بازگشت

عند الرحيل


جولة علي مدي خمسة فصول سبرنا خلالها أنوارا قدسية في جميع الشؤون العبادية و الخلاقيد و العلمية... و بعد أن استطلعنا هذا الموجز من سيرة الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام، و وقفنا فيه علي بعض أقواله عليه السلام، و تطلعنا من نوافذ شتي علي سيرة هذا الامام الهمام، باقر العلوم، و ينبوع المعارف، و معدن وحي النبوة، و سليل بيت كان مهبط الروح الأمين..

امام كان أجداده موضع عناية ملائكة الرحمن و تعظيم و تبجيل الامة لهم باعتبارهم رواد العلم، و فرائد عصرهم، و نماذج دهرهم فأبوه سيدالساجدين و زين العابدين و خامس البكائين و راعي الفقراء و الحرومين، الحامل اليهم الطعام ليلا ليكون له ذخرا في الدين. و جده الحسين السبط سيد شباب أهل الجنة و ريحانة الرسول صلي الله عليه و سلم، و جد أبيه أميرالمؤمنين و امام المتقين و قائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب، و جده الأعلي سيد المرسلين و أشرف الموجودين و خاتم النبيين المصطفي الأمين عليه و عليهم آلاف التحايا



[ صفحه 474]



أما أمه فهي السيدة الجليلة فاطمة بنت الامام الحسن عليه السلام، فهو أول أمام حاز قصب السبق، و أمسك رداء المجد من أطرافه، هاشمي من هاشميين و علوي من علويين كما سبق ان ذكرنا ذلك كجده أميرالمؤمنين عليه السلام.

و لم لا يكون ذلك فهو الامام ابن الامام أبوالأئمة و هذا الشرف السامق! و قد بلغ آباؤه الغاية القصوي في المجد و الشرف و السؤدد...

و لقد أوقفناك عزيزي القاري ء خلال جولتنا علي براهين امامته عليه السلام و مجاميع من أخباره و فضائله التي اعترف بها المؤالف و المخالف. و انه كان الجدير بخلافة الامة الاسلامية، لكنه أقصي عنها ظلما و عدوانا مع علم الغاصبين بأنهم بجلسون مجلسا ليس لهم به عير أو نفير. و قد أعانهم علي ذلك و عاض السلاطين من امة جده صلي الله عليه و سلم و بذلك لم تحفظ الامة وصيته في أهل بيته من بعده حتي عاش امامنا بين ظهرانيهم مغصوبا حقه مغلوبا علي أمره، مضايقا من قبل السلطات الحاكمة... و أدخل سجن هشام بن عبدالملك الأموي في عاصمة ملكه دمشق ظانين و متوهمين أنهم يستطيعون بذلك ايقاف تأثير الامام عليه السلام في الامة المسلمة، و حجبه عن أداء دوره الرسالي العظيم.

بيد أن تأثيره الفكري فيمن التقي بهم - في السجن - حمل السلطة الأموية علي اطلاق سراحه و ذلك لأنه - كما تفيد رواية أبي بكر الحضرمي - لم يبق في الحبس رجل الا ترشفه و حن عليه. [1] .

و لما لم تحقق المضايقة الأموية غاياتها الدنيئة في صد الامام الباقر عليه السلام عن النهوض بمهامه الرسالية العظمي، فقد صممت السياسية الأموية المنحرفة علي اغتياله بالسم و تصفيته جسديا و التخلص منه. و اختلفت الروايات في كيفية دس السم اليه.

و هكذا دس اليه السم و ودع الدنيا في السابع من شهر الحج عام 114 ه



[ صفحه 475]



علي أكثر الأقوال و أشهرها.

فرحل الي ربه الأعلي سبحانه صابرا محتسبا. [2] .

و قد ذكر ابن بابويه و ابن طاووس و غير هما أنه عليه السلام قتل مسموما بأمر ابراهيم بن الوليد بن يزيد عامل هشام بن عبدالملك علي المدنية. [3] .

و عن كيفية سمه و شهادته عليه السلام فلم تعرف تفاصيلها الا من رواية واحدة في كتاب الخرائج و الجرائح عن أبي بصير و هي طويلة ينقلها المجلسي في البحارج 46 / 329 و له عليها شرح و تعليق، و نحن ننقل منها محل الحاجة روما الاختصار :

روي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول الله صلي الله عليه و سلم و يقول أنا من ولد الحسن، و أولي بذلك منك، لأني من ولد الأكبر، فقاسمني ميراث رسول الله صلي الله عليه و سلم و ادفعه الي فأبي أبي فخاصمه الي القاضي، فكان زيد معه الي القاضي، فبينما هم كذلك ذات يوم في خصومتهم، اذ قال زيد بن الحسن لزيد بن علي : اسكت يا ابن السندية فقال زيد بن علي : أف لخصومة تذكر فيها الامهات، و الله لاكلمتك بالفصيح من رأسي أبدا حتي أموت، و انصرف الي أبي فقال : يا أخي اني حلفت بيمين ثقة بك، و علمت انك لا تكرهني و لا تخيبني، حلفت أن لا اكلم زيد بن الحسن و لا اخاصمه، و ذكر ما كان بينهما فأعفاه أبي و اغتنمها زيد بن الحسن فقال : يلي خصومتي محمد بن علي فأعتبه و أؤذيه فيعتدي علي، فعدا علي أبي فقال : بيني و بينك القاضي... ثم دار بينهما ما دار.

فحلف زيد أن لا يعرض لأبي و لا يخاصمه، فانصرف و خرج زيد من يومه الي عبدالملك بن مروان فدخل عليه و قال : أتيتك من عند ساحر كذاب لا



[ صفحه 476]



يحل لك تركه، و قص عليه ما رأي، و كتب عبدالملك الي عامل المدينة، أن ابعث الي محمد بن علي مقيدا و قال لزيد : أرأيتك ان وليتك قتله قتلته؟ قال : نعم.

قال : فلما انتهي الكتاب الي العامل أجاب عبدالملك : ليس كتابي هذا خلافا عليك يا أميرالمؤمنين، و لا أرد أمرك، ولكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك، و شفقة عليك، و ان الرجل الذي أردته ليس اليوم علي وجه الأرض أعف منه و لا أزهد و لا أورع منه، و انه ليقرأ في محرابه، فيجتمع الطير و السباع تعجبا لصوته وان قراءته كشبه مزامير داود، و انه من أعلم الناس، و أرق الناس و أشد الناس اجتهادا و عبادة، و كرهت لأميرالمؤمنين التعرض له فان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.

فلما ورد الكتاب علي هشام، سر بما أنهي اليه الوالي و علم أنه قد نصحهه فدعا بزيد بن الحسن فأقرأه الكتاب، فقال : أعطاه و أرضاه، فقال عبدالملك : فهل تعرف أمرا غير هذا؟ قال : نعم عنده سلاح رسول الله صلي الله عليه و سلم و سيفه، و درعه، و خاتمه، و عصاه، و تركته، فاكتب اليه فيه، فان هو لم يبعث به فقد وجدت الي قتله سبيلا.

فكتب هشام عبدالملك الي العامل أن احمل الي أبي جعفر محمد بن علي ألف ألف درهم، و ليعطك ما عنده من ميراث رسول الله صلي الله عليه و سلم : فأتي العامل منزل أبي فأقرأه الكتاب فقال : أجلني أياما قال : نعم، فهيأ أبي متاعا ثم حمله و دفعه الي العامل، فبعث به الي هشام عبدالملك، و سر به سرورا شديدا فأرسل الي زيد، فعرض عليه، فقال زيد : و الله ما بعث اليك من متاع رسول الله صلي الله عليه و سلم قليلا و لا كثيرا، فكتب هشام عبدالملك الي أبي، انك أخذت مالنا، و لم ترسل الينا بما طلبنا.

فكتب اليه أبي : اني قد بعثت اليك بما قد رأيت فان شئت كان ما طلبت،



[ صفحه 477]



و ان شئت لم يكن، فصدقه هشام عبدالملك، و جمع أهل الشام و قال : هذا متاع رسول الله صلي الله عليه و سلم قد أتيت به، ثم أخذ زيدا و قيده و بعث به، و قال له : لولا أني اريد لا أبتلي بدم أحد منكم لقتلك، و كتب الي أبي بعثت اليك بابن عمك فأحسن أدبه، و أوصلك سرج هدية مني اليك، فلما أتي به قال أبي : ويحك يا زيد ما أعظم ما تأتي به، و ما يجري علي يديك، و الله اني لأعرف الشجرة التي تحت [السرج] منها، ولكن هكذا قدر فويل فمن أجري الله علي بديه الشر.

فأسرج له فركب أبي السرج و نزل متورما فأمر بأكفان له، و كان فيه ثياب أبيض أحرم فيه و قال : اجعلوه في أكفاني، و عاش ثلاثا، ثم مضي عليه السلام لسبيله و ذلك السرج عند ال محمد معلق، ثم ان زيد بن الحسن بقي بعده أياما فعرض له داء فلم يزل يتخبط و يهوي، و ترك الصلاة حتي مات.

بيان :

1 - لصحة هذه الرواية اشكال تاريخي لا يمكن استعباده الا اذا قلنا انه قد حصل اشتباه و سقط من الرواه و النساخ في اسم الحاكم الاموي حينذاك حيث المراد به هو هشام بن عبدالملك بن مروان (105 - 125 ه) و ليس اباه عبدالملك بن مروان (65 - 85 ه(لأن الامام الباقر عليه السلام استشهد عام 114 ه في عهد هشام بن عبدالملك و كان عامله علي المدينة هو ابراهيم بن الوليد بن يزيد.

2 - الظاهر أنه سقط من آخر الخبر شي ء، و يظهر منه أن اهانة زيد و بعثه الي الباقر عليه السلام انما كان علي وجه المصلحة، و التواطؤ بين عبدالملك و زيد بن الحسن، و كان قد واطأه علي أي يركبه عليه السلام علي سرج مسموم بعث به اليه معه، فأظهر عليه السلام علمه بذلك حيث قال : أعرف الشجرة التي نحت السرج منها،



[ صفحه 478]



فكيف لا أعرف ما جعل فيه من السم ولكن قدر أن تكون شهادتي هكذا، فلذا قال عليه السلام السرج معلق عندهم، لئلا يقربه أحد، أو ليكون حاضرا يوم ينتقم من الكافر في الرجعة


پاورقي

[1] الأنوار البهية / المحدث الشيخ عباس القمي : 119.

[2] سيرة رسول الله و أهل بيته عليهم السلام / لجنة التاليف في مؤسسة البلاغ : 281.

[3] المناقب / ابن شهرآشوب 3 : 340.