بازگشت

التأثير العلمي و الاجتماعي للامام محمد الباقر


بسم الله الرحمن الرحيم

تفضل سماحة الدكتور السيد زهير الأعرجي - بتقدمة كتابنا «الباقر محمد عليه السلام» الجزء الثامن من «موسوعة المصطفي و العترة» عارضا فيها الوضع الاجتماعي حينذاك فله من الله الأجر و منا الشكر...

المؤلف

ولد الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام (57 - 114 ه) في قلب الأحداث العاصفة التي توالت علي الامة الاسلامية بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و استشهاد مولي المتقين علي بن ابي طالب عليه السلام. فقد كان الصراع الاجتماعي و الديني بين السلطتين : الزمنية المتمثلة بالأمويين، و الروحية المتمثلة بائمة أهل البيت عليهم السلام يدخل مراحل خطيرة من عمر الرسالة الاسلامية. فلم يتوقف الصراع عند انكار ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أوصي له رسول الله صلي الله عليه و آله بالخلافة، بل تعدي الي تفسير مفاده بأن عداء بني امية لائمة أهل بيت النبوة عليه السلام



[ صفحه 12]



يرجع - في واقعه - الي جذور تأريخية متعلقة بالسلطة الجاهلية نفسها التي كانت تحكم العرب قبل ظهور الاسلام. فقد كان أبوسفيان يري أحقية قريش، و بني امية بالذات، في السيطرة علي مقدرات القبائل العربية في مكة و ما جاورها من قبائل الحجاز. و كان أي تحد لتلك الفكرة يقمع بحد السيف. ولكن ظهور الاسلام علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله قلب تلك الموازين السياسية و القبلية في الحكم و السيطرة علي مقدرات الافراد. و كان الخط الهاشمي أكثر تماسكا و اندماجا في الايمان بالرسالة الجديدة و محتواها السماوي العظيم. فمن أبي طالب عم رسول الله صلي الله عليه و آله الي حمزة بن عبدالمطلب الي علي بن أبي طالب و من بعده دوحة المصطفي و ذرية رسول رب العالمين صلي الله عليه و آله، عاشت الرسالة في قلوب هؤلاء الرجال، و عاشوا في قلبها و تفاعلوا معها الي درجة أنهم تحملوا أقصي درجات الألم و المشقة الجسدية و القتل و التعذيب من أجل الحفاظ علي جوهرها الفكري و الروحي. و عن طريقهم عليهم السلام وصلت الينا الرسالة سالمة و مصونة من أي تحريف، كي نعرف من خلالها معاني التكليف الشرعي الذي أمرنا به المولي عزوجل.

أما الخط الأموي المنكسر فقد عاش أحلام السلطة و أسلوب استرجاعها حتي في عصر الرسول صلي الله عليه و آله. فقد كان أبوسفيان يهيي ء ابنه معاوية لاستلام السلطة، بحيث طلب من رسول الله صلي الله عليه و آله بعد اعلان اسلامه أن يجعل ابنه معاوية كاتبا له صلي الله عليه و آله [1] و كانت ممارسات الخط الأموي بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله تسير بذلك الاتجاه. فقد استنفرت بقايا و شراذم النظام الجاهلي القديم ك«عمرو بن العاص»، و «سمرة بن جندب»، و «أبوهريرة» و أمثالهم، و البست زيا جديدا من أجل التمويه علي الوضع العام. و ما أن اكتملت الخطة في السيطرة علي مقاليد السلطة و الحكم من جديد، حتي بدأت القيادة الأموية بزعامة معاوية استخدام



[ صفحه 13]



شتي الأساليب البعيدة عن أعراف العقلاء من العرب من أجل الحط من القيمة الشرعية لائمة أهل بيت النبوة، خصوصا أميرالمؤمنين و مولي الموحدين علي ابن أبي طالب عليه السلام. فكانت صفين و النهروان و الجمل، من أهم الوقائع التي خاض فيها وصي رسول رب العالمين عليه السلام معاركه حفاظا علي جوهر الدين من الخط الجاهلي الجديد المتلبس بلباس الاسلام.

و في أجواء ذلك الصراع الاجتماعي رأي محمد بن علي عليه السلام نور الحياة، ولكن ما أن بلغ أربع سنوات من عمره الشريف حتي عاصر واقعة تجلت فيها أعظم مآسي التاريخ في عمر البشرية المديد، الا و هي واقعة الطف. الا أن التأثيرات الاجتماعية لتلك الواقعة المأساوية العظيمة لم تزحزحه عن أداء دوره المرسوم له بدقة من قبل السماء. فقد كان عليه أن يؤسس المدرسة الفقهية الاسلامية بكامل أركانها الشرعية، و لا يلتفت الي الاصوات التي كانت تحثه علي الثورة و الاطاحة بالحكم الأموي. لأن ذلك التوجه الثوري لم يكن من مهامه الشرعية المصممة له. و هو بذلك المنهج العلمي الرباني حفظ رسالة محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله من الضياع.

فقد رافق عليه السلام والده الامام «زين العابدين» عليه السلام لمدة (38) سنة، و عاش معه أجواء الانقطاع لله سبحانه و تعالي في الدعاء و المناجاة و التوسل و التضرع. و خلال مدة امامته الشرعية المنصوصة خلال (19) عاما رأي جبابرة عصره الذين أذاقوا شيعة أهل بيت النبوة الآلام الجسام، يتهاوون الواحد بعد الآخر كالفراش المبثوث. فما أن هلك الوليد بن عبدالملك - الذي شهد له التأريخ بتمزيق القرآن الكريم - حتي جاء سليمان بن عبدالملك، و ما أن هلك سليمان حتي جاء عمر بن عبدالعزيز، و ما أن هلك عمر حتي جاء يزيد بن عبدالملك، و ما أن هلك يزيد حتي جاء هشام بن عبدالملك الذي خطط لقتل الامام محمد الباقر عليه السلام بالسم. فكان له ذلك سنة (114) ه.



[ صفحه 14]



و ان كان «هشام بن عبدالملك» قد قتل الجسد الطاهر لخامس أئمة أهل بيت النبوة عليهم السلام، فانه لم يكن قادرا علي قتل الفكر الذي كان يحمله. فلم يكن فكر الامام الباقر عليه السلام فكرا مرحليا أو فكرا اصطبغ بصبغة اجتهادية بشرية حتي يستطيع «ابن عبدالملك» قتله، بل كان فكرا الهيا أخبر به رسول الله صلي الله عليه و آله و أبلغ الصحابي الجليل «جابر بن عبدالله الأنصاري» بذلك مبشرا اياه برؤية الامام الحفيد الذي سيبقر العلم بقرا فيستخرجه من منابعه الأصيلة و كنوزه الدفينة. و قد كان تواتر ذلك الحديث عن طرق أهل البيت عليهم السلام و مدرسة الحديث السنية لايقبل تأويلا من أي لون و بأي صبغة ما عدا صبغة أهمية دور الامام الباقر عليه السلام في تثبيت أركان المدرسة الفقهية الاسلامية.


پاورقي

[1] «شذرات الذهب» لابن عماد الحنبلي ج 1 ص 37.