بازگشت

الولادة و النشأة


ولد (رضوان الله تعالي عليه) سنة 78 هجرية، فهو أصغر من أخيه الامام الباقر عليه السلام بواحد و عشرين عاما، و هو يتوسط اخوته مولدا.

و لما بشر به أبوه الامام زين العابدين عليه السلام أخذ القرآن الكريم و فتحه متفائلا به فخرجت الآية الكريمة :

(ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة) [1] فطبقه و فتحه ثانيا فخرجت الآية :

(و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [2] و طبق المصحف ثم فتحه فخرجت الآية :



[ صفحه 63]



(و فضل الله المجاهدين علي القاعدين) [3] و بهر الامام و راح يقول :

«عزيت عن هذا المولود و انه لمن الشهداء..» [4] .

و قد أخذ الامام السجاد عليه السلام يوليه اهتمامه لما علم من عاقبة أمره، و يفيض عليه من علمه و خلقه و هيبته ما جعل زيدا محط أنظار.

نشأ زيد في بيوت النبوة و الامامة، و تغذي بلباب الحكمة، فكان أبوه الامام زين العابدين الذي هو أفضل انسان في عصره يتعاهده بالآداب، و يرسم له طرق الهداية و الخير، فتأثر بسلوكه، و انطبعت في دخائل نفسه نزعاته المشرقة، فكان البارز من صفاته - فيما يقول المؤرخون - الزهد و الورع، و التحرج في الدين، فلم يتبع قيادة نفسه و انما آثر رضا الله و طاعته علي كل شي ء.

و قد لازم منذ نعومة أظفاره أخاه الامام الباقر عليه السلام خليفة أبيه و وصيه، و وارث علمه، و من الطبيعي ان لهذه الصحبة أثرا فعالا في سلوكه و تكوين شخصيته، فقد كان في هديه يضارع هدي آبائه الذين طهرهم الله من الرجس و الزيغ و أبعدهم عن مآثم هذه الحياة.

و أخلص زيد في العبادة و الانابة لله، فكان أبرز المتقين في عصره، يقول عاصم بن عبيد العمري : «رأيته و هو شاب بالمدينة يذكر الله فيغشي عليه، حتي يقول القائل ما يرجع الي الدنيا» [5] و كان يعرف عند أهل المدينة بحليف القرآن [6] و قد أثر السجود بوجهه [7] لكثرة صلاته [و تهجده] طول الليل [8] و لقد



[ صفحه 64]



اتجه بعواطفه و مشاعره نحوالله، و سلك كل ما يقربه اليه زلفي.

و كان زيد من علماء عصره البارزين، و كان موسوعة في الحديث و الفقه و التفسير و اللغة و الأدب، و علم الكلام. و قد سأل جابر الامام الباقر عليه السلام عن زيد فأجابه عليه السلام : «سألتني عن رجل ملي ء ايمانا و علما من أطراف شعره الي قدمه» [9] .

و قال عليه السلام فيه : «ان زيدا أعطي من العلم بسطة» [10] و قد تحدث زيد عن نفسه وسعة علومه و معارفه حينما أعد نفسه لقيادة الأمة، و الثورة علي الحكم الأموي، فقال : «و الله ما خرجت، و لا قمت مقامي هذا، حتي قرأت القرآن، و اتقنت الفرائض و احكمت السنة و الآداب، و عرفت التأويل كما عرفت التنزيل، و فهمت الناسخ و المنسوخ، و المحكم و المتشابه، و الخاص و العام، و ما تحتاج اليه الأمة في دينها مما لابد لها منه، و لا غني عنه و اني لعلي بينة من ربي» [11] .

لقد كان زيد من اعلام الفقهاء و من كبار رواة الحديث، و قد أخذ علومه من أبيه الامام زين العابدين عليه السلام و من أخيه الامام الباقر عليه السلام الذي بقر العلم حسبما أخبر عنه جده الرسول صلي الله عليه و آله و قد غذياه بأنواع العلوم و أخذ عنهما أصول الاعتقاد و الفروع و التفسير، فكان من الطراز الأول في فضله و علمه.

و يذهب الشيخ أبوزهرة الي ان التقاء زيد بواصل كان التقاء مذاكرة و ليس التقاء تلميذ عن استاذ، فان السن متقاربة، و زيد كان ناضجا. و اضاف قائلا : انه تلقي فروع الاحكام من أسرته، و في المدينة مهد علم الفروع [12] .

لقد أخذ زيد علومه عن أبيه و أخيه، و كان من اعلام الفقهاء في عصره



[ صفحه 65]



و قد روي عنه أبوخالد الواسطي مجموعة في الفقه تتناول العبادات و المعاملات اسماها (مسند الامام زيد).

أما مكانة زيد الأدبية فقد كان من الطراز الأول في الأدب و البلاغة و كان يشبه جده الامام أميرالمؤمنين عليه السلام في فصاحته و بلاغته [13] ، و يقول المؤرخون : انه جرت بين زيد و بين جعفر بن الحسن منازعة في وصية فكانا اذا تنازعا انثال الناس عليهما ليسمعوا محاورتهما فكان الرجل يحفظ علي صاحبه اللفظة من كلام جعفر و يحفظ الآخر اللفظة من كلام زيد فاذا انفصلا و تفرق الناس يكتبون ما قالاه ثم يتعلمونه كما يتعلم الواجب من الفرض و النادر من الشعر و السائر من المثل و كانا اعجوبة دهرهما و احدوثة عصر هما [14] .

و اعترف خصمه الطاغية هشام بقدراته الأدبية، و براعته في الكلام فقال : «انه حلو اللسان، شديد البيان، خليق بتمويه الكلام» [15] و قد حفلت مصادر الأدب و التأريخ بالشي ء الكثير من روائع حكمه و هي من غرر الكلام العربي.

و كان الامام الباقر عليه السلام يجل أخاه زيدا و يكبره، و يحمل له في دخائل نفسه اعمق الود، و خالص الحب لأنه من افذاذ الرجال، و صورة حية للبطولات النادرة، و قد روي المؤرخون صورا من ألوان ذلك الود و الاكبار، و هذه بعضها :

1 - انه قال له : «لقد انجبت أم ولدتك يا زيد، اللهم اشدد ازري بزيد» [16] و هذا يدل علي مدي اكبار الامام و تعظيمه لزيد.

2 - روي سدير الصيرفي قال : كنت عند أبي جعفر الباقر عليه السلام فدخل زيد



[ صفحه 66]



بن علي فضرب أبوجعفر علي كتفه و قال له : «هذا سيد بني هاشم اذا دعاكم فأجيبوه و اذا استنصركم فانصروه» [17] و دل ذلك علي دعوة الامام الي نصرته و الذب عنه، و الحكم بشرعية ثورته.

3 - روي المؤرخون عن رجل من بني هاشم قال : كنا عند محمد بن علي بن الحسين و أخوه زيد جالس فدخل رجل من أهل الكوفة فقال له محمد بن علي : انك لتروي طرائف من نوادر الشعر فكيف قال الانصاري لأخيه؟ فانشده :



لعمرك ما ان أبومالك

بوان و لا بضعيف قواه



و لا بألد له نازع

يعادي أخاه اذا ما نهاه



ولكنه غير مخلافة

كريم الطبائع حلو ثناه



و ان سدته سدت مطواعة

و مهما وكلت اليه كفاه



فوضع أبوجعفر يده علي كتف زيد و قال له :

«هذه صفتك يا أخي و اعيذك بالله أن تكون قتيل العراق» [18] .

و معني هذه الأبيات التي وصف بها الامام أخاه انه كان قوي الشكيمة صلب الارادة، ماضي العزيمة، و انه منقاد لأخيه، كريم في طباعه، و انه مهما و كل اليه من أمر عظيم فانه أهل للقيام به، و لا يتصف بهذه الصفات الا أفذاذ الناس، و عمالقة الدهر.

لقد اضفي الامام عليه السلام علي أخيه اسمي النعوت، و منحه و ده الخالص، و لم يكن بذلك مدفوعا بدافع الأخوة فان مقامه الروحي بعيد كل البعد من الاندفاع وراء العواطف و الرغبات، و انما رأي أخاه من أروع صور التكامل الانساني فمنحه هذا اللون من الود و التكريم.



[ صفحه 67]




پاورقي

[1] سورة التوبة : 9 / 111.

[2] سورة آل عمران : 2 / 169.

[3] سورة النساء : 4 / 95.

[4] حياة الامام الباقر عليه السلام / القرشي 1 : 62.

[5] مقاتل الطالبيين / 128.

[6] مقاتل الطالبيين / 130.

[7] مقاتل الطالبيين / 128.

[8] الخرائج و الجرائح / 328.

[9] مقدمة مسند الامام زيد / 8.

[10] مقدمة مسند الامام زيد / 7.

[11] الخطط و الآثار / للمقريزي 2 : 440.

[12] الامام زيد / لمحمد أبوزهرة : 225.

[13] الحدائق الوردية 1 / 144.

[14] زهر الآداب 1 / 87.

[15] تاريخ اليعقوبي 2 / 390.

[16] عمدة الطالب 2 / 127 من مصورات مكتبة الامام الحكيم، تسلسل 42.

[17] عمدة الطالب 2 / 127، غاية الاختصار 30.

[18] زهر الآداب 1 / 118.