بازگشت

ازلية الذات الالهية


و هذه المسألة من أدق المسائل و الأبحاث الكلامية و الفلسفية، و قد مر عليك في أقوال الامام و حكمه في سؤال ذلك الرجل عند ما سأل الامام فقال له : أخبرني عن ربك الذي تعبده هل رأيته؟... و متي كان؟ فأجابه الامام :

«ويلك انما يقال لشي ء لم يكن، متي كان؟!! ان ربي تبارك و تعالي كان و لم يزل حيا بلا كيف، و لم يكن له كان، و لا كان لكونه كون كيف، و لا كان له أين، و لا كان في شي ء، و لا كان علي شي ء، و لا ابتدع لمكانه مكانا، و لا قوي بعد ما كون الاشياء، و لا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا، و لا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا، و لا يشبه شيئا مذكورا، و لا كان خلوا من الملك قبل انشائه، و لا يكون منه خلوا بعد ذهابه، لم يزل حيا بلا حياة، و ملكا قادرا قبل أن ينشي ء شيئا، و ملكا جبارا بعد انشائه للكون، فليس لكونه كيف و لا له اين، و لا له حد، و لا يعرف بشي ء يشبهه، و لا يهرم لطول البقاء، و لا يصعق لشي ء، بل لخوفه تصعق الاشياء كلها، كان حيا بلا حياة حادثة، و لا كون موصوف و لا كيف محدود، و لا اين موقوف عليه، و لا مكان جاور شيئا، بل حي يعرف، و ملك لم يزل له القدرة و الملك، ان شاء ما شاء حين شاء بمشيئته، لا يحد و لا يبعض، و لا يفني، كان أولا بلا كيف، و يكون آخرا بلا أين، و كل شي ء هالك الا وجهه، له



[ صفحه 364]



الخلق و الأمر، تبارك الله رب العالمين.

ويلك ايها السائل!! ان ربي لا تغشاه الأوهام، و لا تنزل به الشبهات، و لا يحار، و لا يجاوزه شي ء، و لا تنزل به الاحداث، و لا يسأل عن شي ء، و لا يندم علي شي ء، و لا تأخذه سنة و لا نوم له ما في السموات و ما في الارض و ما بينهما، و ما تحت الثري».

و ألمت هذه القطعة الذهبية من كلام الامام العظيم بأزلية واجب الوجود و توحيده، و تنزيهه عن المشابهة لمخلوقاته التي يحدها الجنس و الفصل و التي تخضع في وجودها و عدمها الي العلة، و تفتقر الي الزمان و المكان و تعالي الله عن جميع ذلك فانه الأول و الآخر، و الظاهر و الباطن و هو بكل شي ء عليم. و قد سئل بعض المحققين عن الله، ما هو؟ فقال : الأوحد، فقيل له : كيف هو؟ فقال : ملك قادر، فقيل له : أين هو؟ فقال : بالمرصاد، فقال السائل : ليس عن هذا أسألك، فقال : ما اجبتك به هو صفة الحق فأما غيره فصفة الخلق.

لقد أرادوا أن يتعرفوا علي ذات الله تعالي حتي كأنه شي ء من الاشياء التي تخضع للحواس و سائر المدركات العقلية، و لم يعلموا أن الله تعالي فوق ما يدركه العقل، و فوق ما تتصوره الأوهام، لا اله الا هو الحي القيوم.

و علي أي حال فان كلام الامام عليه السلام قد عرض لأدق المسائل الكلامية التي لم يطرقها أحد من متكلمي المسلمين و فلا سفتهم سوي جده الامام أميرالمؤمنين عليه السلام اما الاحاطة بكلام الامام عليه السلام و ايضاحه فانه يحتاج الي دراسة مفصلة، و قد عني فلاسفة الاسلام بالاستدلال علي النقاط التي وردت في حديث الامام. [1] .



[ صفحه 365]




پاورقي

[1] عرض لذلك بصورة موضوعية الفيلسوف الاسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي في كتابه (الشواهد الربوية).