في مكارم أخلاقه
كان أبوجعفر الباقر عليه السلام مع ما وصف من الفضل في العلم و السؤدد و الرئاسة و الامامة ظاهر الجود في الخاصة و العامة، مشهور [1] الكرم في الكافة، معروفا بالتفضل و الاحسان مع كثرة عياله و توسط حاله [2] .
قال أبوعبدالله عليه السلام: كان أبي عليه السلام أقل أهل بيته مالا، و أعظمهم مؤونة، [قال] [3] : و كان يتصدق كل جمعة بدينار، و كان يقول: الصدقة يوم الجمعة تضاعف، لفضل يوم الجمعة علي غيره من الأيام [4] .
و روي عن الحسن بن كثير، قال: شكوت الي أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام الحاجة و جفاء الاخوان، فقال: بئس الأخ أخا يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم و قال: استنفق هذه فاذا نفدت فأعلمني [5] .
و روي أنه عليه السلام كان يجيز [6] بالخمسمائة درهم الي الستمائة الي الألف درهم، و كان لايمل من صلة الاخوان و قاصديه و مؤمليه و راجيه [7] .
و روي عنه عن آبائه [عليه و] [8] عليهم السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، كان يقول: أشد الأعمال ثلاثة: مواساة الاخوان في المال، و انصاف الناس من نفسك، و ذكر الله علي كل حال [9] .
و روي عنه عليه السلام قوله: ما شيب شي ء بشي ء أحسن من حلم بعلم [10] .
و عن الجاحظ في كتاب البيان و التبيين، قال: قد جمع محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام صلاح حال [11] الدنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: صلاح جميع
[ صفحه 142]
المعايش [12] و التعاشر، مل ء مكيال، ثلثان [13] فطنة، و ثلث [14] تغافل [15] .
و قال له نصراني: أنت بقر؟ قال لا، أنا باقر، قال: أنت ابن الطباخة؟ قال: ذاك حرفتها، قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية، قال: ان كنت صدقت غفرالله لها، و ان كنت كذبت غفرالله لك، قال: فأسلم النصراني [16] .
أقول: و لقد اقتدي به سلام الله عليه في هذا الخلق الشريف أفضل الحكماء و المتكلمين سلطان العلماء و المحققين الوزير الأعظم الخواجة نصير الملة و الدين قدس الله روحه، فقد ذكرنا في ترجمته في الفوائد الرضوية: ان ورقة حضرت اليه من شخص من جملة ما فيها، يا كلب بن كلب، فكان الجواب: أما قوله يا كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع، و هو نابح طويل الأظفار، و أما أنا فمنتصب القامة، بادي البشرة، عريض الاظفار ناطق ضاحك، فهذه الفصول و الخواص غير تلك الفصول و الخواص، و أطال في نقض كل ما قاله، هكذا رد عليه بحسن طوية و تأن غير منزعج،ع و لم يقل في الجواب كلمة قبيحة. قلت: ليس هذا ببدع ممن قال في حقه العلامة في اجازته الكبيرة، و كان هذا الشيخ أفضل [أهل] [17] عصره في العلوم العقلية و النقلية، و له مصنفات كثيرة في العلوم الحكمية، و الأحكام الشرعية علي مذهب الامامية، و كان أشرف من شاهدناه في الأخلاق، نور الله مضجعه، قرأت عليه الهيات الشفاء لأبي علي بن سينا، و بعض التذكرة في الهيئة تصنيفه، ثم أدركه الموت المحتوم قدس الله روحه، انتهي [18] .
[ صفحه 143]
پاورقي
[1] في المصدر: «مشهود».
[2] الارشاد للمفيد: 265 و 266.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.
[4] بحارالأنوار: ج 46 ص 294 ح 23.
[5] المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 207، و الارشاد للمفيد: ص 266.
[6] في المصدر: «يجيرنا»...
[7] الارشاد للمفيد: ص 266.
[8] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.
[9] الارشاد للمفيد: ص 266.
[10] الارشاد للمفيد: ص 266.
[11] في المصدر: «شأن».
[12] في المصدر: «التعايش»...
[13] في المصدر: «ثلثاه».
[14] في المصدر: «و ثلثه»..
[15] البيان و التبيين: ج 1 ص 61، و عنه البحار: ج 46 ص 289 ح 12.
[16] المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 207، و عنه البحار: ج 46 ص 289 ح 12.
[17] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و أثبتناه من المصدر.
[18] الفوائد الرضوية: ص 609 و 610.