بازگشت

النقابات وتأثيرها في علم النسب


قد يبدو لأول وهلة عدم ارتباط هذا العنوان بما نحن فيه من ترجمة أولاد الإمام الباقر (ع) وبالتالي يطرح هذا السؤال نفسه: ما هي ثمرة مسألة النقابات هنا؟؟. وجوابا علي هذا السؤال المحتمل نقول: لا شك أن ارتباطا وثيقا يوجد بين الموضوعين وقد المحنا إلي ذلك في بداية الكتاب ولربما كان لدواوين النقابات الدور الكبير إيجابا وسلبا علي مسائل كثيرة في علم النسب ومنها مسألتنا. ولأجل هذا عدت إلي ذكرها لإلقاء المزيد من الضوء عليها، ولنتعرف أكثر علي مدي تأثيرها والوقوف علي دورها الاحتمالي في مسألتنا. النقيب هو صاحب الفضل والمنقبة والكفيل للسادة الأمين علي حفظ أنسابهم حتي لا يخرج منهم من كان منهم ولا يدخل فيهم من ليس منهم [1] والنقابة عبارة عن دائرة حكومية خاصة بالطالبيين وظيفتها



[ صفحه 186]



إحصاء النفوس وتأييد الانتساب، وينتخب النقيب من وجوه السادة و رؤسائهم وله سجل (ديوان) يحصي فيه أسماءهم كما عليه دوائر الأحوال المدنية اليوم. ويقال إن النقابة في بداية تشكيلها كانت عامة للأشراف من بني هاشم تشمل العباسي والعلوي ثم بعد فترة أصبح لكل منهم نقيب خاص وهو قول لا يخلوا من نقاش رغم إشاعته والتظاهر به أبان تشكيل النقابات لا سيما إذا كانت النظرة إلي واقع المسألة بالمنظار السياسي. ذكر أن أول من سن النقابة وعين نقيبا ومقدما لأولاد رسول الله (ص) المعتضد بالله الذي تولي الخلافة من سنة 279 إلي سنة 289. وذكر أنه فعل ذلك بسبب رؤيا رآها، ولقد بحثت عن رؤي المعتضد فوجدت أن الطبري قد ذكرها في تاريخه بوجه وذكرها المسعودي بوجه آخر: نقل الطبري عن أبي عبد الله الحسين: أن المعتضد قال لبدر رأيت في النوم كأني خارج من بغداد أريد ناحية النهروان في جيشي وقد تشوف الناس إلي إذ مررت برجل واقف علي تل يصلي لا يلتفت إلي فعجبت منه ومن قلة اكتراثه بعسكري مع تشوف الناس إلي العسكر فأقبلت إليه حتي وقفت بين يديه فلما فرغ من صلاته قال لي أقبل فأقبلت إليه فقال: أتعرفني؟ قلت لا قال أنا علي بن أبي طالب خذ هذه المسحاة واضرب بها الأرض - لمسحاة بين يديه - فأخذتها فضربت بها ضربات فقال لي: إنه سيلي من ولدك هذا الأمر بقدر ما ضربت بها فأوصهم بولدي خيرا... [2] .



[ صفحه 187]



وعن المسعودي أنه رأي وهو في سجن أبيه كأن شيخا جالسا علي دجلة يمد يده إلي ماء دجلة فيصير في يده وتجف دجلة ثم يردها من يده فتعود دجلة كما كانت. قال: فسألت عنه فقيل لي هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال فقمت إليه وسلمت عليه فقال يا أحمد إن هذا الأمر صائر إليك فلا تتعرض لولدي ولا تؤذهم. فقلت السمع والطاعة يا أمير المؤمنين [3] .

هذه حكاية الأحلام التي وجهوا بها قصة إقبال المعتضد علي العلويين ليحوكوا بذلك فضلا لخليفة المسلمين المعتض بالله. ولو قرأنا إلي جانب هذه الأحلام ما نقل من خوفه وحذره من آل علي (عليه السلام) لأبعدنا رؤية الخير عنه بالمرة أو أطلقنا عنان الشك علي أقل تقدير في كل خير تضاهر به بالنسبة للعلويين. فقد ذكر الطبري والسيوطي واللفظ للسيوطي أنه عزم علي لعن معاوية علي المنابر، فخوفه عبيد الله الوزير اضطراب العامة فلم يلتفت وكتب كتابا في ذلك ذكر فيه كثيرا من مناقب علي ومثالب معاوية فقال له القاضي يوسف: يا أمير المؤمنين أخاف الفتنة عند سماعه. فقال إن تحركت العامة وضعت السيف فيها قال فما تصنع بالعلويين الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك؟ وإذا سمع الناس هذا في فضائل أهل البيت كانوا إليهم أميل. فأمسك المعتضد من ذلك [4] .

وهو الذي يؤتي بمحمد بن الحسن بن سهل ابن أخي ذي الرياستين، الفضل بن سهل الملقب بشميله، بعد أن أقر عليه جماعة



[ صفحه 188]



وأصيبت له جرائد فيها أسماء رجال قد أخذت عليهم البيعة لرجل من آل أبي طالب.. فأدخلوه علي المعتضد. ثم أراد المعتضد بمحمد بن الحسن بجميع الجهات أن يدله علي الطالبي الذي أخذ له العهد علي الرجال فأبي وجري بينه وبين المعتضد خطب طويل. وكان في مخاطبته للمعتضد أن قال: لو شويتني علي النار ما زدتك علي ما سمعت مني ولم أقر علي من دعوت الناس إلي طاعته وأقررت بإمامته فاصنع ما أنت له صانع فقال المعتضد: لسنا نعذبك إلا بما ذكرت. فذكر أنه جعل في حديدة طويلة أدخلت في دبره وأخرجت من فمه وأمسك بأطرافها علي نار عظيمة حتي مات بحضرة المعتضد [5] .

فهل نصدق بأن من كتم إذاعة فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام وتربص لأبنائه بكل مرصاد ولم يطع لعلي في اليقظة أمرا هو نفسه الذي يشرح صدره ويفتح ذراعيه ليحضن أبناء علي امتثالا لما تعهد به في أضغاث أحلامه.. هيهات أن يكون ما فعله بحسن نية تجاه أولاد علي (ع). وعلي كل حال فقد شكلت نقابات للطالبيين يشرف عليها في كل بلد نقيب ويشرف علي النقباء نقيب يعينه السلطان يسمي نقيب النقباء مهمتهم جميعا جرد الطالبيين كافة في سجلاتهم بحجة تمييزهم عن غيرهم. ولما حانت فرصة تدوين الأنساب كانت هذه الدواوين المرجع لمن أراد الاطلاع علي نسب الطالبيين، ولأجل توجيه ضربة معنوية قاضية إلي كل من سولت له نفسه من الطالبيين بالابتعاد عن هذه



[ صفحه 189]



النقابات وعدم الاكتراث بها وعدم ثبت اسمه فيها فقد قررت الدولة أن يعتبر سيدا كل من درج اسمه ضمن قوائم النقابات فقط. أما من لم يدرج منهم فمحكوم بعدم كونه هاشميا. وهنا تسكب العبرات... فلقد كانت السلطة تعلم أن الكثير من العلويين ليسوا علي استعداد للمداهنة و قد انتشروا في البلاد كما قرأنا في خبر السيوطي قبل قليل. ولا ينبغي أن يقف الخليفة في مثل هذا الحال مكتوف اليد فلا بد أن يلحق الأذي بالمعارض المنشق وهذه ضربة واحدة من ضربات كثيرة تلقاها ولد علي (ع) من السلطات وهكذا خلت أكثر كتب الأقدمين من أسماء لم تكن مدرجة علي صفحات سجلات النقباء. وهكذا ضاع الكثير من أبناء رسول الله (ص) من الذين التجأوا إلي الجبال والغابات هربا من البطش مبتعدين عن النقابات والسلطات حتي إذا جاء دور تدوين أسمائهم في كتب النسب ابتلوا بالبخاري وأمثاله الذي يقول عشرات المرات في كتابه الصغير سر السلسلة هذا دعي. وهذا كذاب. وقدموا بذلك - بقصد أو بغير قصد - خدمة جليلة للسلاطين العباسيين الذين أغدقوا عليهم بالعطاء. وأية خدمة أفضل عند العباسيين من طمس معالم العلويين وإيذائهم. فإذا مدت السياسة يدا في يوم من أيام التاريخ لظلم علني تحت أي ستار كان فهل كان ينبغي السكوت والتأييد يدا ولسانا ممن يبرأ ساحة نفسه من شين الحكام وأهل الدنيا. وهذا الذي كان مع الأسف في تلك الأيام وقد سرت المسألة علي علاتها مع الفن. وكانت السبب في ضياع فروع وتحير جموع. ولم يسلم أولاد الإمام الباقر عليه السلام من هذا الفخ وإن أماكن مدافنهم تدل علي ابتعادهم عن مراكز القوة ودواوين النقابات الكائنة عادة في



[ صفحه 190]



مراكز المدن المهمة. إن الذي أردته مما ذكرت هو إلفات النظر إلي علة أخري من علل طمس معالم العلويين بالذات كي لا نستبعد القول بأن أولاد الإمام الباقر (ع) أعقبوا جميعا وأن نسلهم منتشر في الأرض وانتسابهم إلي جدهم الأعلي صحيح وإن أنكر ذلك بعض كتب النسب.


پاورقي

[1] لباب الأنساب ج 2 ص 718.

[2] الطبري ج 8 ص 172.

[3] مروج الذهب ج 4 ص 288.

[4] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 371.

[5] مروج الذهب ج 4 ص 258، 259.