما أحدهما بأقل من الآخر حقدا. وهكذا أظهر هشام العداء لآل أبي طالب بشكل معلن بعد مقتل



[ صفحه 44]



زيد وأمر عماله بالتضييق عليهم وأن تمحي أسماؤهم من ديوان العطاء وملأ منهم السجون وكتب إلي عامله يوسف بن عمر الثقفي بقطع لسان الكميت ويده لأنه رثي زيدا [14] .


پاورقي

[1] الطبري ج 5 ص 377.

[2] التنبيه والأشراف ص 279.

[3] الطبري ج 5 ص 384.

[4] تمام الخبر في البحار ج 46 ص 264.

[5] عمدة الطالب ص 194.

[6] نفس المصدر ص 256.

[7] الإرشاد ج 2 ص 168، بصائر الدرجات ج 5 ص 77.

[8] كشف الغمة ج 2 ص 337.

[9] الطبري ج 5 ص 558.

[10] الطبري ج 5 ص 558.

[11] الطبري ج 5 ص 507.

[12] مروج الذهب ج 2 ص 207.

[13] البدء والتاريخ ج 6 ص 49.

[14] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 38.