بازگشت

اشراقة النور


أشرقت الدنيا بمولد الامام الزكي محمد بن علي الباقر عليهماالسلام و ما يزال اشراقها يستمد من فيض اطلالته المباركة علي عالم الوجود، رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرنا علي رحيله عليه السلام عن عالمنا المادي.

فكان عليه السلام كما بشر به رسول الله صلي الله عليه و آله و أنبأ بمولده قبل ولادته بعشرات السنين، و سماه باسمه محمدا، و كناه بالباقر.

كان يوم مولده الميمون في (يثرب) المدينة المنورة، يوم الاثنين [1] غرة رجب الحرام من سنة 57 هجرية. و هو الذي عليه أغلب العلماء و المؤرخين و أصحاب التراجم و السير من الفريقين. أقام مع أبيه السجاد عليه السلام خمسا و ثلاثين سنة الا شهرين [2] ، و بعد مضي أبيه قام بأعباء الامامة تسع عشرة سنة [3] .

و يذهب غالبية المؤرخين الي أن وفاته عليه السلام كانت في السابع من ذي الحجة سنة 114 هجرية.

و هناك آراء أخري ذهبت مذاهب شتي في تعيين سنة ولادته و وفاته و مبلغ عمره الشريف، لاحاجة لنا في بسط الكلام فيها حيث أخذنا بالمشهور من الأقوال. و كما كان الاختلاف في تعيين سنة مولده و استشهاده، كان



[ صفحه 41]



الاختلاف أيضا في تعيين اليوم و الشهر الذي ولد و استشهد فيه عليه السلام.

اما ولادته عليه السلام فقد ترددت الأقوال بين الأول من رجب و الثالث من صفر و غيرها. و أما استشهاده فقد ترددت الأقوال فيها أيضا بين السابع من ذي الحجة و السابع من ربيع الأول أو الآخر - و الأول أشهر عند أهل البيت - .

و مهما يكن من اختلاف قل أو كثر.. بعد أو قرب من الواقع.. فقد كان الباقر عليه السلام أول وليد في البيت النبوي الشريف يجتمع له نسب الحسن و الحسين عليهماالسلام، فأبوه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، و أمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام، التي وصفها الامام الصادق عليه السلام بأنها صديقة لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها [4] و لها من الكرامات ما رواه الباقر عليه السلام نفسه فقال : كانت أمي قاعدة عند جدار، فتصدع الجدار، و سمعنا هدة شديدة، فقالت بيدها : [5] لا و حق المصطفي (صلوات الله عليه و آله) ما أذن الله لك في السقوط، فبقي الجدار معلقا حتي جازته، فتصدق عنها أبي بمئة دينار [6] .

و لقد عاش الامام عليه السلام في ظل جده الحسين عليه السلام نحوا من أربع سنين أو قد تزيد بضعة شهور، كانت خاتمتها واقعة الطف الأليمة. فقد شاهد عليه السلام بعض الفصول من رزايا كربلاء و ما جري علي عترة رسول الله صلي الله عليه و آله من صنوف القتل و الترويع و السبي، كما جرت أمامه عملية القتل الجماعي بوحشية قاسية لعترة النبي صلي الله عليه و آله و التمثيل الآثم بجثمان سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليهماالسلام و قطع رأسه الشريف، و غير ذلك من الكوارث التي تذوب من هولها القلوب [7] .



[ صفحه 42]



قال أبوجعفر : قتل جدي الحسين ولي أربع سنين، و اني لأذكر مقتله و ما نالنا في ذلك الوقت [8] .

و شاهد بعد كربلاء العديد العديد من الرزايا و المصائب - من تقتيل و تشريد - التي توالت علي أبيه و أهل بيته من أولئك الحكام الطغاة العتاة الذين انغمسوا في الجرائم، و تنكروا للقيم و الأخلاق و جميع المبادي ء التي جاء بها الاسلام و جاهد الرسول صلي الله عليه و آله من أجلها أكثر من عشرين عاما [9] .

نعم، في مثل تلك الظروف القاسية كانت ولادة الامام و نشأته الأولي، حيث الحكم بيد طاغية جبار أثيم، تجل أرذل النعوت و الصفات عن أن يوصف بها، ثم ما يلبث أن يقبر الماكر حتي يسلمها الي خمار فاجر، أحط من أبيه تسافلا و تحللا، فهما من تلكم الشجرة الملعونة شجرة أمية و أبي سفيان التي لا تثمر الا عن مثل هؤلاء اللئام، و أني لها أن تثمر طيبا و منبتها خبيث (و الذي خبث لايخرج الا نكدا) [10] و البلاد الاسلامية يومذاك تئن و تموج بالظلم و الجور من عسف الحكام الأمويين و ولاتهم، و تصرفهم بالبلاد و العباد بغير ما أنزل الله، فقد نشروا الرعب و الارهاب و أشاعوا الفساد في طول البلاد و عرضها.


پاورقي

[1] أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين 1 : 650، الأنوار البهية / المحدث الشيخ عباس القمي : 115. و منهم من قال يوم الجمعة كالطبرسي في اعلام الوري : 264، و الطبري الصغير في دلائل الامامة : 215، و المجلسي في البحار 46 : 212.

[2] تاريخ أهل البيت / تحقيق السيد محمدرضا الجلالي : 79.

[3] المصدر السابق.

[4] سيرة رسول الله و أهل بيته / لجنة التأليف في مؤسسة البلاغ 2 : 247 نقلا عن الكافي 1 : 469 و المناقب لابن شهرآشوب 4 : 280.

[5] المقصود : فأومأت الي الجدار بيدها و قالت.

[6] الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي : 115، و بحارالأنوار / المجلسي 46 : 215.

[7] حياة الامام محمد الباقر / باقر شريف القرشي 1 : 13.

[8] تاريخ اليعقوبي 2 : 320.

[9] سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2 : 187.

[10] سورة الأعراف : 7 / 58.