بازگشت

التقية علي نطاقي الفرد و التشريع


كانت «التقية» و لا تزال من الأحكام الشرعية المتطابقة مع الحكم العقلي في اخفاء الحق من أجل التحرز من التلف، أو قل من الموت و الفناء. و لذلك فان القرآن المجيد لم يستنكر طبيعة الظرف الاستثنائي الذي قد يمر به الفرد



[ صفحه 21]



و السلوك الذي يفرضه عليه ذلك الاستثناء، يقول عزوجل : (لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء الا أن تتقوا منهم تقة و يحذركم الله نفسه و الي الله المصير) [1] ، (و قال رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم ايمانه...) [2] ، و (من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان...) [3] فالتقية رخصة واجبة للمكلف المكره أو المضطر في مواطن الاستثناء، أو في مواقع التزاحم الشرعي و العقلي، بحيث أن الانسان يتكلم بلسانه و قلبه مطمئن بالايمان.

و هذا المقدار من مفهوم التقية، قد آمنت به جميع المذاهب الاسلامية [4] ولكن الأوضاع الخطيرة التي كانت تمر علي أئمة أهل البيت عليهم السلام في تبليغ أحكام الشريعة دفعتهم الي استمثار مفهوم التقية، الذي جاء به الذكر الحكيم، علي الصعيد الفقهي. و قد تنبأ رسول الله صلي الله عليه و آله لهم بذلك، فقال : «انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا. و ان أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا...» [5] و قد كان عصر الامام الباقر عليه السلام مزدحما بالأحداث الجسيمة و أساليب القهر و الارهاب و محاولات السلطة المستميتة في محو التشيع من جذوره. بحيث أن الامام الباقر عليه السلام لم يعترض علي مدح شاعر أهل البيت عليهم السلام «الكميت الأسدي» لهشام بن عبدالملك بالخصوص و لبني امية بالعموم - تقية - كي ينجو مما هو فيه من محن السجن و التعذيب. و في ضوء ما ذكرنا، فان الامام عليه السلام عالج موضوع التقية و تأثيراتها السلبية علي الافراد



[ صفحه 22]



و العقيدة ذاتها عبر طريقين :

الأول : و هو الصعيد الفردي، حيث دعا الأفراد المؤمنين بالولاية الشرعية الي اخفاء الحق من أجل التحرز من الموت. فقال عليه السلام لهم : «التقية في كل ضرورة، و صاحبها أعلم بها حين تنزل به» [6] ، و «التقية في كل شي ء يضطر اليه ابن آدم، فقد أحله الله له» [7] .

الثاني : و هو الصعيد الفقهي العام، فقد دعا المؤمنين بالولاية الشرعية، في حالات الشك بصدور الحديث منه بداعي التقية مخافة التلف، الي مخالفة أحكام العامة أو بتعبير أدق مخالفة الخط الفقهي المداهن للسلطة الاموية الظالمة. كما ورد في «عوالي اللآلي» عن العلامة الحلي مرفوعا الي زرارة عندما سئل الامام الباقر عليه السلام عند ورد حديثين متعارضين عن أهل البيت عليهم السلام فبأيهما يأخذ، فقال عليه السلام : «... انظر ما وافق منهما العامة فاتركه، و خذ بما خالف فان الحق فيما خالفهم...» [8] و هذا الحديث خطير للغاية، لأنه وضع خطا أحمرا فاصلا بين الأحكام الشرعية التي صدرت بسبب التقية مخافة محو أصل الدين و بين الأحكام الشرعية الواقعية التي تصدر من أجل تبيين وظيفة المكلف الشرعية في مقام الامتثال.

و عن طريق هذه القاعدة الكلية و هي «مخالفة الخط المداهن للسلطة الظالمة» في القرون الهجرية الثلاثة الاول من عمر الرسالة السماوية، استطاع أئمة أهل البيت عليهم السلام من الحفاظ علي بيضة العقيدة من التلف، و في الوقت نفسه الحفاظ علي واقعية الأحكام الشرعية من التلاعب و التزوير. و بفضيلة قاعدة «التقية» الشرعية وصلتنا الأحكام الالزامية الآلهية مصونة من عبث السلاطين بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا علي وفاة الامام الباقر عليه السلام.



[ صفحه 23]




پاورقي

[1] سورة آل عمران : 28.

[2] سورة المؤمن (غافر) : 28.

[3] سورة النحل : 106.

[4] «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي. ج 4 ص 38. و «التبيان في تفسير القرآن» للطوسي. ج 2 ص 435.

[5] «سنن ابن ماجة» ج 2 ص 1366 - ح 4082.

[6] «الأصول من الكافي» للكليني ج 2 ص 219.

[7] المصدر السابق ج 2 ص 220.

[8] «عوالي اللآلي» ج 4 ص 133.