بازگشت

علم الحديث


لقد كان من أولويات اهتمامات الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام العلمية، الحديث الوارد عن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و عن آبائه الائمة الاطهار عليهم السلام باعتباره المصدر الثاني للتشريع الاسلامي بعد كتاب الله العزيز، و للحديث النبوي الشريف أهميته الخاصة و البالغة في الشريعة الاسلامية، فهو يتولي تخصيص عموميات الكتاب، و تقييد مطلقاته، و بيان ناسخه و منسوخه، مجمله و مبينه، كما يعرض لأحكام الفقه من العبادات و المعاملات، و اعطاء القواعد الكلية التي يتمسك بها الفقهاء في استنباطهم للحكم الشرعي. بالاضافة الي ذلك كله فان في الحديث النبوي بنودا مشرقة لآداب السلوك، و قواعد الاجتماع، و تنظيم الأسرة وصيانتها من التلوث بجرائم الآثام، الي غير ذلك يحتاج اليه الناس في حياتهم الفردية و الاجتماعية.

من هنا عني الامام أبوجعفر عليه السلام عناية خاصة بالحديث، و تبناه بصورة ابجابية، و أعد له رجالا و حملة يحفظونه من الضياع و التحريف أمثال جابر الجعفي، و أبان بن تغلب، و زرارة بن أعين الذي فيه يقول الامام الصادق عليه السلام : لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب.

و جاء في رواية ابراهيم بن عبد الحميد و غيره أن أبا عبدالله الصادق عليه السلام كان يقول : رحم الله زرارة بن أعين، لولا زرارة و نظراؤه لا ندرست أحاديث أبي، و قال فيه و في جماعة من أصحابه منهم أبوبصير ليث المرادي و محمد بن مسلم و يزيد بن معاوية العجلي : لولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفاظ الدين و امناء أبي عليه السلام علي حلاله و حرامه و هم السابقون الينا في الدنيا و الاخرة.



[ صفحه 344]



فقد روي عنه جابر بن يزيد الجعفي سبعين ألف حديث، و أبان بن تغلب مجموعة كبيرة، كما روي عنه غيرهما من أعلام أصحابه طائفة كبيرة من الأخبار.

و كان جابر بن يزيد الجعفي، اذا روي عن محمد بن علي عليهماالسلام شيئا قال : حدثني وصي الاوصياء و وارث علم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام. [1] .

و الشي ء المهم أن الامام أباجعفر عليه السلام قد اهتم بفهم الحديث، و الوقوف علي معطياته، و قد جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه للحديث و معرفة مضامينه، فقد روي يزيد الرزاز عن أبيه عن أبي عبدالله عن أبيه أنه قال له :

اعرف منازل الشيعة علي قدر روايتهم، و معرفتهم، فان المعرفة هي الدراية للرواية، و بالدراية يعلوا المؤمن الي أقصي درجات الايمان. اني نظرت في كتاب لعلي فوجدت في الكتاب أن قيمة كل امري و قدره معرفته ان الله تعالي يحاسب الناس علي قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا.

ان وعي الراوي للحديث و وقوفه علي معناه مما يستدل به علي سمو منزلته، و عظيم مكانته العلمية.

و لشدة اهتمام الامام و عنايته بالحديث فقد وضع بعض القواعد الاصولية لتمييز الصحيح من غيره في مجالات تعارض الأخبار، و ان كانت هذه القواعد تبحث في علم الأصول الذي أرسي الامام الباقر عليه السلام قواعده، و فتق مسائله، و هذه القواعد العلاجية هي :

أ - الشهرة : «يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر».

واضح من كلام الامام الباقر عليه السلام مع زرارة بن أعين أنه يضع قاعدة أساسية في حالة ورود خبرين متعارضين و كان أحدهما مشهورا بين الرواة، فانه



[ صفحه 345]



يؤخذ بالمشهور و يطرح الاخر و لا يؤخذ به، و هذا في مقام الرواية لا الفتوي طبعا.

ب - موافقة الكتاب و السنة : «لا تصدق علينا الا بما يوافق كتاب الله و سنة نبيه».

و هذه هي القاعدة و المقياس الثاني الذي وضعه الامام عليه السلام لعلاج تعارض الأخبار و تضاربها، و ذلك بعرضها علي الكتاب و السنة، فما وافق كتاب الله أو سنة رسول الله صلي الله عليه و آله فذاك الذي يؤخذ به و يطرح الاخر.

ج - الترجيح بأحوال الرواة : «خذ بما يقوله أعدلهما عندك و أوثقهما».

أما الطريق الثالث لمعرفة الخبر الصحيح من السقيم : هو النظر في صفات الرواي و أحواله من حيث الوثاقة و العدالة. و في حال عدم توفرهما في الراوي يكون خبره مردودا و مطعونا فيه. أما لو جاء حديثان أو روايتان عن ثقتين عادلين كما تشير اليه الرواية، فانه يؤخذ بخبر الأوثق الأعدل منهما.

و هناك قواعد أخري ذكرت عنهم عليهم السلام في التثبت من الأخبار و صحة ورودها عنهم، منها قولهم : اعربوا حديثنا فانا قوم فصحاء.


پاورقي

[1] الارشاد / المفيد 2 : 160.