بازگشت

هيبة و وقار


و قد بدت علي ملامح الامام عليه السلام الهيبة و الوقار، فما جلس عنده أحد الا هابه و أكبره، و قد تشرف «قتادة بن دعامة البصري» [1] - و هو فقيه أهل البصرة - بمقابلته فاضطرب قلبه من هيبته.

و روي الشيخ الكليني في كتاب الأطعمة من الكافي عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت جالسا في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله اذ اقبل رجل فسلم، فقلت : من انت يا عبدالله؟ فقال : رجل من أهل الكوفة.

فقلت : ما حاجتك؟ فقال لي : اتعرف أباجعفر محمد بن علي عليه السلام؟ فقلت : نعم، فما حاجتك اليه؟

قال : هيأت له أربعين مسألة اسأله عنها، فما كان من حق اخذته و ما كان من باطل تركته.

قال أبوحمزة : فقلت له : هل تعرف ما بين الحق و الباطل؟

قال : نعم، فقلت له : فما حاجتك اليه، اذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل؟ فقال لي : يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون، اذا رأيت أباجعفر فاخبرني. فما انقطع كلامي معه حتي اقبل أبوجعفر عليه السلام و حوله أهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج، فمضي حتي جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه.

قال أبوحمزة : فجلست حيث اسمع الكلام و حوله عالم من الناس، فلما قضي حوائجهم و انصرفوا التفت الي الرجل. فقال له : من انت؟

قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.



[ صفحه 101]



فقال له أبوجعفر عليه السلام : انت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم.

فقال أبوجعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة ان الله جل و عز خلق خلقا من خلقه، فجعلهم حججا علي خلقه، فهم أوتاد في ارضه، قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه اظلة عن يمين عرشه.

قال : فسكت قتادة طويلا، ثم قال : اصلحك الله و الله لقد جلست بين يدي الفقهاء، و قدام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، قال له أبوجعفر عليه السلام : ويحك تدري أين أنت؟ أنت بين يدي بيوت أذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة، فأنت ثم و نحن أولئك.

فقال له قتادة : صدقت و الله، جعلني الله فداك و الله ما هي بيوت حجارة و لا طين.

قال قتادة : فأخبرني عن الجبن. فتبسم أبوجعفر عليه السلام، ثم قال : رجعت مسائلك الي هذا؟

قال : صلت علي.

فقال : لا بأس عليك. الحديث [2] .

و لا غرو فقد كان الامام عليه السلام حجة الله في أرضه، فقد تجلت في شخصيته سمات أولياء الله و أحبائه الذين أضفي عليهم الهيبة و الوقار.

و ممن غمرتهم هيبة الامام عليه السلام الشاعر المغربي :

فوصفه بقوله :



يابن الذي بلسانه و بيانه

هدي الأنام فنزل التنزيل



عن فضله نطق الكتاب و بشرت

بقدومه التوراة و الانجيل





[ صفحه 102]





لولا انقطاع الوحي بعد محمد

قلنا : محمد من أبيه بديل



هو مثله في الفضل الا أنه

لم يأته برسالة جبريل [3] .



لقد ابتعد الامام عليه السلام عن كل ما ينافي الوقار و سمو الشخصية، و لم ير ضاحكا، و اذا ضحك يقول : اللهم لا تمقتني [4] .

و أما خبر عكرمة الذي نقله السيد الأمين العاملي في أعيانه عن المناقب لابن شهرآشوب فهو الآخر يعطيك أوضح الصور عن مدي الهيبة التي تدخل قلب من يلقي الامام محمد بن علي عليه السلام.

فعن أبي حمزة الثمالي في خبر : لما كانت السنة التي حج فيها أبوجعفر محمد بن علي عليه السلام و لقيه هشام بن عبدالملك أقبل الناس ينثالون عليه.

فقال عكرمة : من هذا الذي عليه سيماء زهرة العلم لأجربنه، فلما مثل بين يديه ارتعدت فرائصه و أسقط في يده، و قال : يابن رسول الله، لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس و غيره فما أدركني ما أدركني آنفا.

فقال له أبوجعفر عليه السلام : ويلك يا عبيد أهل الشام انك بين يدي بيوت أذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه [5] .


پاورقي

[1] ترجمته في تهذيب التهذيب.

[2] الانوار البهية / المحدث القمي : 118. انظر احتجاجات الامام عليه السلام و مناقبه في الفصل الثالث من هذا الكتاب.

[3] المناقب / ابن شهرآشوب 4 : 181.

[4] صفة الصفوة / 2 : 262، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 349.

[5] أعيان الشيعة / الأمين 1 : 653.