بازگشت

اساليب السلطة السياسية في محاربة الامام الباقر


و قد استخدمت السلطة الظالمة لبني امية مختلف الأساليب الاجتماعية و السياسية من أجل محاربة نهج الامام الباقر عليه السلام و تصميمه الشديد في حفظ



[ صفحه 25]



الرسالة الالهية. فالسلطة ممثلة ب«هشام بن عبدالملك» لم تتوان في استخدام أربعة ألوان من السياسات لتحطيم بنيان الامام عليه السلام الفكري. و هذه السياسات هي :

1 - سياسة التسفيه الفاشلة التي استخدمها «هشام بن عبدالملك». فمن أساليب تلك السياسة استدعاء الامام الباقر عليه السلام الي دمشق و اتهامه اياه بشق عصا المسلمين، فكان يجيبه الامام عليه السلام في احدي تلك الحوادث : «... بنا هدي الله أولكم، و بنا يختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجلا، ليس من بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، يقول عزوجل :

(... و العاقبة للمتقين...) [1] و بهذا الاسلوب البلاغي الرائع و غيره من الأساليب المعبرة عن الواقع الشرعي و التأريخي أحبط الامام عليه السلام كل مساعي السلطة الأموية من الوصول الي أهدافها في محو شرعية ولاية ائمة أهل البيت عليه السلام.

2 - سياسة القدح في عصمته و أعلميته الشرعية، و من مصاديقها اللاحقة في التأريخ زعم «ابن تيمية» (ت 758 ه) و «شمس الدين الذهبي» (ت 748 ه) بأعلمية ابن كثير و أبي الزناد و قتادة و ربيعة علي الامام الباقر عليه السلام. و هي دعوي لم تصمد في عصر الامام عليه السلام و لم تصمد بعده. بل لم تنطل علي المسلمين من جميع الفرق و المذاهب، حتي المذاهب التي كانت تداهن خطط السياسة الظالمة لبني امية. فقد أجمعت كل المذاهب الاسلامية بما فيها مذاهب المدرسة السنية علي علمه و حلمه و امامته و نسله الطاهر. و لئن خرج ابن تيمية و الذهبي عن اجماع المسلمين و اهتما كثيرا بتخطئة المعصومين، فانهما لم يهتما بالنظر الي حالهما في عدم الالمام بعلوم الرسالة و أهداف الامامة في حفظ الدين.

3 - سياسة الايهام بمدح الخليفتين «أبي بكر و عمر» خلاف المتواتر عن



[ صفحه 26]



المتون الحديثية و المصادر التأريخية. و من ذلك ما أخرجه الدارقطني بسنده المزعوم عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال : «أجمع بنوفاطمة، رضي الله عنهم، أن يقولوا في الشيخين أحسن ما يكون من القول» [2] و في موضع آخر للدار قطني ايضا عن سالم عن أبي حفصة قال : قال لي جعفر : «يا سالم، أيسب الرجل جده، ابوبكر جدي»؛ وروي ايضا أنه قال : دخلت علي جعفر بن محمد و هو مريض، فقال : «اللهم اني أحب أبابكر و عمر و أتولاهما» [3] و هذه السياسة في وضع تلك الروايات المزعومة واضحة البطلان من حيث السند و الدلالة و الفحوي. و كل ما اريد منها اثبات حق الخليفة الأول في الخلافة و حق الثاني في الوصاية، و انكار ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام و من بعده ذرية المصطفي صلي الله عليه و آله، خلافا لوصية رسول الله صلي الله عليه و آله في غديرخم.

4 - سياسة قلب الروايات بحيث تظهر الامام الباقر عليه السلام في موقف ضعف أمام استدلالات رائد مدرسة القياس أبوحنيفة. و منها ما رواه الشيخ ابوزهرة مستلا من «مسند أحمد» - لكنه لم يذكر بدقة تفصيلات ما استقاه [4] - حول مناقشة مزعومة جرت بين الامام الباقر عليه السلام و أبي حنيفة الذي اشتهر بكثرة القياس في الفقه :

«قال الامام الباقر : أنت الذي حولت دين جدي و أحاديثه الي القياس. قال ابوحنيفة : أجلس مكانك كما يحق لي، فان لك عندي حرمة! كحرمة جدك صلي الله عليه و آله في حياته علي اصحابه، فجلس، ثم جثا ابوحنيفة بين يديه، ثم قال : اني اسألك عن ثلاث كلمات، فأجبني : الرجل أضعف أم المرأة؟ قال الباقر : المرأة أضعف. قال ابوحنيفة : كم سهم المرأة في الميراث؟ قال الباقر : للرجل



[ صفحه 27]



سهمان و للمرأة سهم. قال ابوحنيفة : هذا علم جدك، و لو حولت دين جدك لكان ينبغي القياس أن يكون للرجل سهم و للمرأة سهمان، لأن المرأة أضعف من الرجل... الي آخر الرواية. فقام الامام الباقر و عانقه و قبل وجهه» [5] .

و محور الوضع في هذه الرواية : اولا : ان اباحنيفة كان يعمل بالقياس بخصوص النصوص الشرعية دون ادني شك، فكيف ينكر ذلك في هذا الحديث الموضوع؟ ثانيا : أن مناط الحكم في قياس أبي حنيفة كانت علة جعل السهمين للمرأة، أنها أضعف من الرجل؛ و هو جوهر قياس أبي حنيفة. و هذا المنحي بالذات هو الذي حرمه ائمة أهل البيت عليه السلام من خلال تحريمهم عملية القياس في الاستنباط. ثالثا : أن المحاورة الواقعية جرت بين الامام الصادق عليه السلام و أبي حنيفة و قد رواها أحمد بن حنبل في مسنده (ج 1 ص 11 - 13) و رواها الحر العاملي في «الوسائل» (ج 18 ص 29). و مفادها ان اباحنيفة دخل علي الامام الصادق عليه السلام من غير اذن في قصة نذكر منها مطلب الحاجة في هذا المورد :

«قال الامام عليه السلام : اتق الله و لاتقس في الدين برأيك فان أول من قاس ابليس. الي أن قال : ويحك أيهما أعظم : قتل النفس أو الزني؟ قال (ابوحنيفة) : قتل النفس. قال عليه السلام : فان الله عزوجل قد قبل في قتل النفس شاهدين و لم يقبل في الزني الا أربعة. ثم أيهما أعظم : الصلاة أم الصوم؟ قال : الصلاة. قال : عليه السلام : فما بال الحائض تقضي الصيام و لاتقضي الصلاة؟ فكيف يقوم لك القياس. فاتق الله و لاتقس» [6] .

و تلك السياسة الفاشلة لحكام بني امية في قلب الأحداث و تغيير الوقائع لم تثمر علي الصعيد العملي، فقد تمسك أصحاب ائمة الهدي عليهم السلام،



[ صفحه 28]



و بالخصوص اصحاب الصادقين عليهماالسلام، بحفظ أحاديث ائمتهم و تسجيلها بدقة في متون حديثية نقلتها ايادي أمينة من جيل الي جيل حتي وصلتنا سالمة مصونة من التحريف و التزوير.

و من دواعي التوفيق أن الله سبحانه و تعالي قد من علينا بشخصية لامعة خدمت مدرسة أهل البيت عليهم السلام بمشاريع جليلة أحيت فيها تراثهم و فضائلهم و مناقبهم. فقد عرفت المفكر الاديب الماجد الحاج حسين الشاكري - حفظه الله تعالي - منذ عهد بعيد، قمة في الفضيلة و الاخلاق، راسخا في الولاء لأهل البيت عليه السلام، منارا في الادب و التقوي. و قد توج حياته المباركة الحافلة بالعطاء و الخدمة و المعاناة بتأليف هذه الروائع الادبية الرفيعة في موسوعته الجليلة (موسوعة المصطفي و العترة) الحافلة بباقة عطرة من سيرة و تاريخ أهل البيت عليهم السلام)، عرضا و تحليلا.

و لئن قصر القلم عن التعبير عما يجول في النفس من مشاعر جياشة تجاه مؤلفنا الالمعي الكريم، فارجو ان لايقصر دعاؤناله بالتوفيق في المزيد من الانجازات الفكرية الهادفة في خدمة الرسالة السماوية و شجرتها الطيبة التي تؤتي اكلها كل حين باذن ربها، و الحمدلله رب العالمين.

زهير الأعرجي

15 رمضان المبارك 1416 ه.



[ صفحه 29]




پاورقي

[1] سورة الاعراف : 128.

[2] «الصواعق المحرقة» لابن حجر ص 78.

[3] المصدر السابق ص 80.

[4] «الامام الصادق (ع)» - محمد ابوزهرة ص 22 - 23.

[5] المصدر السابق.

[6] «الوسائل» - ابواب صفات القاضي باب 6. ج 18 ص 29.