بازگشت

تمهيد


الحمد لله رب العالمين - وصلي الله علي سيدنا محمد وآله الطاهرين -.

في فاتحة الحديث عن الإمام الباقر (ع) ينبغي أن نشير إلي نهجين متنافرين في تقييم حياة الأئمة والنهج القديم بينهما.

فهناك فريق يقيِّمون حياة المعصومين عليهم السلام بمقياس السياسة. ومدي دورهم فيها. ويكاد تفسيرهم لعبادات الأئمة، وعلومهم، وأخلاقهم يكون أيضاً بمنظار سياسي.

بينما تجد أغلب المؤرخين لحياتهم عليهم السلام يختصرون حياتهم في حدود فردية ضيقة، حتي يفصلونها من السياق الزمني لها.

وبين المنهجين حالة وسطي تجعل حياتهم ذات إشعاع فردي يتجاوز حدود الزمان والمكان.. وذات أفق سياسي يتفاعل مع الظرف التاريخي الخاص به..

بلي. الأئمة هم قدوات البشر، ونسبة رجال السياسة إلي سائر الناس نسبة ضئيلة، فلم يكن من المناسب أن يكون كل قدوات البشر في قمة السلطة حتي يكون سلوكهم مناراً لأمثالهم من أصحاب السلطة فقط، بل كان من المعقول أن يكونوا في مختلف المستويات الإجتماعية حتي تتم حجة الله علي خلقه بأنفذ ما يكون بلاغاً وقوةً!

ولو كانوا كلهم في قمة السلطة لقال الناس أن مسيرتهم تخص أولي السلطة فحسب فما لنا للدخول في شأن السلاطين.

علي أن بعضهم لايزال يحاول التنصل من اتباع الأنبياء والأوصياء والصالحين، بزعم أنهم ليسوا ببشر.. وبالتالي فهو لايمكنه أن يتبع هداهم، أو يقدر أحدنا أن يتمثل شخصيَّة الملائكة..

إلاّ أن ما نزل بأنبياء الله وأوصياءهم من الضنك والأذي. وما تعرضوا له من السجن والتعذيب والتهجير والخوف وحتي القتل والأسر والتشهير.. كل ذلك دليل كونهم بشراً أمثالنا ميّزوا بالوحي والعزم والإعتصام بحبل الله، وقال ربنا سبحانه:

«قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَي إلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ» (الكهف/110)

وقال:

«قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَي مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَي اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (ابراهيم/11)

ولعل هذه الحكمة كانت أيضاً وراء إذن الله سبحانه بتعرض أوليائه لبعض الأذي، لكي لا يرفعهم الناس إلي مستوي الألوهية فيهلكوا، ولكي يرفع الله به درجاتهم عنده. ولكي لايترك الدينَ البسطاءُ من الناس فراراً من الأذي.

ونحن إذ نشرع في الاستضاءة بسيرة الإمام الخامس من أئمة أهل البيت عليهم السلام، والعلم السابع من قدوات الأئمة المعصومين عليهم السلام بجوار مقام السيدة زينب في الشام. نسأل الله أن يتم نورنا به ويجعلنا من أشد تابعيه تمسّكاً وأحسنهم عاقبة.. إنه ولي التوفيق..