بازگشت

استمرار الظلم


بعد أن انتهينا من بيان أصل الموضوع والذي اقتصر علي ترجمة أولاد الإمام الباقر (ع) وقلنا فيما مضي من الحديث أن الإمام الباقر قد أعقب عددا كبيرا من الأولاد وذكرنا أن أولاده (ع) كانوا من المعقبين بخلاف ما ذهب إليه المشهور من أنهم درجوا جميعا إلا الإمام الصادق (ع). وقدمنا هناك دراسة مختصرة عن الظروف الأمنية التي حكمت تلك الفترة الزمنية كتمهيد للقول بأن سبب ضياع أخبار أولاد الإمام (ع) هي علل مختلفة حملتها الأيام. أحببت أن أعود إلي تذكرة تلك العلل لإلقاء نظرة أخري عليها تأكيدا لوجودها وتقريبا لكيفية تأثيرها، واستمرار ذلك التأثير لأجيال عديدة إذ ربما يقال: إنه إذا كان أولاد الإمام الصلبيون معذورين في تعريف أنفسهم فلماذا اقتفي الأحفاد أثر الأجداد في ذلك ولم يظهروا أنفسهم في الوسط الاجتماعي لتشملهم لفتة قلم واحد علي الأقل إحياء لذكرهم؟ أقول: إن تتبع موقف السلطات من العلويين منذ بداية الحكم الأموي وحتي نهاية الحكم العباسي يدل بوضوح علي استمرار العداء الموروث في الخلفاء ضد هذا البيت الطاهر والسبب في ذلك واضح، فالمسلمون كما هو معلوم منقسمون علي أنفسهم مذاهب وفرق. وجمع كبير من هؤلاء المسلمين هم المعروفون بالشيعة الذين يرون أن الخلافة كانت بنص من النبي (ص). وأنه (ص) نص علي خلافة الإمام علي بن



[ صفحه 182]



أبي طالب (ع)، فشايعوا عليا (ع) وسموا الشيعة. هذه الطائفة الكبيرة من المسلمين يرون الخلافة والحكومة حق مسلم للإمام علي (ع) وأولاده المنصوص عليهم بالخلافة الإلهية ولذلك رفضوا ومنذ يوم السقيفة خلافة غيرهم. فلما جاء الأمويون ومن بعدهم العباسيون لم يتغير موقف الشيعة من الحكومتين فكانت الشيعة هي جبهة المعارضة الرئيسية للقوي الحاكمة لذلك شمرت القوتان عن ساعد الجد وجاهدتا هذه الطائفة جهادا عظيما هذا من جهة ومن جهة أخري تري الشيعة وبحكم قوله تعالي [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي] إن مودة أهل البيت واجب ديني كالصوم والصلاة ففرضت علي نفسها هذه المودة ولما كان ولد فاطمة الزهراء عليها السلام هم المصداق البارز ولهم المقام الأول باعتبار أولادها أولاد الرسول (ص) فقد أخذوا السبق علي غيرهم من أقرباء الرسول (ص). ولهذا السبب توجهت عناية الشيعة إلي أبناء الإمام علي (ع) يلتفون حولهم أينما كانوا ويقدمونهم علي أنفسهم في كل موقف وكان بعض أولاد الإمام علي (ع) يستغلون أحيانا الفرص للمبادرة إلي إصلاح اعوجاج أحدثه السلطان بعد أن اطمأنوا أن القوة التفت حولهم. فثاروا، وسرعان ما قصدهم خليفة فاستأصلهم. لهذا السبب بات الخلفاء يحذرون أبناء الإمام علي (ع) من دون تمييز للثائر منهم وغير الثائر. ولربما كانوا في ضيق و حرج من صرف وجودهم أحياء. ولذا نري حمق بعض الخلفاء بتخطيطه لإبادتهم سواء في العصر الأموي أو العباسي. وكانت هذه المسألة بالنسبة للسلطات الحاكمة هي (القصة التي لا تنتهي) ولهذا قلنا أن نصيب الأحفاد من الأمن في ظل الحكام لم يكن بأقل من نصيب



[ صفحه 183]



الأجداد. ولم تغرر الهفوات الزمنية التي كانت تتخلل فترات الحكم، تلك الهفوات التي كانت تبدو هادئة، لم تشوق الكثير من العلويين الذين استقروا في أماكن بعيدة عن متناول يد السلطان علي الخروج من مأمنهم لدركهم زوال الصحوة هذه وما نسمعه من وجود فترات استقرار خلال سني انتقال السلطات لا سيما الفترة بين مروان الحمار والمنصور هي في الواقع محدودة وقتا ونوعا وإذا كانت حقا فترات أمن فهي فترات أمن للهرب براحة واختيار المخبأ المناسب دون عجلة ليس إلا وإلا فالسفاح الذي يصفه أنصاره بأنه لم يرق دما هاشميا علي أقل تقدير. لم يغفل لحظة عن العلويين وكان كثيرا ما يسأل عن شخصياتهم. ولولا تسترهم بشعار القرابة من رسول الله (ص) لاستأصلوا ما سوي الفرع العباسي من الهاشميين ممن كانوا مورد عناية المسلمين. ولذا نري العلويين هم الذين حكم عليهم بالإبادة منذ أول لحظة استلم المنصور فيها قيادة الحكم العباسي. هذا هو السبب الواقعي وراء مطاردة الحكومات لأبناء الإمام علي عليه السلام جيلا بعد جيل وهو السبب في ابتعاد بعض العلويين عن الأضواء ليكونوا بالتالي هم وأبناؤهم وأحفادهم طعما للإهمال والنسيان وقد اختاروا أن يكونوا طعما للنسيان بدل أن يكونوا طعما للسلطان. فاستقروا في أماكن اختفائهم هم وذرياتهم ولأجيال طويلة، ومن هنا نعرف أن العذر الذي منع الأجداد من الظهور هو نفسه الذي منع الأحفاد من الظهور أيضا ولو قدرنا فترة المحنة التي مرت علي العلويين منذ عهد الإمام الباقر (ع) وإلي أواخر العهد العباسي لدل طول الفترة علي أن القرون الثلاث أو الأربع التي عاشوها كافية لإنزال



[ صفحه 184]



طبقات الأحفاد إلي أكثر من اثني عشر بطنا وهو رقم يكفي أن يكون علة من علل النسيان.