بازگشت

مشروعية الثورة


و مما لا شك فيه ان زيدا لم يفجر ثورته الكبري أشرا و لا بطرا، و لا ظالما، و لا مفسدا، و انما كان يبغي وجه الله، و يلتمس الدار الآخرة. فقد رأي ظلما شائعا، و جورا شاملا، و رأي حكام بني أمية لم يبقوا لله حرمة الا انتهكوها، فخرج داعيا الي الله، و طالبا بالحق. يقول الرواة : انه لما ازمع علي الخروج جاءه جابر بن يزيد الجعفي فقال له : اني سمعت أخاك أباجعفر يقول : ان أخي زيد



[ صفحه 70]



ابن علي خارج و مقتول، و هو علي الحق، فالويل لمن خذله، و الويل لمن حاربه، و الويل لمن يقتله، فقال له زيد :

«يا جابر لم يسعني أن أسكت، و قد خولف كتاب الله تعالي، و تحوكم الي الجبت و الطاغوت، و ذلك اني شاهدت هشاما، و رجل عنده يسب رسول الله صلي الله عليه و آله فقلت : للساب، ويلك يا كافر اما اني لو تمكنت منك لاختطفت روحك و عجلتك الي النار، فقال لي هشام مه، جليسنا يا زيد. فوالله لو لم يكن الا أنا و يحيي ابني لخرجت عليه، و جاهدته حتي افني» [1] .

و أثني الامام ابوعبدالله الصادق عليه السلام علي عمه ثناء عاطرا، و مجد ثورته الاصلاحية فكان فيما يقول الرواة : قد قال لاصحابه : لا تقولوا : خرج زيد، فان زيدا كان عالما، و كان صدوقا، و لم يدعكم الي نفسه، انما دعاكم الي الرضا من آل محمد عليهم السلام و لو ظهر لوفي بما دعاكم اليه. انما خرج الي سلطان مجتمع لينقضه. و قد دفع عليه السلام الي عبدالرحمن بن سيابة ألف دينار و أمره أن يقسمها في عيال من أصيب مع زيد [2] .

و لو كانت الثورة غير مشروعة لما صنع ذلك فان شأنه أسمي من أن يندفع وراء التيارات العاطفية.

و شجبت بعض الروايات ثورة زيد، و وسمتها بأنها غير مشروعة، الا ان سيدنا الاستاذ الامام الخوئي قدس سره قد عرض [3] لها فأثبت ان سندها ضعيف لا يمكن التعويل عليها في الطعن بشخصية زيد و ثورته.

و علي أي حال فقد أحدثت ثورة زيد تحولا اجتماعيا و فكريا في المجتمع الاسلامي و هيأته الي الثورة علي الحكم الأموي. فلم تمر الا سنين



[ صفحه 71]



يسيرة و اذا بالرايات السود تخفق في خراسان، و هي تزحف الي احتلال الاقاليم الاسلامية، و تطهرها من عملاء السلطة الاموية حتي اطاحت بالعرش الأموي، وقضت علي معالم زهوه و جبروته.

و ثار زيد علي الحكم الأموي بوحي من عقيدته التي تمثل روح الاسلام و هديه، فقد رأي باطلا يحيي، و صادقا يكذب، و أثرة بغير تقي، و رأي جورا شاملا، و استبدادا في أمور المسلمين فلم يسعه السكوت.

و لما انتهي زيد الي الكوفة بادر أهلها اليه فرحبوا به ترحيبا حارا، و أسرعوا اليه يبايعونه حتي بلغ عدد المبايعين خمسة عشر ألفا، و قيل أكثر من ذلك، و بايعه الفقهاء و القضاة و اعلام الفكر و الأدب كالاعمش، و سعد ابن كدام، و قيس بن الربيع و الحسن بن عمارة و غيرهم.

و سئل أبوحنيفة عن خروج زيد فقال : «ضاهي خروج رسول الله صلي الله عليه و آله يوم بدر» و قال : «لو علمت أن الناس لا يخذلونه كما خذلوا أباه لجاهدت معه لأنه امام بحق، ولكن اعينه بمال» [4] .

أما صيغة البيعة التي أخذها زيد علي من بايعه فهي : «انا ندعوكم الي كتاب الله، و سنة نبيه، و جهاد الظالمين، و الدفع عن المستضعفين، و اعطاء المحرومين، و قسم هذا الفي ء بين أهله، ورد المظالم، و نصرة أهل الحق».

و تعطي هذه الصيغة صورة عن المبادي ء الاصيلة التي ثار من أجلها زيد.

و انطلقت جيوشه من جبانة سالم [5] ، و هي تهتف بحياة زعيمها العظيم



[ صفحه 72]



زيد و سقوط الحكم الاموي، و تنادي بشعار الشيعة «يا منصور امت» [6] ، و لما رأي زيد الرايات تخفق علي رأسه قال : «الحمدلله الذي هداني و الله اني كنت استحي من رسول الله صلي الله عليه و آله أن أرد الحوض و لم آمر بمعروف» [7] و خطب في جيوشه فقال لهم. «عليكم بسيرة أميرالمؤمنين علي بالبصرة و الشام : لاتتبعوا مدبرا و لا تجهزوا علي جريح، و لا تفتحوا مغلقا، و الله علي ما نقول وكيل» [8] .

و بدأت الحرب في ليلة شديدة البرد [9] ، لسبع بقين من المحرم سنة (122 ه) و جرت مناوشات و اصطدام مسلح بين اتباع زيد و بين الجيوش الاموية تحت قيادة و الي الكوفة يوسف بن عمر.


پاورقي

[1] تيسير المطالب : 108 - 109.

[2] الامالي / المجلسي : 54.

[3] معجم رجال الحديث 7 / 350 - 358.

[4] الكامل في التاريخ 5 / 56.

[5] انساب الاشراف 3 / 203.

[6] الطبري 8 / 273.

[7] عمدة الطالب 2 / 127 من مصورات مكتبة الحكيم.

[8] الحدائق الوردية 1 / 148.

[9] انساب الاشراف 3 / 202.