بازگشت

تعظيم العلماء له


منذ الصدر الأول و حتي اليوم و الامة الاسلامية مجمعة بأسرها علي أفضلية أهل البيت عليهم السلام علي سواهم من المسلمين، و أحقيتهم لمنصف الخلافة، و هذه كتب التاريخ و السير و التراجم بين يديك حافلة بكلمات العلماء، و العظماء، في اطرائهم و الثناء عليهم، و اكبار مقامهم الشامخ، و ذكر فضائلهم و مناقبهم.

و أجمع رجال الفكر و العلم من المعاصرين للامام و غيرهم علي تعظيم الامام الباقر عليه السلام، و الاعتراف له بالفضل و التفوق العلمي علي غيره. و قد اتفقت كلماتهم علي أنه أسمي شخصية علمية عرفها العالم الاسلامي في عصره.

و اليك بعض كلماتهم مما توفرنا عليها واستقصيناها من بعض المصادر :

- قال الامام أبوعبدالله الصادق عليه السلام : كان أبي خير محمدي يومئذ علي وجه الأرض [1] .

- و قال و اصفوه : لقد كان الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام من بين اخوته خليفة أبيه علي بن الحسين و وصيه و القائم بالامامة من بعده و قد برز عليهم جميعا بالفضل و العلم و الزهد و السؤدد، و كان أنبههم ذكرا و أجلهم عند العامة و الخاصة و أعظمهم قدرا، و لم يظهر عن ولد الحسن و الحسين عليهماالسلام من العلوم و الآثار و السنة و التفسير و السيرة و سائر الفنون ما ظهر عنه، و قد روي عنه معالم الدين من بقي الي عصره من الصحابة و وجوه التابعين و فقهاء المسلمين.



[ صفحه 247]



و قال فيه القرظي :



يا باقر العلم لأهل التقي

و خير من لبي علي الأجبل



و مدحه مالك بن أعين الجهني بالأبيات التالية :



اذا طلب الناس علم القرا

ن كانت قريش عليه عيالا



و ان قيل أين ابن بنت النبي

نلت بذاك فروعا طوالا



نجوم تهلل للمدلجين

جبال تورث علما جبالا



- و عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعت جابر بن عبدالله يقول : أنت أبن خير البرية، و جدك سيد شباب أهل الجنة، و جدتك سيدة نساء العالمين [2] .

- و جابر بن يزيد الجعفي من أشهر علماء المسلمين، و من أجل رواة الحديث، و هو ممن تتلمذ علي الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام، و كان ممن عرف مقام الامام و وقف علي مكانته، فكان اذا حدث عنه يقول : حدثني وصي الأوصياء، و وارث علم الأنبياء، محمد بن علي بن الحسين.

- و روي الشيخ المفيد في الارشاد بسنده عن عبدالله بن عطاء المكي قال : ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، و لقد رأيت الحكم بن عتيبة (و في بعض المصادر عيينة) - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه (و في رواية أخري : رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب علي أمره) [3] .

و لابد من وقفة قصيرة عند الحكم بن عتيبة لنري مكانته و منزلة العلمية ليتبين لنا مدي سعة علوم الامام عليه السلام و سمو مكانته عند العلماء لقد كان الحكم من أجل علماء عصره و أنبههم شأنا، يقول مجاهد بن روحي : رأيت الحكم في مسجد الخيف و علماء الناس عيال عليه. و نقل جرير عن المغيرة أن الحكم اذا



[ صفحه 248]



قدم المدينة أخلو له سارية النبي صلي الله عليه و آله و سلم يصلي اليها. و قال ابن سعد : كان ثقة فقيها عالما رفيعا كثير الحديث [4] .

- و قال الحكم بن عتيبة في قوله تعالي : (ان في ذلك لآيات للمتوسمين) [5] ، قال : كان و الله محمد بن علي منهم [6] .

- و سأل رجل عبدالله بن عمر مسألة فلم يدر بما يجيبه، فقال : اذهب الي ذلك الغلام فاسأله و أعلمني بما يجيبك، و أشار الي محمد الباقر، فأتاه و سأله فأجابه، فرجع الي أبن عمر فأخبره، فقال ابن عمر : انهم أهل بيت مفهمون.

- و كان محمد بن المنكدر ممن عاصر الامام زين العابدين، و ولده الامام الباقر عليهماالسلام، و قد أدلي بانطباعاته عنه فيقول : ما كنت أري أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضله و غزارة علمه و حلمه حتي رأيت ابنه محمدا.

- و سديف المكي هو الآخر منم أصحاب الامام أبي جعفر، و قد اتصل به، و هو ممن أبدي اكباره و اعجابه به يقول : ما رأيت محمديا قط يعدله [7] .

- و قال عنه أبواسحاق : لم أر مثله قط.

- و قال له الأبرش الكلبي بعد ما سأله فأجابه : أنت ابن رسول الله حقا، ثم صار الي هشام فقال : دعونا منكم يا بني أمية، ان هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء و الأرض فهذا ولد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

- و أما هشام بن عبدالملك فانه علي الرغم من كونه أعظم الحاقدين علي الامام و من ألد أعدائه، الا أنه اعترف بسمو مكانة الامام، و عظيم شأنه فقد قال له : و الله ما جربت عليك كذبا.



[ صفحه 249]



و قال له أيضا : يا محمد لاتزال العرب و العجم تسودها قريش مادام فيها مثلك.

- و كتب عبدالملك بن مروان الي عامل المدينة : أن ابعث الي محمد بن علي مقيدا.

فكتب اليه العامل : ليس كتابي هذا خلافا عليك يا أميرالمؤمنين، و لا ردا لأمرك، ولكن رأيت أن اراجعك في الكتاب نصيحة لك، و شفقة عليك، ان الرجل الذي أردته ليس اليوم علي وجه الأرض أعف منه و لا أزهد و لا أورع منه، و انه من أعلم الناس، و أرق الناس، و أشد الناس اجتهادا و عبادة، و كرهت لأميرالمؤمنين التعرض له، فان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.

فسر عبدالملك بما أنهي اليه الوالي، و علم أنه قد نصحه [8] .

- و تحدث الامام الباقر عليه السلام مرة عن قائم آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و مهدي هذه الامة، و كان في المجلس المنصور الدوانيقي، فبهر من ذلك، وراح يحدث سيف بن عمر بما سمعه من الامام قائلا : لو حدثني أهل الأرض كلهم ما قبلت منهم، ولكنه محمد بن علي [9] .

- و قال له قتادة بن دعامة البصري : لقد جلست بين يدي الفقهاء، و قدام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم ما اضطرب قدامك.

- و قال له عبدالله بن معمر الليثي : ما أحسب صدوركم الا منابت أشجار العلم، فصار لكم ثمره و للناس ورقه.

- و قال أبوزرعة : ان أباجعفر لأكبر العلماء.

- و قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول : هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه، و متفوق دره و راضعه، صفا قلبه، و زكا



[ صفحه 250]



عمله، و طهرت نفسه، و شرفت أخلاقه، و عمرت بطاعة الله أوقاته، و رسخت في مقام التقوي قدمه، و ظهرت عليه سمات الازدلاف، و طهارة الاجتباء.

- و أما ابن أبي الحديد فقال في شرح النهج : كان محمد بن علي بن الحسين سيد فقهاء الحجاز، و منه و من ابنه جعفر تعلم الناس الفقه [10] .

- و لما قيل لعمر بن عبدالعزيز ان علي بن الحسين قد رحل عن دنيا الناس الي جوار ربه، قال : لقد ذهب سراج الدنيا و جمال الاسلام و زين العابدين، فقيل له : لقد ترك ولده أباجعفر و فيه بقية، فكتب اليه كما جاء في رواية اليعقوبي، كتابا يختبره فيه، فأجابه الامام أبوجعفر الباقر جوابا يعظه فيه، فقال عمر : اخرجوا لي كتابه الي سليمان، فأخرج اليه فوجدوه قد كتب اليه يقرظه و يمدحه، فانفذ عمر بن عبدالعزيز الي عامله في المدينة و قال له : أحضر محمد بن علي و قل له هذا كتابك الي سليمان تقرظه و تمدحه و هذا كتابك الي عمر بن عبدالعزيز مع ما اظهر من العدل و الاحسان تعظه و تخوفه، فأحضره العامل و أخبره بما كتب اليه، فقال الباقر عليه السلام : ان سليمان كان جبارا فكتبت اليه بما يكتب الي الجبارين، و ان صاحبك أظهر العدل و الاحسان، فكتبت اليه بما يكتب الي المحسنين فكتب اليه عامل المدينة بجواب الامام عليه السلام، فلما قرأه قال : ان أهل هذا البيت لا يخليهم الله من فضل.

- و قال فيه محيي الدين بن شرف النووي المتوفي سنة 676 كما جاء في مرآة الجنان : محمد بن علي بن الحسين القرشي الهاشمي المعروف بالباقر سمي بذلك، لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله و خفاياه و هو تابعي جليل و امام بارع مجمع علي جلالته معدود في فقهاء المدينة و أئمتهم سمع جابرا و أنسا و جماعات من كبار التابعين، و روي عنه أبواسحاق السبيعي و عطاء بن أبي رياح و عمرو بن دينار الأعرج و الزهري و ربيعة الرأي و جماعة آخرون من



[ صفحه 251]



كبار أئمة الحديث [11] .

- و أما ابن الصباغ المالكي فقال في الفصول المهمة : و كان محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلام مع ما هو عليه من العلم و الفضل و السؤدد و الرياسة و الامامة، ظاهر الجود في الخاصة و العامة [12] .

- و هذا أحمد بن حجر الهيثمي عندما يمر بالامام الباقر عليه السلام في الصواعق المحرقة يقف عنده و يقول : أبوجعفر محمد الباقر، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها، و أنار مخبآتها و مكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، و حقائق الأحكام و الحكم و اللطائف ما لا يخفي الا علي منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية و السريرة [13] .

و قال يوسف بن اسماعيل النبهاني : محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين - رضي الله عنهم - أحد أئمة ساداتنا أهل البيت الكرام، و واحد أعيان العلماء الأعلام.

و ذكر شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي الامام الباقر عليه السلام في كثير من مؤلفاته خاصة كتب التراجم. و قد شط الذهبي في بعضها عن الحق حينما قدم ابن كثير و أبي الزناد و قتادة و ربيعة و غيرهم علي الامام، في حين أن هؤلاء الأعلام و أضرابهم من معاصري الامام عليه السلام كانوا عيالا عليه في كل مجالات العلم و المعرفة، بل و يمكن القول بأنهم لايرقون الي تلاميذ الامام كزرارة و محمد بن مسلم و جابر الجعفي، فان ما اثر عنهم من الفضل و العلم يفوق بكثير ما اثر عن ابن كثير و جماعته. ولكن الذهبي كان ينظر بعين واحدة حولاء، و ما أبدع ما قيل فيه :



[ صفحه 252]





سميت بالذهبي اليوم تسمية

مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب



و مع ذلك فقد قال في الامام : كان الباقر أحد من جمع بين العلم و العمل، و السؤدد و الشرف و الثقة و الرزانة، و كان أهلا للخلافة و لقد كان أبوجعفر اماما مجتهدا، تاليا لكتاب الله، كبير الشأن، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير و نحوه، و لا في الفقه درجة أبي الزناد و ربيعة، و لا في الحفظ و معرفة السنن درجة قتادة و ابن شهاب [14] .

- و قال محمد بن أبي بكير المعروف بابن حماد دكين في كتابه روضة الأعيان في مشاهير أخبار الزمان : سيدنا الامام محمد بن الامام زين العابدين عليهماالسلام برز بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد، و كان نبيه الذكر، عظيم القدر، جليل الشأن. و صار بالفضل علما تضرب به الأمثال، و تسير بوصفه الآثار و الأشعار.

- و قال الداعي ادريس القرشي في عيون الأخبار و فنون الآثار : محمد بن علي أول من حاز شرف الأصلين و اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين، و نشأ علي الفضل و الطهارة، و الرياسة و السيادة و العلم. و احتذي سيرة آبائه الطاهرين، و لم يزل في درجات الفضائل منتقلا، و للمفاخر السامية متوغلا.

- و قال تاج الدين بن محمد نقيب حلب : أبوجعفر باقر العلم هو أول من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين، كان واسع العلم، وافر الحلم، روي عنه حديث كثير، و نقل عنه علم جم.

- و أما ابن تيمية - ذلك المبغض الحاقد علي أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم - فقد قال : كان محمد الباقر أعظم الناس زهدا و عبادة، بقر السجود جبهته، و كان أعلم أهل وقته، سماه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الباقر.

- و أما عبدالقادر الشيخاني فقد قال : محمد الباقر كان أشهر أهل زمانه،



[ صفحه 253]



و أكملهم فضلا، و أعظمهم نبلا، و لم يظهر في زمنه عند أحد من علم الدين و السنن، و علم القرآن و السير و فنون الآداب مثل ما ظهر منه.

- و قال السيد كاظم اليماني : الامام الباقر : هو ثاني سبط، و خامس امام معصوم علي رأي من رأي ذلك، و رابع تقي علي رأي الاجماع، و هو المكني أباجعفر.

- و قال الشيخ أحمد فهمي محمد : الامام الباقر : هو خامس الأئمة عند الامامية، و كان رضي الله عنه أصدق الناس، و أحسنهم بهجة، و أبدعهم لهجة. فهو غرة الدهر، و درة العصر.

- و قال الشيخ أبوزهرة في كتابه «الامام الصادق» : و كان محمد ابنه - أي ابن الامام زين العابدين - وريثه في امامة العلم، و نيل الهداية و لذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الاسلامية، و ما زار أحد المدينة الا عرج علي بيت محمد الباقر يأخذ عنه. و قال علي جلال الحسيني : كان واسع العلم، وافر الحلم.

- و قال عبدالقادر الحلبي : الباقر أول علوي ولد بين علويين، تابعي جليل القدر، امام بارع مجمع علي امامته و جلالته، معدود في فقهاء المدينة و أئمتهم [15] .

- و أما الشيخ المفيد في الارشاد فقد قال : و كان الباقر أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام من بين اخوته خليفة أبيه علي بن الحسين و وصيه و القائم بالامامة من بعده، و برز علي جماعتهم بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد، و كان أنبههم ذكرا و أجلهم في العامة و الخاصة و أعظمهم قدرا. و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين عليهماالسلام من علم الدين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام، وروي عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين، و صار بالفضل علما لأهله، تضرب به



[ صفحه 254]



الأمثال، و تسير بوصفه الآثار و الأشعار.

- و قال عنه أبوعلي الفضل بن الحسين الطبرسي : قد اشتهر في العالم تبريزه علي الخلق في العلم و الزهد و الشرف ما لم يؤثر عن أحد من أولاد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و قبله من علم القرآن و الآثار و السنن، و أنواع العلوم و الحكم و الآداب مما أثر عنه، و اختلف اليه كبار الصحابة و وجوه التابعين، و فقهاء المسلمين، و عرفه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بباقر العلم علي ما رواه نقلة الآثار.



[ صفحه 255]




پاورقي

[1] البداية و النهاية 9 / 309.

[2] كشف الغمة 2 / 332.

[3] الارشاد / المفيد 2 : 160، الأنوار البهية / القمي : 116.

[4] حياة الامام محمد الباقر / القرشي 1 : 99.

[5] سورة الحجر : 15 / 75.

[6] كشف الغمة 2 : 332.

[7] حياة الامام محمد الباقر / القرشي 1 : 97.

[8] أئمتنا / علي محمد علي دخيل 1 : 396.

[9] حياة الامام محمد الباقر / القرشي 1 : 97.

[10] أئمتنا / علي محمد علي دخيل 1 : 397.

[11] سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2 : 190 - 191.

[12] الفصول المهمة / ابن الصباغ : 212.

[13] الصواعق المحرقة / ابن حجر : 120.

[14] سير أعلام النبلاء / الذهبي 4 : 401 - 409.

[15] حياة الامام محمد الباقر / باقر شريف القرشي 1 : 103 - 111.