بازگشت

العوامل المساعدة علي تزايد القمع


ذكرنا فيما مضي العوامل الرئيسية في انعدام الأمن والاستقرار بالنسبة للعلويين وها نذكر العوامل التي أثرت بشكل أو بآخر في هذا الميدان، فمنها: 1 - الحركات الثورية التي وقعت في العهدين مثل: أ - قيام زيد بن علي في عهد هشام بن عبد الملك سنة 121 ه‍. ب - قيام يحيي بن زيد سنة 125 ه‍. ج - ظهور عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر سنة 128 ه‍. د - دخول الخوارج إلي اليمن ومكة والمدينة سنة 129 ه‍. ه‍ - قيام العباسيين. و - ثورة محمد بن عبد الله زمن المنصور. ز - ظهور الحسين صاحب فخ أيام الهادي. وتسببت غالب هذه الحركات إن لم نقل جميعها في تشديد المعاناة



[ صفحه 68]



علي العلويين والتضييق عليهم فأثر حركة زيد شدد الأمويون ضغطهم علي العلويين، وعقب ظهور النفس الزكية صب العباسيون جام غضبهم عليهم. 2 - الخلاف بين العلويين أنفسهم: فقد انقسموا علي أنفسهم بين موافق للسلطات ومخالف قائم بالسيف ومستقل يعمل بالتقية. وهذا الاختلاف إضافة إلي كونه سببا لتضعيفهم أمام أعدائهم، فقد تسبب في أن يلحق بعضهم الضرر بالآخر سواء بالسعاية أو بالاضطهاد عندما تسنح الفرص وتسمح القوة. ففي البحار: أنه لما دعا محمد بن عبد الله لنفسه واستوثق الناس لبيعته شاور عيسي بن زيد وكان من ثقاته، وكان علي شرطته فشاوره في البعثة إلي وجوه قومه فقال له عيسي بن زيد: إن دعوتهم دعاء يسيرا لم يجيبوك أو تغلظ عليهم، فخلني وإياهم فقال له محمد: امض إلي من أردت منهم فقال: ابعث إلي رئيسهم وكبيرهم - يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) - فإنك إذا غلظت عليه علموا جميعا أنك ستمرهم علي الطريق التي أمررت عليها أبا عبد الله (ع). قال فوالله ما لبثنا أن أوتي بأبي عبد الله (ع) حتي أوقف بين يديه فقال له عيسي بن زيد: أسلم تسلم، فقال له أبو عبد الله أحدثت نبوة بعد محمد (ص)؟ فقال له محمد: لا ولكن بايع تأمن علي نفسك ومالك وولدك ولا تكلفني حربا. فقال له أبو عبد الله ما في حرب ولا قتال ولقد تقدمت إلي أبيك وحذرته الذي حاق به ولكن لا ينفع حذر من قدر، يا بن أخي عليك بالشباب ودع عنك الشيوخ. فقال له محمد: ما أقرب ما بيني وبينك في السن.. إلي أن قال له: لا والله لا بد أن تبايع



[ صفحه 69]



فقال أبو عبد الله ما في يا بن أخي طلب ولا هرب وإني لأريد الخروج إلي البادية... فيقول محمد: والله لتبايعن طائعا أو مكرها، فأبي الإمام إباء شديدا. فأمر به إلي الحبس. فقال عيسي بن زيد: أما إن طرحناه في السجن وقد خرب السجن وليس عليه اليوم غلق خفنا أن يهرب منه.. فضحك أبو عبد الله (ع) ثم قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أو تراك تسجنني؟ قال: نعم والذي أكرم محمدا (ص) بالنبوة لأسجننك ولأشددن عليك. فقال عيسي بن زيد: احبسوه في المخبأ وذلك دار ريطة اليوم. فقال له أبو عبد الله (ع): أما والله إني سأقول ثم أصدق. فقال له عيسي بن زيد: لو تكلمت لكسرت فمك.. إلي أن يقول وقام إليه السراقي ابن سلح الحوت فدفع في ظهره حتي أدخل السجن. واصطفي ما كان له من مال وما كان لقومه ممن لم يخرج مع محمد [1] .

وعن أبي الفرج: أنه خرج مع محمد، عيسي بن زيد وكان يقول: من خالف بيعتك من آل أبي طالب فامكني من ضرب عنقه.. فأتي بعبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين (ع) فغمض عينيه قال إن علي يمينا إن رأيته لأقتلنه. فقال له عيسي دعني أضرب عنقه، فكف عنه [2] .

3 - السعاية إلي السلطان تقربا إلي الباطل أو طمعا في المال: فعن الفضل بن الربيع قال: صار إلي عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله الزبيري فقال: إن موسي بن عبد الله بن الحسن المثني



[ صفحه 70]



قد أرادني علي البيعة له. فجمع الرشيد بينهما... الخ [3] ، وفي الطبري هو بكار بن عبد الله وكان شديد البغض لآل أبي طالب، وكان يبلغ هارون عنهم، ويسئ بأخبارهم، وكان الرشيد ولاه المدينة وأمره بالتضييق عليهم [4] وفي الفصول المهمة: لما وشي بالصادق (ع) عند المنصور قال المنصور يا أبا عبد الله إن فلانا الفلاني أخبرني عنك بما قلت لك فقال عليه السلام: أحضره يا أمير المؤمنين ليوافقني علي ذلك، فأحضر الرجل الذي سعي به إلي المنصور فقال له المنصور: أحقا ما حكيت لي عن جعفر؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين... الخ [5] .

ولقد كان البعض يتربص بهم ليسلمهم إلي السلطة مقابل مال كما فعل ذلك بيحيي بن عبد الله بن الحسن المثني. فإنه لما سار إلي الديلم مستجيرا باعه صاحب الديلم من عامل الرشيد بمائة ألف درهم فقتل رحمه الله [6] فهذه العوامل كانت إما مزعزعة للاستقرار والأمن بحد ذاتها أو مساعدة علي ذلك، فلقد تعرضت المدينة المنورة لحملات عسكرية عدة مرات خلال هذه الفترة، وكل حملة منها أدت إلي خروج أعداد من العلويين من موطنهم. وكان بعض الأحداث التي وقعت لصالح الهاشميين سببا آخر من أسباب الجلاء والهجرة من البلاد. فهذا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ينهض ثائرا ويغلب علي مياه الكوفة ومياه البصرة وهمدان وقم والري وقومس وأصبهان ويقيم بأصبهان [7] .



[ صفحه 71]



. والتحق به جمع من بني هاشم [8] فإنه حكم تلك النواحي حدود سنة. فإذا علمنا بأن من جملة اللاجئين إلي تلك المناطق في تلك الفترة الحرجة، أبو العباس السفاح والمنصور وعيسي بن علي [9] وأمثالهم فلا نستبعد أن يكون أولاد الإمام الباقر (ع) أيضا من أولئك المهاجرين، ويقال إن الحسن بن معاوية بن عبد الله كان حاكما من قبل أخيه عبد الله بن معاوية علي الجبال [10] وهذا يشوق كثيرا الهاشمي المضطهد في الهجرة إلي تلك المناطق الوعرة الآمنة. وبملاحظة الظروف التي رافقت حياة الإمام الباقر (ع) وأولاده من جوانبها المختلفة نلمس بوضوح جو الإرهاب والخوف الذي عاشوه في المدينة المنورة. فظلم الولاة ومتابعتهم لأهل البيت بالإيذاء والقتل وقسوة القانون والهرج والمرج التي تعرضت له المدينة وصيرورتهم غرضا لأهل الأحقاد والأطماع في تمرير مآربهم بالكذب والافتراء عليهم والوشاية بهم كل ذلك يؤكد وخامة الأوضاع الأمنية وفقدانهم الاستقرار ومقومات الظهور في الوسط الاجتماعي بل وتؤكد أيضا حتمية الهجرة طلبا للأمن والنجاة.. وهذا هو التاريخ يذكر لنا خروج الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام من المدينة لفترات محدودة بسبب الفتن التي وقعت داخل المدينة فعن الصادق (ع) قال: كان أبي في مجلس ذات يوم من الأيام إذ أطرق برأسه إلي الأرض ثم رفعه فقال: يا قوم كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم مدينتكم هذه في



[ صفحه 72]



أربعة آلاف يستعرضكم علي السيف ثلاثة أيام متوالية فيقتل مقاتلتكم وتلقون منه بلاء لا تقدرون عليه ولا علي دفعه وذلك من قابل فخذوا حذركم واعلموا أن الذي قلت لكم هو كائن لا بد منه فلم يلتفت أهل المدينة إلي كلامه، وقالوا لا يكون هذا أبدا، فلما كان من قابل تحمل أبو جعفر من المدينة بعياله، هو وجماعة من بني هاشم، وخرجوا منها فجاءها نافع بن الأزرق فدخلها في أربعة آلاف واستباحها ثلاثة أيام وقتل فيها خلقا كثيرا لا يحصون [11] .

وفي البحار: لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن هرب جعفر إلي ماله بالفرع فلم يزل هناك مقيما حتي قتل محمد، واطمأن الناس وأمنوا رجع إلي المدينة [12] وقد أشرنا فيما تقدم إلي ما لاقاه أهل هذا البيت من ألوان العذاب وقلنا أن هذا البلاء عمهم رجالا ونساء ولم ينج أصحابهم أيضا من هذا التنكيل وأخيرا نورد مثالين آخرين في هذا المضمار للوقوف أكثر فأكثر علي الوضع العلوي في تلك الأيام. ففي تذكرة الخواص عن الواقدي: كان لجعفر بن محمد مولي يقال له معتب يبعثه إلي مالك بن أنس يسأله عن مسائل فلما حج المنصور بلغه خبر معتب فضربه ألف سوط حتي مات [13] .

وفي ترجمة السيدة أم كلثوم بنت إسحاق الكوكبي بن الحسن بن زيد بن الحسن المجتبي ذكر: إنها دخلت شيراز بعد قتل أعمامها وقصد بني العباس استئصالهم فأقامت بها



[ صفحه 73]



متنكرة واشتغلت بعبادة الله. وقيل لما اطلعوا علي حالها قصدها بعض أعدائهم من دمشق فأرادوا أخذها فهربت منهم فسقطت في بئر هناك فتوفيت [14] .

فإذا كان الإمام الصادق (ع) ذلك العلم البارز والشخصية المعروفة لدي رجال السلطة لا يأمن علي نفسه في المدينة فيهرب إلي ماله بالفرع فكيف تري حال بقية إخوته. وأي دليل للمدعي درجهم علي مدعاه؟ وأي دليل للمدعي بقائهم في المدينة - منذ عهد هشام بن عبد الملك وحتي بعد قيام النفس الزكية -؟ وأية حجة في إنكار اختيارهم ترك الديار حين كانوا هدفا لعمال أمية والعباس في المدينة المنورة. أولم يكن في قتل عبد الله بن الإمام الباقر (ع) علي يد والي المدينة بحجة الدعوة لأخيه الصادق (ع) رادع لبقية إخوته في الابتعاد والاختفاء بعيدا عن الأنظار. إن النظر بعين الإنصاف إلي تلك الظروف الصعبة والاضطهاد العلني بالقتل والسجن والتعذيب الذي واجهها العلويون عموما وأبناء الإمام الباقر (ع) خصوصا يسمح بيسر قبول نظرية الضياع والإضاعة بعد الاطمئنان من توفر دواعيها في تلك الفترة، كما لا يعظم مخالفة ما اشتهر بعد حين من الدهر لمكان حيلولة الأيام المظلمة الطويلة التي وقعت بين التشرد والهجرة وبين الإحصاء والتدوين.



[ صفحه 74]




پاورقي

[1] بحار الأنوار ج 47 ص 283 - 286، ذكرنا منه موضع الحاجة.

[2] مقاتل الطالبيين ص 260.

[3] مروج الذهب ج 3 ص 373.

[4] الطبري ج 6 ص 452 أحداث سنة 176.

[5] الفصول المهمة ص 225.

[6] مروج الذهب ج 3 ص 374.

[7] مقاتل الطالبيين ص 156.

[8] الفخري في الآداب السلطانية ص 185.

[9] مقاتل الطالبيين ص 157.

[10] تاريخ سرزمين إيلام ص 148.

[11] إحقاق الحق ج 2 ص 180، والفصول المهمة ص 218.

[12] البحار ج 47 ص 5، تذكرة الخواص ص 347، الجوهرة ص 52.

[13] تذكرة الخواص ص 347.

[14] شد الإزار ص 161.