بازگشت

مدرسة الامام الباقر


عند الرجوع الي سيرة الامام زين العابدين عليه السلام و استعراض بعض فصولها المتعلقة بالمنهاج العملي الذي تبناه الامام السجاد عليه السلام من أجل قيادة الامة الروحية و مسيرته الاصلاحية، يتبين لنا جليا أن الامام زين العابدين عبر سنوات امامته المباركة، أخذ زمان المبادرة لتزويد الامة بطاقة روحية و فكرية و أخلاقية رائدة، بالاضافة الي تكثيف و لائها لأهل البيت عليهم السلام.

علي أن عمله لم يكن متوقفا عند حدود تلك المهمة، و انما كان وضع اللبنات الاولي لمدرسة خالدة كبري تحظي منه بالأولوية، و لقد عشنا مع الامام عليه السلام عبر دراستنا لسيرته العطرة، و هو يصنع كوكبة من رجال العلم و المعرفة و حملة التشريع الالهي الصحيح، بالرغم من الظروف السيئة التي اكتنفت عصره.

و ما ان رحل الامام السجاد عليه السلام و لبي نداء ربه الاعلي سبحانه، حتي نهض الامام الباقر عليه السلام بأدوار الامامة الشرعية، بناء علي امتلاكه لشروطها فكرا و عملا، و ما يؤطر ذلك من عهد الهي خاص بحمل أعبائها. و لقد حمل الامام عليه السلام مشعل الامامة المتفجر بالخير و الهدي خلال التسع عشرة سنة الأخيرة من عمره الشريف، فما هي طبيعة المسار الذي سلكه عليه السلام بقافلة الاصلاح الاسلامي؟

و قبل الدخول في بحث طبيعة المسار الاصلاحي في عصر الامام الباقر عليه السلام لابد من أن نعيد الي الأذهان مجددا أن خطوات الامام الاصلاحية انما تحدد وجهتها وفقا للظروف العامة المحيطة به، و منها :



[ صفحه 300]



الوضع الفكري للامة.

علاقة الناس بالسلطة سلبا و ايجابا، قوة السلطان و ضعفه، علاقة السلطة بالامام و موقفها عنه، و اضطراب الأوضاع العامة و استقرارها و غير ذلك. [1] .

يقول الكاتب عادل الأديب في دراسته عن حياة الأئمة الاثني عشر :

ان الامام محمد الباقر صلي الله عليه و آله يشكل تقريبا بداية المرحلة الثانية من مراحل عمل الائمة عليهم السلام. و ذلك لو اتبعنا التقسيم المرحلي لأدوار حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام.

فبعد أن أنجز أئمة المرحلة الاولي مهمة تحصين الاسلام من خطر صدمة الانحراف، و الاحتفاظ بالاسلام كتشريع و تهيئة و بناء كوكبة من رجال العلم و التشريع، بدأت جهود أئمة المرحلة الثانية، بنشاط الامام الباقر عليه السلام فتميزت جهوده و تمحورت حول اعطاء شيعة أهل البيت اطارها التفصيلي الخاص بها بوصفها الكتلة المؤمنة و المحافظة علي الخط الحقيقي للاسلام.

و الفرق بين الدورين، هو أن أئمة المرحلة الاولي أظهروا معني التشيع بالنطاق الخاص، لأنهم انشغلوا بمعالجة هدفهم الرئيس و تحصين الاسلام من صدمة الانحراف. بينما جاء أئمة المرحلة الثانية و في طليعتهم الامام الباقر عليه السلام بالذات كي يمنح الكتلة الشيعية و علي المستوي العام اطارها التفصيلي الشامل.

و لا يعني هذا أن أئمة المرحلة الاولي لم يعملوا الابراز الكيان الشيعي، بل ان نشاطهم في هذا المجال كان ثانويا و علي مستوي خاص، و قد سبق للامام علي عليه السلام هذا النشاط و علي المستوي الخاص جدا من حوارييه من أمثال سلمان الفارسي و أبي ذر الغفاري و عمار بن ياسر و مالك الأشتر و غيرهم.

لقد كان مجي ء الامام الباقر عليه السلام ايذانا بمباشرة مهامه التغييرية حيث كانت



[ صفحه 301]



الأمة تتطلع اليه بوصفه واحدا من أبناء أولئك الذين ضحوا بأرواحهم و دمائهم لكي يوقفوا موجة الانحراف التي كادت أن تطمس معالم الاسلام، فهم وقفوا و ضحوا من أجل ان يفهم المسلمون أن حكامهم الذين يحكمون باسم الاسلام، بعيدون كل البعد عن تطبيقه حتي أصبحت مفاهيم الكتاب و السنة في واد، و الحكام المنحرفون في واد آخر.

ان مهمة كشف الحكام و واقعهم المنحرف و بعدهم عن الاسلام كانت من مهمة أئمة المرحلة الأولي، و قد انجزت و تمت بنجاح من خلال جهودهم و تضحياتهم عليهم السلام.

و جاء دور الامام الباقر عليه السلام ليستثمر تلك المعاناة و الجهود و يوضح المسلمين أن تلك الانجازات الكبيرة و التضحيات العظيمة لم تكن في وقت من الأوقات، مجرد أعمال شخصية و عفوية قام بها أشخاص لنصرة الاسلام، تدفعهم لذك دوافع الغيرة علي الاسلام فحسب، بل انها وجه واحد من وجوه النشاط الذي اتجه لبناء تكتل واع يؤمن بالاسلام ايمانا صحيحا واعيا، و ان لهذا التكتل معالم و شروطا خاصة، و نظرة متميزة يحملها في مختلف شؤون الحياة الاسلامية. [2] .

و اذا تتبعنا عصر الامام الباقر عليه السلام وجدنا أن نحو ثلثي فترة امامته عليه السلام قد مالت الي حالة تجميد الصراع مع السلطات المنحرفة نوعا ما، ابتداء من أواخر حكم الوليد بن عبدالملك حتي سنوات الاولي من حكم هشام بن عبدالملك، فقد كان الحكام الذين سبقوا هشاما منشغلين اما بألوان الترف و اللهو و المجون، أو بتصفية بعضهم بعضا. و للتاريخ نستثني فترة حكم عمر بن عبد العزيز، الذي سلك سياسة منفتحة مؤطرة بكثير من اطر الانصاف.

و لقد أفاد الامام محمد الباقر عليه السلام كثيرا من تلك الاوضاع السياسية، فشمر



[ صفحه 302]



عن ساعد الجد لاستكمال ما بدأه الامام السجاد في عمله التغييري المقدام، من خلال تبنيه السياسة التعليمية المعطاءة، و مارس نشاطا تثقيفيا علي أعلي المستويات، من أجل رفد الحركة التغييرية بمزيد من (الكوادر) الرسالية الواعية.

و استقطب نشاط الامام المكثف الكثير من رواد المعرفة الاسلامية، و شدت اليه الرحال من جميع أطراف الدولة الاسلامية المترامية، تلامذة و محاورون و طالبوا علم، و قصده أغلب رجالات الفكر من معتزلة و متصوفة و خوارج و سواهم، للمناظرة أو للاصابة من فيض علمه المتدفق. [3] .

و في هذا المقام يمكن اعتبار جهود الامام الباقر عليه السلام استمرارا و تصعيدا لبناء بدأه آباؤه السابقون، مستفيدا من المكاسب التي حققوها في هذا المضمار.

فالخط التاريخي التمثل بتضحيات و جهود أئمة المرحلة الاولي أكسب الامام الباقر عليه السلام المكانة الرائدة عند الامة الاسلامية، و جعلها تتطلع اليه - كما أشرنا الي ذلك - كما أشرنا الي ذلك - رائدا أوحديا و أمينا علي دينها و عقيدتها، لما يمتلك من مؤهلات علمية و رسالية، فهذه المكانة عرفناها من خلال نصوص تاريخية كثيرة.

في سؤال لهشام بن عبدالملك لما حج في ذلك العام، قال : من هذا؟ مشيرا الي الامام، فقيل له هذا من افتتن به أهل العرق، هذا امام أهل العراق.

و في رواية حبابة الوالبية حين قالت : رأيت رجلا بمكة بين الباب و الحجر علي صعدة من الارض... انثال عليه الناس يستفتونه عن المعضلات و يستفتحونه أبواب المشكلات، فلم يرم حتي أفتاهم في ألف مسألة ثم نهض يريد رحله و مناد ينادي بصوت مهل : ألا ان هذا النور الأبلج...و آخرون يقولون من هذا؟ فقيل : محمد بن علي الباقر عن العلم و الناطق عن الفهم الامام محمد



[ صفحه 303]



بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

قال الأبرشي الكلبي لهشام مشيرا الي الباقر عليه السلام، من هذا الذي احتوشته أهل العراق يسألونه؟ قال : هذا نبي الكوفة و يزعم أنه ابن رسول الله و باقر العلم و مفسر القرآن فاسأله مسألة لا يعرفها.

و غيرها، و غيرها من الحوادث و النصوص التاريخية التي أتينا علي معظمها في الفصل السابق.

و أما تطلع الامة اليه فيبدو من بعض النصوص أنه عليه السلام كانت زعامته الشعبية فوق حدود العالم الاسلامي و انقسامات شعوبه، فلم يكن زعم شعب دون شعب، بل كانت الشعوب الجديدة الداخلة في الاسلام أيضا تعترف بزعامته و ترتبط به روحيا، بالرغم من وجود ذلك التناقض و التناحر العنصري و القبلي ابان الخلافة الأموية بين المضريين و الحميريين و العداء الشديد المستعر بينهما، بالرغم من كل ذلك نري أن أبناء كلا القبيلين هم في طليعة أصحاب الامام عليه السلام حتي أصبح شعراء الشيعة الرسميين من هذين الطرفين، فالفرزدق التميمي المضري و الكميت الأسدي الحميري اتفقا علي الولاء للامام و لأهل البيت عليهم السلام.

ففي موسم الحج كانت الالاف من المسلمين، من العراق و خراسان و غيرهما تستفتيه و تسأله في جميع شؤون المعرفة الاسلامية، و هي دلائل و مؤشرات علي شعبيته عليه السلام و مدي نفوذه الواسع في قلوب المسلمين، و مدي تعاطف الجماهير معه. كما كانت تشد الرحال اليه، فقد قصره الكثير من كبار فقهاء عصره و المنتمين الي مدارس فكرية شتي، و ان تباينت أغراضهم و أهدافهم، فهم بين من يريد اثارة الاسئلة الصعبة و طرحها علي الامام، و طلب الاجابة عليها لاحراجه و تحديد أمام الناس، و بين من كان يريد الافادة من علومه عليه السلام. فكان الرجل منهم يسافر من بلد الي بلد، و يقضي في ذلك أياما من



[ صفحه 304]



أجل أن يلقي عليه السؤال.

كل هذه الدلائل و غيرها، تشير الي دقة تخطيط الامام و مدي تعاطفه و نفوذه الواسع مع الامة، الامر الذي أدي الي رود فعل مختلفة في كثير من البلدان، خاصة عاصمة الحكم انذاك.

هذا الرصيد من التعاطف الجماهيري، و النفوذ الواسع، ورثه الامام الباقر عليه السلام من تلك الجهود و التضحيات التي تجسدت في أعمال أئمة المرحلة الاولي، و نفس هذه الجهود و التضحيات أتاحت لائمة هذه المرحلة العمل علي ابراز و اعطاء الاطار التفصيلي و الواضح للتشيع.

و لا يفوتنا و نحن نتحدث عن جامعة أهل البيت التي أسسها الامام الباقر عليه السلام أن نشير الي أن المهمة التي قام بها الامامان الباقر و الصادق عليهماالسلام، التي أعطت تلك النتائج الكبري، هي من اولي المهمات التي تعني كل واحد من أئمة أهل البيت، ولكن الظروف التي تهيأت للامامين الباقر و الصادق لم تتهيا لغيرهما من الأئمة عليهم السلام، ذلك لأن سني امامة الباقر عليه السلام قد رافقتها بوادر النقمة. العارمة علي سياسة الأمويين و الدعوة في مختلف الأقطار للتخلص منهم. و كان سوء صنيعهم مع العلويين من أقوي الأسلحة بيد خصومهم الطامعين بالحكم، مما دعاهم الي اتخاذ موقف من الشيعة و أئمتهم أكثرا اعتدالا مما كانوا عليه بالأمس.

نعم، الظروف التي مرت علي الامام الباقر عليه السلام كانت مواتية، فقد كانت الدولة الاموية في نهايتها، واهية البنيان، منهدة الأركان، فاستغل الامام الفرصة و نشر ما أمكنه نشره من العلوم و المعارف، و لو أنه عليه السلام كان يتبرم لانعدام من يستطيع حمل علومه و آثاره التي قالوا عنها انها أمر صعب مستصعب، فقد روي عن الباقر عليه السلام قوله : لو وجدت لعلمي [حملة] لنشرت التوحيد و الاسلام و الدين و الشرائع من الصمد، و كيف لي و لم يجد جدي أميرالمؤمنين عليه السلام حملة



[ صفحه 305]



لعلمه؟ [4] كما استغل ولده الامام الصادق عليه السلام من بعده انشغال الدولة الأموية بقمع الانتفاضات و الثورات هنا و هناك، و في ظل هذه الظروف انتهز العباسيون الفرصة و تصدروا الثورة و قادوها لصالحهم، بعد ما رفعوا شعارهم الذي يدعون فيه الي الرضا من أهل البيت زورا و بهتانا، فاندفع الثوار من الشيعة الموالين لآل البيت النبوي بمؤازرتهم و تصديق دعواهم، وانخرطوا في الجيش الزاحف من خراسان بقياة أبي مسلم الخراساني علي بغداد و دمشق، لاسقاط الدولة الأموية.

و لما جاء عهد الامام الصادق عليه السلام كانت الدولة الاموية تلفظ أنفاسها الاخيرة، و تعاني من انتصارات خصومها الأقوياء العباسيين هنا و هناك، و بالتالي تقلص ظلها، و تم الامر أخيرا للعباسيين، و قامت الحكومة الجديدة علي حساب العلويين.

في هذه الظروف الخاصة انطلق الامامان الباقر و الصادق عليهماالسلام لأداء رسالتهما و تم لهما ذلك بين عهدين : عهد زوال الحكم الأموي، و عهد تثبيت أقدام العباسيين في الحكم، و ارساء قواعد حكومتهم، علما بأن مثل هذه الظروف الخاصة لم تتهيا لأحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام قبل الامامين و لا من بعدهما.

و لما استتب الامر للعباسيين - الذين تستروا بشعار أهل البيت و شيعتهم - عادوا يمثلون أقبح الأدوار التي مثلها الأمويون معهم حتي قال قائلهم :



يا ليت جور بني مروان دام لنا

و ليت عدل بني العباس في النار



و لو أتيح للأئمة عليهم السلام بعد علي عليه السلام أن ينصرفوا الي الناحية التي اتجه لها الامامان الباقر و الصادق لكان فقه أهل البيت هو الفقه السائد و المعمول به عند عامة المسلمين؛ لأنه من فقه أميرالمؤمنين عليه السلام، و أميرالمؤمنين كان صاحب



[ صفحه 306]



الرأي الأول و الأخير في الفقه و القضاء بلا منازع، و قد ترك منه في المدينة و الكوفة ما يكفي لحل جميع ما يعترض المسلمين من المشاكل حيث كانوا، ولكن خصومهم عملوا علي طمس آثاره بما يملكون من قدرات هائلة في التعتيم الاعلامي و بذل المال للمرتزقة و المأجورين، حتي خلقوا له الأنداد و الأضداد بوسائلهم المعروفة كما وقفوا لأبنائه من بعده و شيعتهم بالمرصاد و كانوا يحاسبون و يعاقبون كل من ينسب اليهم رأيا أو يروي عنهم حديثا، في حين أنهم أباحوا لكل متعلم أو عالم أن يقول و يروي ما يشاء و يفتي بما يريد في العواصم الاسلامية الكبري و غيرها، فسالم بن عبدالله بن عمر و عروة بن الزبير و الزهري و محمد بن شهاب، و يحيي بن سعيد و عطاء و غيرهم من الموالي و الأحرار كانوا أئمة الافتاء في مكة و المدينة و ابراهيم النخعي و الشعبي كانا بالاضافة الي غيرهما في الكوفة بالرغم من أن النخعي قد أخذ الفقه ممن أخذه عن علي عليه السلام ولكنه كان ينسب رأي علي عليه السلام أحيانا لنفسه فعدوه لهذه الغاية ممن يجنحون الي العمل بالرأي، و كذلك كان فقيه البصرة الحسن البصري، و فقيه اليمن طاووس، و هكذا فرضوا لكل بلد عالما أو أكثر ليرجع اليه الناس في الحلال و الحرام، أما فقهاء الشيعة الذين عاصروا هذه الطبقة تقريبا كسعيد بن المسيب و القاسم بن محمد و أمثالهما فمع انهم كانوا من البارزين بين علماء ذلك العصر في الفقه و غيره الا أنه لم يكن لفقههم صبغة التشيع الصريح، و قد شاع عن سعيد بن المسيب أنه كان يجيب أحيانا برأي غيره من علماء عصره أو برأي من سبقه من الصحابة و التابعين مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير و يحيي بن أم الطويل و غيرهما ممن تعرضوا للقتل و التشريد لا لشي ء سوي تشيعهم لعلي و بنيه عليهم السلام.

و مجمل القول لقد شاء الله لجامعة أهل البيت أن تعيش آمنة مطمئنة و لو لفترة يسيرة من الزمن، تلك الفترة ليست شيئا بالنسبة لما تركته من الأثار في



[ صفحه 307]



شرق البلاد و غربها في ثلث قرن من الزمن تقريبا لا أكثر.

و شاء الله لمذهب أهل البيت عليهم السلام و فقههم فقه علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أخذه عن الرسول عليه السلام بلا واسطة أن ينسبا الي حفيده جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي اشترك مع أبيه عليه السلام في تأسيس جامعته و استقل بها بعد وفاته، لا لأن رأيا في أصول المذهب أو فقهه يختلف فيهما عن آبائه و أحفاده، و هو القائل : حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث رسول الله و حديث رسول الله هو قول الله، لا لذلك، بل لأنه و أباه تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما و استطاعا في تلك الفترة القصيرة المشحونة بالأحداث التي كانت كلها لصالحهما - الي حد ما - أن يملأ شرق الأرض و غربها بآثار أهل البيت و فقههم، و يحققا ما لم يتيسر تحقيقه لمن سبقهما و من جاء بعدهما؛ لذلك نسبا الي الامام الصادق كما يبدو ذلك لكل من تتبع آراء اهل البيت في فقههم و معتقداتهم. [5] .

و كما أن الدنيا مدينة اليوم لخاتم الرسل و سيد الكائنات محمد المصطفي صلي الله عليه و آله، لما أنقذها من أسر العبودية، و انتشلها من ظلمات الجهل و التخلف و الانحطاط، و ثبت أقدام الناس و دلهم علي الطريق السوي و هداهم الي الصراط المستقيم، فكانوا خير امة اخرجت للناس، كذلك هي مدينة لآل رسول الله صلي الله عليه و آله، لما حمل الامة صلوات الله و سلامه عليه كل الامة بلا استثناء، و دون حدود زمنية، من حفظ عترته أهل بيته من بعده، و التمسك بحبل ولائهم، و معاداة أعدائهم.

و الامة مدينة بالاخص للامامين الصادقين : محمد بن علي الباقر و جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، لما فتحا عليها من آفاق العلم و المعرفة، اذ دخلا دنيا العلوم من أوسع أبوابها الرحبة، حتي نشأت في عصريهما و ما تلاهما من



[ صفحه 308]



العصور، حركة علمية ضخمة امتدت علي مساحة واسعة من الأرض بعد أن كانت محصورة في مساجد المدينة المنورة و الكوفة و البصرة، و شملت علوما و معارف مختلفة تعدت علم الحديث و الفقه و التفسير، كما وسعت من أفق هذه العلوم الثلاثة التي كانت تحظي باهتمام المسلمين آنذاك أكثرا من غيرها.

و قد سبق أن ذكرنا أن دور الامام الباقر عليه السلام و مهمته الرئيسة اتجهت في هذه المرحلة الي استثمار جهود و انجازات آبائه الطاهرين و تضحياتهم العظيمة، و ذلك بتوضيح الاطار التفصيلي للتشيع، و ابراز ملامحه المتميزة، و اعطائه البعد الحقيقي علي أنه التمثيل الواقعي للاسلام الأصيل عقيدة و معالجته لمجمل شؤون الحياة فكرا.

و هكذا أخذ الامام أبوجعفر عليه السلام زمام المبادرة في رسم الخطة و سار الائمة عليهم السلام من بعده عليها باعتبار هم قادة الامة، و حفظة الشريعة، و حملة علوم رسول الله صلي الله عليه و آله، من طور النشاط المحدود بالنسبة الي الظروف الخاصة آنذاك الي مستوي عالمية الرسالة، و ذلك بتنمية مجمل الكيان الشيعي كما و نوعا، عبر اجراءات متعددة اتخذها الامام لتحقيق مهامه السماوية باعتبار أن الامامة و شؤونها منصب سماوي لادخل للانسان فيه بأي حال من الأحوال، مثلها مثل النبوة و الرسالة.

و نجمل اجراءات الامام و ممارساته في هذا المجال بطريقين :

الاول : طريق التثقيف الموسع من داخل مدرسته التي أسسها لهذا الغرض؛ لتزويد علمائها و طلابها بالعلوم الاسلامية و آدابها. فقد كان الامام الباقر عليه السلام المرجع الوحيد للعالم الاسلامي في عصره لعلوم الشريعة، و كان علماء عصره يتصاغرون أمامه اعترافا منهم بسمو منزلته العلمية التي لا يدانيها أحد.

و كانت مدرسته مدعاة لتخريج المئات من العلماء و المحدثين. يقول



[ صفحه 309]



جابر الجعفي : حدثني أبوجعفر سبعين ألف حديث. و قال محمد بن مسلم : ما شجر في رأيي شي ء الا سالت عنه أبا جعفر عليه السلام حتي سألته عن ثلاثين ألف حديث و مسألة.

و قد عد المؤرخين و منهم ابن شهرآشوب من الرواة عن الامام من بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين الكثير، فمن الصحابة : جابر بن عبدالله الأنصاري، و من التابعين : جابر بن يزيد الجعفي، و كيسان السختياني، و من الفقهاء : ابن المبارك و الزهيري و الاوزاعي و أبوحنيفة و مالك و الشافعي و زياد بن المنذر، و من الصنفين : الطبري و البلاذري و السلامي و الخطيب في تواريخهم، و غيرهم.

و الثاني : عن طريق مجابهة الامة بهذا الاطار - و لأول مرة تقريبا في حياة الأئمة عليهم السلام - و التركيز بشكل واضح و محدد لمفهوم التشيع باعتباره عقيدة أمة واعية لها طريقتها الخاصة في تفسير الاسلام، و لابد من اشاعتها في صفوف المجتمع الاسلامي كله. [6] .

و هنا يحدد الامام عليه السلام تعريف الشيعة بأنهم : الذين ينتسبون الي مدرسة الامام علي عليه السلام في ولائهم، كما يحدد الاطار العام للتكتل الشيعي الأصيل، و يبين خواصه و مميزاته الأساسية التي عليها يبتني التشيع، فيقول :

انا شيعة علي عليه السلام المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتزاورون لاحياء أمرنا، الذين اذا غضبوا لم يظلموا، و اذا رضوا لم يسرفوا، بركة علي من جاوروا، سلم لمن خالطوا [7] ، و قال : شيعتنا من اطاع الله.

و قال أيضا : ما شيعتنا الا من اتقي الله و أطاعه، و ما كانوا يعرفون الا بالتواضع و الخشوع، و أداء الامانة، و كثرة ذكر الله، و الصوم و الصلاة، و البر



[ صفحه 310]



بالوالدين، و تعهد الجيران من الفقراء و ذوي المسكنة و الغارمين و الأيتام، و صدق الحديث، و تلاوة القرآن، و كف الألسن عن الناس الا من خير، و كانوا أمناء عشائرهم في الاشياء. [8] .

و في مناسبة اخري يحدد الامام الباقر عليه السلام موقع الفرد الشيعي و لاء من المجتمع بصورة عامة، و الشيعي الهاشمي انتسابا بشكل خاص علي اعتبار اتصالهم نسبا بال رسول الله صلي الله عليه و آله و نظرة العوام اليهم نظرة خاصة، فيقول عليه السلام في جمع من بني هاشم و غيرهم :

اتقوا الله شيعة آل محمد و كونوا المنرقة [9] الواسطي يرجع اليكم الغالي، و يلحق بكم التالي، و قالوا له : و ما الغالي؟ قال : الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا، قالوا : فلما التالي؟ قال : الذي يطلب الخير فيريد به خيرا، و الله ما بيننا و بين الله قرابة، و لا لنا علي الله من حجة، و لا نتقرب اليه الا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا الله، يعمل بطاعته، نفعته و لا يتنا أهل البيت، و من كان منكم عاصيا لله، يعمل بمعاصيه، لم تنفعه. و يحكم لا تغتروا - قالها ثلاثا. [10] .

و أخيرا يصنف الامام شيعتهم الي أصناف ثلاثة لا رابع لها فيقول :

شيعتنا ثلاثة أصناف : صنف يأكلون الناس بنا؛ و صنف كالزجاج يتهشم؛ و صنف كالذهب الاحمر كلما أدخل النار ازداد جودة. [11] .

هكذا بدأ الامام أبوجعفر الباقر عليه السلام خطواته التغييرية الاولي، فكان يخطط بوحي من عمق اداركه لواقع الامة الآخذ بالانحدار نحو الانحراف و السقوط، و المبتعد تدريجيا عن قيم الرسالة و مفاهيم الاسلام العظيم فضلا عن



[ صفحه 311]



شؤون العقيدة و الدين، و يستلهم من فيض الامامة مواقع خطواته المتئدة بثبات و صبر في البناء الفكري و العقيدي لرواد مدرسته أولا، و للامة الاسلامية بصورة أعم ثانيا. و لم تخل مسيرة الامام التغييرية هذه في بعض مقاطعها من مجابهة تصل الي درجة التحدي العلني و اثناء تواجد رأس الدولة الحاكم آنذاك، فقد روي الطبري الصغير في دلائل الامامة أن هشام بن عبدالملك حج سنة من السنين، و كان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر و ابنه جعفر الصادق عليهم السلام، فقال جعفر عليه السلام في بعض كلامه :

الحمدلله الذي بعث محمدا بالحق نبيا، و اكرمنا به، فنحن صفوة الله علي خلقه، و خيرته من عباده. فالسعيد من اتبعنا، و الشقي من عادانا و خالفنا، و من الناس من يقول انه ليولانا و هو يوالي أعداءنا و من يليهم من جلسائهم و أصحابهم، فهو لم يسمع كلام ربنا و لم يعمل به.

قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : فأخبر مسيلمة أخاه [هشاما] بما سمع، فلم يعرض لنا حتي انصرف الي دمشق، و انصرفنا الي المدينة، فأنفذ بريدا الي عامل المدينة باشخاص أبي و اشخاصي معه [12] ... الخبر. فمن خلال هذه الرواية يتبين لنا أن الامام عليه السلام قد خطط مسبقا لهذا الحدث المهم و الخطير للغاية، فانتخاب الزمان و المكان لم يكن أمرا عفويا و كذلك اختيار الخطيب المتحدث.

فالزمان موسم الحج الأكبر و وقت اجتماع أكبر حشد من الامة الاسلامية و من مختلف الأقطار، بالاضافة الي تواجد الطاغية الحاكم هشام بن عبدالملك، و أما المكان و أكرم به من موضع فهو المسجد الحرام، قبلة المسلمين و محط انظار العالمين. و لشدة تحرز الامام و تحفظه علي استمرارية خط الامامة، فقد أحسن الاختيار - في تقديرنا - بانتدابه ولده جعفرا الصادق عليه السلام للقيام بمهمة



[ صفحه 312]



توضيح المفهوم الشيعي عن أهل البيت عليهم السلام وسط الألوف من الناس المحتشدة في المسجد و يقول لهم بكل صراحة و حزم بأنهم هم أصحاب الزعامة الروحية و الاجتماعية في المجتمع، و هم وارثوه الحقيقيون؛ لأنهم هم وحدهم الذين يتمتعون و يمتلكون صفات القيادة الجماهيرية و خصوصياتها دون غيرهم.

و اشارة أبي عبدالله الصادق الي ذلك الصنف من الناس الذين يدعون الولاء بألسنتهم، و قلوبهم تميل الي غيرهم، هو - بتحليلنا للحدث - تعريض واضح بهشام بن عبدالملك و بتلك الزمرة المتملقة المحتفة بالحاكم الظالم أو المتقربة الي حاشيته بل و حتي الي أصدقاء جلسائه أو خدمه، و ذلك لما رأي الامام، علي ما يبدو، من تكالب الناس علي فتات مائدة السلطان، فتصدي الامام الصادق عليه السلام لهذه المهمة و بادر بالقيام في توضيح هذه المسألة و تنبيه الامة اليها، و هزها هزا عنيفا يتغير معه الواقع السياسي و الفكري المعاش. لأن الانحراف السياسي الذي بدا بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله مباشرة، أخذ في هذه الفترة يتبلور الي تيار فكري يسير باتجاه معاكس للمبدأ الفكري الذي وضعه النبي صلي الله عليه و آله و بني عليه بنيانه، و سار أئمة الدور الأول علي وفق منهاجه.

هذا الاتجاه الفكري الجديد المتمثل بمبدأ الاقرار و التسليم بالقيادة السياسية للصحابة من المهاجرين و الأنصار ثم للتابعين و تابعيهم، أما القيادة أو المرجعية الفكرية كمرجعية رسمية فانها بقيت معطلة و شاغرة؛ و ذلك لعدم امتلاك الحكام السياسيين امكانية و كفاءة مل ء هذا المنصب، و عدم وجود أحد من علماء ذلك العصر كان يليق به أو كان كفا لشغل ذلك المنصب الحساس و الخطير في نفس الوقت.

من هنا برزت الحاجة الي مرجعية فكرية تساير و تستوعب الظروف و التطورات الجديدة و المسائل الكثيرة التي ظهرت علي مسرح الواقع نتيجة اتساع الحياة الاسلامية بجميع أبعادها، و انفتاح الدولة الاسلامية علي شعوب



[ صفحه 313]



و دول و مجالات رحبة متنوعة، و مواجهتها لاحداث و مستجدات لم تجدلها نصا تشريعيا في الكتاب و السنة، و نظرا لبعد الفترة الزمنية التي تفصل أبناء هذا العصر عن عصر النبي صلي الله عليه و آله و الصحابة، و ابتعادهم عن مصادر التشريع في الاسلام من الكتاب و السنة و أئمة أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم أهل الكتاب و شارحي السنة، و هم الراسخون في العلم، و كان النبي صلي الله عليه و آله قد أعدهم لهذه الحالة من قبل، و كلف الامة بالرجوع اليهم فيما يهمهم من شؤون الدنيا و الاخرة و ذلك في حديث الثقلين المستفيض، و في أكثر من موقف و موقف. كل ذلك أدي الي الاحتياج الي مصادر أخري للتشريع غير الكتاب و السنة، و لما لم يكن بالامكان اسناد قيادة المرجعية الفكرية لأهل البيت النبوي عليهم السلام علي اعتبار أن المرجعية الفكرية تقود للمرجعية السياسية؛ لذا لم يجدوا بدا من اللجوء الي مدارس و تيارات فكرية معادية بطبيعة نشأتها لخط أهل البيت عليهم السلام، ساعدت السلطات الحاكمة علي افرازها و استفحالها أو ساهمت بشكل مباشر في تكوينها، اعتمدت تلك المدارس القياس و الاستحسان تارة و الرأي و العرف و المصالح المرسلة تارة اخري.

و قد تولي أئمة أهل البيت عليهم السلام مجابهة هذه التيارات الجديدة و تفنيد آرائها و مزاعمها و الرد عليها، خاصة مدرسة الرأي التي ترجع بدايات تأسيسها الي عهد الخليفتين أبي بكر و عمر بن الخطاب - و كان الثاني من أكثر الناس تحمسا لمذهب الرأي، و الشواهد علي ذلك كثيرة، و لسنا هنا بصدد ايرادها - حتي بلغت مدرسة الرأي ذروتها علي يد أبي حنيفة و أتباعه.

و لا نحتاج الي كثير من الجهد و البحث لنلمس موقف أهل البيت عليهم السلام من مدرسة الرأي في الاجتهاد، يقول الشيخ محمد مهدي الاصفي : فقد وجد أهل البيت عليهم السلام في هذه المدرسة جرأة علي الفتوي و استنباط أحكام الله تعالي، كما وجدوا فيها تهاونا بالسنة و الحديث؛ و لذلك وقف أئمة أهل البيت عليهم السلام منذ



[ صفحه 314]



اليوم الأول موقف المعارض من مدرسة الرأي و الاجتهاد، و أبدوا رأيهم في هذه المدرسة في كثير من المناسبات دون أن يفرقوا بين أقسام الرأي من قياس أو استحسان و استصلاح و غير ذلك من وجوه الرأي التي لا تستند علي دليل معتبر من ناحية الشريعة.

يقول ابن جميع : دخلت علي جعفر بن محمد أنا و ابن أبي ليلي، و ابوحنيفة، فقال لابن أبي ليلي : من هذا معك؟ قال : هذا رجل له بصر و نفاذ في أمر الدين، قال : لعله يقيس أمر الدين برأيه، قلت : نعم، فقال جعفر لأبي حنيفة : ما اسمك؟ قال : نعمان، فقال : يا نعمان حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال : أول من قاس أمر الدين برأيه ابليس. قال الله تعالي له : اسجد لآدم، فقال : أنا خير من خلقتني من نار و خلقته من طين، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالي يوم القيامة بابليس؛ لأنه اتبعه بالقياس.

و زاد ابن شبرمة في حديثه :

ثم قال له جعفر : أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال : قتل النفس، قال : فان الله عزوجل قبل في قتل النفس شاهدين، و لم يقبل في الزنا الا أربعة. ثم قال : أيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟ قال : الصلاة، قال : فما بال الحائض تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك؟ اتق الله و لا تقس الدين برأيك. [13] .

و الشواهد و الأخبار نظير ذلك كثيرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في الردع عن اعمال الرأي و القياس و الاستحسان، بهذا الشكل الذي لا يقوم عليه دليل من الشرع.

و قد أفادت المعركة الفكرية التي خاضها أهل البيت عليهم السلام ضد أنصار الرأي - حيث رفعوا في وجوهم الشعار المعروف (دين الله لا يصاب بالعقول) -



[ صفحه 315]



في التخفيف من غلواء هذه المدرسة، و في احداث اتجاه معارض لهذه المدرسة في الأوساط الفكرية و قتذاك، كما مهدت لظهور مدارس معارضة لها منها مدرسة الحديث التي قامت في مقابل مدرسة الرأي، كرد فعل لما حصل لهذه المدرسة من تطرف في الأخذ بالرأي، و الاعراض عن الحديث.

و لا يسعنا أن نضع حدودا دقيقة لهذه المدرسة في قبال مدرسة الرأي، و نصنف المدارس الفقهية القائمة في ذلك الوقت علي أساس من هذه الحدود الي طائفتين، ولكن من المؤكد أن مدرستي داود و أبي حنيفة تقعان علي طرفي النقيض من هذا النزاع، فقد نزع داود نزوعا بينا الي الحديث، و أخذ نصوصه علي ظاهرها. و نزع أبوحنيفة نزوعا الي الرأي، حتي نقل عنه خصومه و مناوؤه فيما ينقل عنه : لو كان رسول الله حيا لأخذ عني أشياء كثيرة. [14] .

و ما بين هاتين المدرستين تقع سائر المدارس متوسطة بينهما كمذهب مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل - و غيرها من المدارس و المذاهب التي كان للظروف السياسية دخل مباشر في بلورة و تكوين البعض منها - و علي كل حال، كان يغلب علي تلك المدارس طابع احدي المدرستين من النزوع للرأي أو النزوع للحديث.

فبينما يذهب الاتجاه الأول - مدرسة الرأي - الي ادخال عنصر الرأي البشري في مصادر التشريع و ان لم يبلغ مرحلة القطع و اليقين، كانت مدرسة الحديث تذهب الي اتجاه معاكس تماما لا يقل خطورة عن الاتجاه الاول، حيث كانت تتبني الجمود علي النص و الاخذ بظاهر الحديث أو الاقتصار علي ظاهر النصوص الشرعية. فكان لابد من اتجاه ثالث في الاجتهاد يجمع بين ايجابيات هذه المدرسة و تلك و يتجنب سلبيات كل من هاتين المدرستين. [15] .



[ صفحه 316]



فقامت مدرسة أهل البيت عليهم السلام التي كان الامام الباقر عليه السلام المباشر الأول في ايضاح معالمها و تحديد منابع اصولها الفكرية و التشريعية، و من ثم جاء بعده الامام الصادق عليه السلام ليكمل مسيرة أبيه الباقر عليه السلام و يبلور التشيع و يوسع في حدود الجامعة الاسلامية الكبري كما و كيفا، حتي حملت تلك الجامعة اسم الامام جعفر الصادق عليه السلام بعد ارهاصات و مخاضات عسيرة مرت بها عبر قرون عديدة.

و بكلمة موجزة يمكن تحديد معالم هذه المدرسة، من حيث مصادر التشريع التي تعمتد عليها، و هي الاستناد علي الحجة و دليل العقل. كما تذهب مدرسة أهل البيت عليهم السلام الي القول بعصمة أهل البيت عليهم السلام في تبليغ أحكام الله و حدوده، و حجية حديثهم و روايتهم، مستندين في ذلك و مستدلين عليه باية التطهير من كتاب الله في الدولة علي عصمتهم عليهم السلام و نزاهتهم من المعاصي و الكذب و الافتراء علي الله و رسوله، و بحديث الثقلين الذي يتفق الفريقان علي صحته في الدلالة علي حجية حديث أهل البيت عليهم السلام و اعتباره امتدادا و رواية صادقة لحديث رسول الله صلي الله عليه و آله. [16] .

كان هذا عرضا موجزا لعمليات الصراع و المواجهة بين مدرسة أهل البيت عليهم السلام و بين المدارس و التيارات الفكرية التي أخذت بالنمو و الظهور علي سطح الواقع الاسلامي كزبد البحر ما لبث بعضها أن ذهب جفاء، و بقي ما ينفع من مذهب أهل البيت عليهم السلام و مدرستهم الخالدة التي امتازت في عصر الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام بمعارفها وسعة أفقها.

ففي حقل المعرفة كان الامام الباقر عليه السلام يمتلك المضامين العلمية و المعارف، فالمتتبع للتراث الباقري في كتب التاريخ و السنن و الاثار يدرك أن فكر الامام الباقر عليه السلام - بحكم كونه نسخة صادقة لرسالة الله عزوجل - قد كان



[ صفحه 317]



شاملا في مضامينه و حقوله لكل أبواب المعرفة، فلسفة و فقها و أخبارا و نحو ذلك.

و لقد تقدم ذكر ما قيل عن الامام من سعة اطلاعه و علمه حتي قيل : و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين عليهماالسلام من علم الدين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام. [17] .

و قد روي أبوجعفر عليه السلام أخبار المبتدأ [18] و أخبار الأنبياء، و كتب عنه الناس المغازي و أثروا عنه السنن، و اعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن رسول الله صلي الله عليه و آله، و كتبوا عنه تفسير القرآن، و روت عنه الخاصة و العامة الأخبار، و ناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء، و حفظ عنه الناس كثيرا من علم الكلام. [19] .

و الي البعد العقلي العميق الذي يتمتع به الامام الباقر عليه السلام، يشير قول تلميذه محمد بن مسلم :

ما شجر في رأيي شي ء قط الا سألت عنه أبا جعفر عليه السلام، حتي سألته عن ثلاثين ألف حديث. [20] .

كما يشير قول صاحبه جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله :

حدثني أبوجعفر سبعين ألف حديث. [21] .

ذلك، و ان قضية المستوي الفكري الذي يحظي به الامام الباقر عليه السلام تتجلي بعمق لكل منصف من خلال تصريح عبدالله بن عطاء المكلي بهذا الشأن :

ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت



[ صفحه 318]



الحكم بن عيينة عنده كأنه مغلوب. [22] .

فتحدث الامام أبوجعفر عليه السلام كثيرا عن أهمية العلم، و حث علي طلبه لأنه الدعامة الأولي الذي ترتكز عليه حياة الأمم و الشعوب، كما أشاد عليه السلام. بفضل العلماء لأنهم مصدر الوعي و التوجيه للأمة، و مجد الامام أبوجعفر عليه السلام العلم، و دعا اليه، و حث علي طلبه، و أثني علي طلابه، يقول عليه السلام :

«تعلموا العلم فان تعلمه جنة، و طلبه عبادة، و مذاكرته تسبيح، و البحث عنه جهاد، و تعليمه صدقة، و بذله لأهله قربة. و العلم منار الجنة، و أنس الوحشة، و صاحب في الغربة، و رفيق في الخلوة، و دليل علي السراء، و عون علي الضراء، و زين عند الاخلاء، و سلاح علي الأعداء، يرفع الله به قوما ليجعلهم في الخير أئمة، يقتدي بفعالهم، و تقتص آثارهم، و يصلي عليهم كل رطب و يابس، و حيتان البحر و هوامه، و سباع البر و أنعامه». [23] .

لا أعرف كلمة مجدت العلم، و قيمت أهله، و أحاطت بثمراته و فوائده كهذه الكلمة الذهبية التي من حقها أن ترسم في معاهد العلم و جامعاته.

و أشاد عليه السلام بفضل العالم، و بين مكانته الاجتماعية، و ما أعد الله له من مزيد الأجر، و فيما يلي بعض ما أثر عنه.

- قال عليه السلام : «عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد». [24] .

- و قال عليه السلام : «من علم باب هدي فله مثل اجر من عمل به، و لا ينقص أولئك من أجورهم شيئا، و من علم باب ضلالة كان عليه مثل وزر من عمل به و لا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا». [25] .



[ صفحه 319]



- و قال عليه السلام : «ما من عبد يغدو في طلب العلم و يروح الا خاض الرحمة خوضا». [26] .

و حث الامام عليه السلام علي مجالسة العلماء و المتحرجين في دينهم للاستفادة من هديهم و سلوكهم يقول عليه السلام : «لمجلس أجلسه الي من أثق به، أوثق في نفسي من عمل سنة». [27] .

و دعا عليه السلام الي المذاكرة في العلوم لأنها تفتح آفاقا واسعة في ميادين المعرفة و العلم يقول عليه السلام : «تذاكر العلم دراسة، و الدراسة صلاة حسنة». [28] .

و وضع عليه السلام البرامج الرائعة لآداب المتعلمين يقول عليه السلام : «اذا جلست الي عالم فكن علي أن تسمع أحرص منك علي أن تقول، و تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول، و لا تقطع علي أحد حديثه». [29] .

و دعا عليه السلام الي بذل العلم و اشاعته بين الناس حتي لا يبقي جاهل، يقول عليه السلام : «زكاة العلم أن تعلمه عبادالله»، و قال عليه السلام : «ان الذي تعلم العلم منكم له أجر مثل الذي يعلمه، و له الفضل عليه، تعاطوا العلم من حملة العلم، و علموه اخوانكم كما علمكم العلماء». [30] .

و حث الامام علي التعلم و السؤال من أهل العلم يقول عليه السلام : «العلم خزائن و المفاتيح السؤال، فاسألوا يرحمكم الله فانه يؤجر في العلم أربعة : السائل و المتكلم، و المستمع، و المحب لهم». [31] .

و دعا عليه السلام الي التفقه في الدين، و معرفة الحلال و الحرام، قال عليه السلام :



[ صفحه 320]



«الكمال كل الكمال التفقه في الدين، و الصبر علي النائبة، و تقدير المعيشة». [32] .

ان التفقه في الدين مما يحفظ توازن الانسان و سلوكه، و يبعده عن اقتراف أي شذوذ أو انحراف عن الدين.

و حث عليه السلام أهل العلم بتطبيق ما علموه علي واقع حياتهم، يقول عليه السلام : «اذا سمعتم العلم فاستعملوه، و لتتسع قلوبكم، فان العلم اذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشيطان عليه، فاذا خاصمكم الشيطان، فاقبلوا عليه بما تعرفون، فان كيد الشيطان كان ضعيفا، فقال له ابن أبي ليلي : و ما الذي نعرفه؟ قال عليه السلام : خاصموه بما ظهر لكم من قدرة الله عزوجل». [33] .

و المعرفة شرط في قبول العمل، فمن يعمل من دون معرفة الله و لا للواجب الذي يؤديه فلا اثر لعمله قال عليه السلام : «لا يقبل عمل ال بمعرفة، و لا معرفة الا بعمل، و من عرف دلته معرفته علي العمل، و من لا يعرف فلا عمل له». [34] .

و حذ الامام أبوجعفر عليه السلام من المباهاة و الافتخار بطلب العلم، و حث أهل العلم أن يجهدوا نفوسهم علي التقرب به الي الله و أن يلتمسوا به الدار الاخرة قال عليه السلام : «من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء، أو يعرف به وجوه الناس فليتبوأ معقده من النار، ان الرياسة لا تصلح الا لأهلها». [35] .

ان هذه الدواعي الفاسدة، و الأغراض السقيمة لتحبط الأجر الجزيل الذي أعده الله لطالب العلم الذي هو داعية الله في الارض، و عليه ان أراد النجاح في الدنيا و السعادة في الاخرة أن يخلص في نيته الله، و لا يبتغي غير وجهه.



[ صفحه 321]



و أما الفتوي بغير علم فقد أثرت عن الامام أبي جعفر عليه السلام عدة أحاديق تنهي عن الفتيا بغير علم لأنها مصدر لغواية الناس و ضلالهم، و هذه بعض ما أثر عنه.

قال عليه السلام : «من أفتي الناس بغير علم، و لا هدي لعنته ملائكة الرحمن و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه». [36] .

- و قال عليه السلام : «ما علمتم فقولوا و ما لم تعلموا الله أعلم، ان الرجل ينتزع الاية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء و الارض». [37] .

- و سأل زرارة الامام أباجعفر عليه السلام فقال له : ما حق الله علي العباد؟ قال عليه السلام : «أن يقولوا ما يعلمون، و يقفوا عند ما لا يعلمون». [38] .

- و قال عليه السلام : «للعالم اذا سئل عن شي ء و هو لا يعلمه ان يقول : الله العم و ليس لغير العالم ان يقول ذلك». [39] .

و تحدث الامام أبوجعفر عليه السلام في كثير من أحاديثه عن صفات العلماء و هذه بعضها :

- و قال عليه السلام : «لا يكون العبد عالما حتي لا يكون حاسدا لمن فوقه، و لا محقرا لمن دونه». [40] .

ان العالم انما يكون عالما فيما اذا صفت نفسه من الحسد الذي هو من أعظم الآفات النفسية، فهو الذي يلقي الناس في البلاء، و يجر لهم الويلات و الخطوب، كما ان العالم لا يكون عالما فيما اذا احتقر من دونه فانه ينم عن عدم انتفاعه بالعلم الذي يدعو الي تكريم الناس، و مقابلتهم بأخلاق الرفيعة، فان



[ صفحه 322]



رسول الله صلي الله عليه و آله انما بعث ليتمم مكارم الاخلاق، و اذا تجرد العالم من هذه الظاهرة فقد شذ عن سنن الرسول صلي الله عليه و آله و أخلاقه.

- و قال عليه السلام : «ان الفقيه حق الفقيه؛ الزاهد في الدنيا، الراغب في الاخرة، المتمسك بسنة النبي صلي الله عليه و آله». [41] .

- و قال عليه السلام : «اذا رأيتم القاري - اي العالم - يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا و اذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص». [42] .

ان حب العالم للأغنياء انما هو للطمع في أموالهم، و ما يستفيده منهم و هذا ليس من أخلاق العلماء الذين أمروا أن يرجوا ما عندالله، و لا يرجون غيره.

و أما ملازمة السلطان من غير حاجة و لا ضرورة فانه ينم عن عدم واقعية ذلك العالم، و أنه «لص» كما يعبر الامام.

و قد هجا أبو العتاهية و عاض السلاطين و علماء البلاط فقال :



عجبا لأرباب العقول

و الحرص في طلب الفضول



سلاب أكسية الأرا

مل و اليتامي و الكهول



و الجامعين المكثري

ن من الخيانة و الغلول



والمؤثرين لدار رحلتهم

علي دار الحلول



وضعوا عقولهم من الد

نيا بمدرجة السيول



و لهوا بأطراف الفر

وع و أغفلوا علم الأصول



و تتبعوا جمع الحط

ام و فارقوا أثر الرسول



و كما هجا الوراق اولئك العلماء الذين لازموا ابواب السلطان، بقوله :



ركبوا المركب و اغتدو

زمرا الي باب الخليفه





[ صفحه 323]





حتي اذا ظفروا بما طلبوا

من الحال اللطيفه



و غدا الموالي منهم فرحا

بما تحوي الصحيفه



خانوا الخليفة عهده

بتعسف الطرق المخوفه



باعوا الأمانة بالخيانة

و اشتروا بالأمن خيفه



ضاقت قبور القوم وات

سعت قصورهم المنيفه



من كل ذي أدب و مع

رفة و آراء حصيفه



متفقه جمع الحدي

ث الي قياس أبي حنيفه



فأتاك يصلح للق

ضا بلحيفة فوق الوظيفه



لم ينتفع بالعلم اذا

شغفته دنياه الشغوفه



نسي الاله و لاذ في

الدنيا بأسباب ضعيفه [43] .



هذا وقد استقطب نشاط الامام المكثف الكثير من رواد المعرفة الاسلامية، و شد اليه الرحال من جميع أطراف الدولة الاسلامية المترامية، تلامذة و محاورون و طالبوا علم، و قصده أغلب رجالات الفكر من معتزلة و متصوفة و خوارج و سواهم،للمناظرة أو للاصابة من فيض علمه المتدفق. [44] .

ففي جو منيت فيه الحركة العلمية بكثير من الجمود و الخمول، فلم بعد لها أي ظل علي واقع الحياة، فقد جرفت الناس التيارات السياسية، و تهالكت البيوتات الرفيعة علي الظفر بالحكم، أطل الامام أبوجعفر عليه السلام علي ذلك العصر الذي أصابه الركود في مختلف ميادين الحياة فوجه الامام بحكم قيادته الروحية و حنكته العلمية، جهده لاعادة مجد الامة، و بناء كيانها الحضاري. فرفع منار العلم، و اقام صروح الفكر، و قد انصرف عن كل تحرك سياسي، و اتجه صوب العلم وحده متفرغا له، يقول المستشرق رونلدس :



[ صفحه 324]



و عاش مكرما متفرغا للعلم في عزلته بالمدينة، و كان الناس يأتونه فيسألونه عن الامامة.

و لقد امتازت مدرسة أهل البيت في عصره بسعة معارفها.

و تتفجر مواهب الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام و عبقرياته عن طاقات هائلة من العلم شملت جمميع أنواع العلوم و المعارف من الحديث و الفلسفة و علم الكلام و الفقه و الحكم العالية و الآداب السامية مضافا اليها الملاحم و هي الاحداث التي أخبر عنها قبل وقوعها ثم تحققت بعد ذلك في مسرح الحياة و الذي يدلل علي مدي سعة علومه أنه مع كثرة ما انتهل العلماء من نمير علومه فانه كان يجد في نفسه ضيقا و حرجا لكثرة ما عنده من العلوم التي لم يجد لبثها و نشرها سبيلا فكان يصعد آهاته و يقول بحسرات : لو وحدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة، لنشرت التوحيد و الاسلام و الدين و الشرائع، و كيف لي بذلك؟ و لم يجد جدي أميرالمؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتي كان يتنفس الصعداء، و يقول علي المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني فان بين الجوانح علما جما.

و أجمع المؤرخون و الرواة علي أنه كان من اثري رجال الفكر و العلم في عصره في مواهبه و قدراته العلمية، و أنه ممن رفع منار العلم، و أبرز حقائقه و أظهر كنوزه حسبما أدلي به المترجمون له. كما ألمعنا الي ذلك في فصول سابقة.

و اليك عزيزي القاري نبذ مختصرة عن بعض العلوم التي اهتم الامام عليه السلام بنشرها.



[ صفحه 325]




پاورقي

[1] سيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته / مؤسسة البلاغ 2 : 267.

[2] حياة الأئمة الاثني عشر / 155 - 156.

[3] سيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته 2 : 268.

[4] الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي : 116.

[5] سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2 : 194 - 195.

[6] الائمة الاثنا عشر / عادل الأديب : 158 - 159.

[7] تحف العقول / ابن شعبة الحراني : 300.

[8] تحف العقول / ابن شعبة الحراني : 295.

[9] النمرقة : الوسادة الصغيرة يتكا عليها. و هو اشارة منه عليه السلام الي أن يكونوا في موقع يفزع اليهم الناس في المهمات و المسلمات، مع امتلاكهم لمقومات الرجوع اليهم.

[10] كشف الغمة / الاربلي 2 : 362.

[11] كشف الغمة / الاربلي 2 : 345.

[12] دلائل الامامة : 233.

[13] حلية الاولياء / أبونعيم الأصفهاني : 3 : 197.

[14] تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي 13 : 407.

[15] الاجتهاد و التقليد و سلطات الفقيه و صلاحياته / الشيخ محمد مهدي الاصفي : 62 - 82.

[16] الاجتهاد و التقليد و سلطات الفقيه و صلاحياته / الشيخ محمد مهدي الآصفي : 62 - 82.

[17] الارشاد / المفيد 2 : 157.

[18] يعني ابتداء الخلق.

[19] الارشاد / المفيد 2 : 163.

[20] رجال الكشي : 163 رقم 276.

[21] الاختصاص / المفيد : 66.

[22] تذكرة خواص الامة : سبط ابن الجوزي : 337. سيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام / مؤسسة البلاغ 2 : 268 - 269.

[23] تذكرة ابن حمدون : 26.

[24] جامع البيان العلم و فضله : 1 / 32، جامع السعادات : 1 / 104، تحف العقول : 294.

[25] أصول الكافي 1 / 34.

[26] ناسخ التواريخ 2 / 205.

[27] أصول الكافي 1 / 34.

[28] أصول الكافي 1 / 41.

[29] ناسخ التواريخ 2 / 205.

[30] ناسخ التواريخ 2 / 205.

[31] الخصال / 223.

[32] أصول الكافي 1 / 32.

[33] أصول الكافي 1 / 45.

[34] تحف العقول / 294.

[35] أصول الكافي 1 / 47، جامع السعادات 1 / 106.

[36] أصول الكافي 1 / 42.

[37] أصول الكافي 1 / 43.

[38] أصول الكافي 1 / 42.

[39] تحف العقول / 297.

[40] تحف العقول / 294.

[41] أصول الكافي / الكيني 1 : 70.

[42] الامام الصادق / أبوزهرة : 24.

[43] حياة الامام محمد الباقر / القرشي 1 : 234 - 241.

[44] سيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام 2 / 268.