بازگشت

بداية قرن جديد


و أطل القرن الثاني الهجري و العالم الاسلامي يستنشق بعض الحرية و ينعم بقدر من الأمن و السلام؛ لقد أوقف عمر بن العزيز كثيرا من الولاة عند حدودهم، و سيق يزيد بن المهلب الي المحاكمة بعد أن نهب من مقدرات الأمة، وزج في السجن الي أن يعيد ما سرقه من أموال الناس و ممتلكاتهم.

و في هذا العام و هو 100 ه ذعا الخليفة الخوارج الي المناظرة



[ صفحه 61]



و الحوار فاستجابوا و أرسل زعيمهم و فدا الي دمشق؛ و قد استاع عمر اقناعهم لكن الوفد أشكل عليه اقراره بالخلافة ليزيد بن عبدالملك من بعده و هو اجراء غير شرعي و قد وعد عمر بن العزيز في دراسة الموضوع. [1] .

و في تلك الفترة سخنت الجبهة من الروم من جديد و اندفعت الفرق العسكرية الاسلامية في الارض الرومية بعد انصرام فصل الشتاء القارس البرد، كما قامت القوات الاسلامية بحملات تأديبية للخزر بعد شنهم غارة علي المناطق الحدودية في أذربيجان.

و كان المسلمون يشددون الحصار علي عاصمة الروم القسطنطينية مصدر القلق المستمر و انعدام الأمن في المناطق الحدودية، ولكن الروم استنجدوا بالبغار لفك الحصار، و تصل الانباء الي الخليفة فيأمر بانهاء الحصار و انسحاب الاسطول الاسلامي الي قواعده في سواحل الشام؛ ولكن الاسطول يتعرض لعاصفة مدمرة و هو ما يزال في بحر ايجه قبال السواحل اليونانية ادت الي تحطيمه. [2] .

و في هذا العام قام الخليفة باصلاحات في جهاز القضاء العراقي بعد تعيينه «الشعبي» قاضيا في الكوفة و أياس بن معوية في البصرة.

كما قام الخليفة بتوسعة الحرم النبوي الشريف و حاول



[ صفحه 62]



استخدام وسائل غير عسكرية في الدعوة الي الاسلام فنجح في اقناع ملوك السند باعتناق الدين السلامي الحنيف و ظلوا في مناصبهم و تسموا بأسماء عربية.

و في هذا العام توفي الصحابي الجليل عامر بن واثلة في مكة المكرمة. [3] .

و في رجب من سنة 101 ه توفي عمر بن عبدالعزيز متأثرا بالسم الذي دس اليه و ترك وراءه ذكرا حسنا بالرغم من حكمه القصير حيث لم يتعد الثلاثين شهرا فقط.

و انتقلت الخلافة الي يزيد بن عبدالملك الذي أمر باعتماد السياسة السابقة و لم يرق ذلك للأمويين فاحضروا أربعين شيخا متلبسا بزي العلماء و شهدوا و أقسموا لديه بأنه ليس علي الخلفاء حساب و لا عقاب!!

فعدل عن سياسة سلفه و بدأ عهدا مؤسفا اتسم بالطغيان و العنف و الفساد و صدر عنه مرسوم بعد أربعين يوم من تسنمه الخلافة جاء فيه:

- أما بعد فان عمر بن عبدالعزيز كان مغرورا، فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده، و اعيدوا الناس الي طبقتهم الأولي.. أخصبوا أم أجدبوا أحبوا ام كرهوا، حيوا أم ماتوا... [4] .

و عاد الظلم كأبشع ما يكون و عم الطغيان أما هو فانصرف



[ صفحه 63]



الي مغامراته و لياليه الحمراء وهام بحب مطربة فاتنة تدعي حبابة و اصبح لها نفوذ سياسي كبير و قد طلبت منه مرة عزل أخيه مسلمة بن عبدالملك عن حكم العراق و خراسان و اسناد الحكم الي عمر بن هيبرة. [5] .

و في غمرة هذه الظروف بدأ تنظيم العباسيين بالتشكل و انطلاق دعاة الحركة السرية الي الشرق و بالتحديد الي خراسان و كانت الحميمة مركز الحركة [6] و تزامن ذلك مع فرار يزيد بن المهلب من السجن و تمكنه من اشعال ثورة في البصرة، ولكن الثورة سرعان ما أخمدت و فر آل المهلب من البصرة عن طريق البحر متجهين الي «السند» و اخفقت محاولتهم و القي القبض عليهم حيث اعدموا في دمشق.

عرف يزيد بن عبدالملك بجهله الشديد و لهذا كان يحتقر العلماء كان يطلق علي الحسن البصري؛ الشيخ الجاهل!

سكر يوما مع عشيقته حبابه لكثرة ما شرب فراح يصيح دعوني أطير وراحت مغنيته الفاتنة تسخر منه فقالت له:

- علي من تدع الأمة؟!

صاح و هو يترنح يحاول الطيران:

- عليك [7] .

أما وفاته فقد كان يقوم برحلة ترفيهية مع مطربته الأثيرة



[ صفحه 64]



وراح يلعب معها و يرميها بحبات العنب فتأكلها و شاء القدر أن تشرق بحبة عنب مرضت أثرها و توفيت..

و عند ما أرادوا دفنها رفض ذلك و ظل ثلاثة ايام مرابطا عند جثة هامدة

الي أن نتنت و هو مع ذلك يشمها و يقبلها و يبكي و تحدث معه بعض مسؤولي القصر فسمح بدفنها ثم عاد بعده أيام فنبش القبر و لم يعش بعدها سوي مدة قصيرة و مات!! [8] .


پاورقي

[1] و قد شعر الأمويون بالخطر اذا ما اقدم عمر بن العزيز علي الغاء ولاية العهد و ترك مسألة الخالفة شوري بين المسلمين ينتخبون من شاءوا أو تعيين شخص غير أموي فتآمروا عليه فاغتيل مسموما.

[2] و هي آخر محاولة للاستيلاء علي القسطنطينية في العهد الاموي و لم يظهر المسلمون بعدها أمام أسوار القسطنطينية الا في عهد هارون الرشيد الذي حاول فتحها فأخفق و ذلك سنة 165 ه 781 م.

و لم تفتتح القسطنطينية الا في عهد السلطان العثماني محمد و الذي لقب أثرها بالفاتح.

[3] عامر بن واثلة بن عبدالله بن عمرو الليثي الكناني القرشي، كنيته أبوالطفيل شاعر كنانة و أحد فرسانها و من ذوي السيادة فيها، أدرك النبي صلي الله عليه و اله و سلم و روي عنه تسعة أحاديث. حمل راية علي بن أبي طالب في بعض و قائعه، و كان مع حبه لعلي يعترف بفضل الشيخين (أبي بكر و عمر) غير أنه يقدم عليا عليهما. كتب اليه معاوية يلا طفه و يدعوه، فلما قدم اليه أكرمه و في يوم قال له: كيف وجدك علي خليلك أبي الحسن (يريد علي بن أبي طالب)؟ قال: كوجد أم موسي علي موسي، و أشكو الي الله التقصير. قال له معاوية كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا، ولكني كنت فيمن حضر، قال:

فما منعك من نصرته؟ قال: و ما منعك أنت من نصرته اذ تربصت به المنون، و كنت مع أهل لاشام، و كلهم تابع لك فيما تريد؟ فقال له معاوية: أو ما تري طلبي لدمه نصرة له؟ قال: بلي، ولكنت كنت كما قال القائل:



لا ألفينك بعد الموت تتدبني

و في حياتي ما زودتني زادا



التحق بعد ذلك بالمختار الثقفي في ثورته علي بني أمية في العراق مطالبا بدم الحسين، و لما قتل المختار انزوي عامر الي أن خرج مع ابن الأشعث و عاش بعد ذلك الي أيام عمر بن عبدالعزيز، و توفي في مكة، و قيل انه آخر من توفي من الصحابة.

الأعلام: 4 / 26، الأغاني: 13 / 159، تهذيب التهذيب: 5 / 82، طبقات ابن سعد: 5 / 457، الاصابة 4 / 1696.

[4] العقد الفريد: 3 / 180.

[5] اعلام 1النساء: 1 / 232.

[6] قرية خارج المدينة هي من ممتلكات العباسيين في العهد الاموي.

[7] تاريخ ابن الاثير: 4 / 191.

[8] الانافة في مآثر الخلافة: 1 / 146.