بازگشت

المواجهة


ربما استعادة ذاكرة هشام حادثة قديمة يوم ذهب الي حج بيت الله و لما اراد استلام الحجر الاسود عجز عن ذلك فوضع له كرسي في ناحية من الحرم.

القي بنفسه علي الكرسي ينظر الي الامواج البشرية و شعر بأنه ليس شيئا مذكورا. لم يكن يأبه له أحد..

و فيما هو يتأمل المشهد أقبل رجل قد أجتاز الخمسين من عمره كان وجهه يضي ء كقمر بين الغيوم..

وحدث أمر عجيب.. تناثرت اسئله و ارتسمت علي الوجوه علامات استفهام.. تساءل رجل شامي و هو يتطلع الي رجل يرفل بحلته البيضاء الناصعة نصاعة القمم الشامية هتف مأخوذا:

- من هذه الرجل الذي ينفرج له الناس كملك عظيم؟!

و هتف آخرون:

- انظروا!! انه يشق طريقه بسير الي الحجرالأسود.

قبل الرجل ذو الوجه المشرق الحجرالأسود و استأنفت الأمواج البشرية تدافعها من جديد.

التفت الرجل الشامي الي هشام قائلا:

- من هذا؟!



[ صفحه 67]



رد الأحول بغيظ:

- لا أدري.

وحده القدر يفسر مرور الشعراء في لحظات بتوقف عندها التاريخ باجلال.

هتف الفرزدق:

- ولكني أدري من هو!

تساءل الشامي بشوق:

- و من هو يا أبا فراس؟

و تدفقت ينابيع الشاعرية وراح الفرزدق ينشد بصوت مؤثر:



هذا الذي تعرف البطحاء و طأته

و البيت يعرفه و الحل و الحرم



هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي الطاهر العلم



هذا ابن فاطمة انت كنت جاهله

بجده انبياء الله قد ختموا



اذا رأته قريش قال قائلها

الي مكارم هذا ينتهي الكرم



يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم



و ليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف من أنكرت و العجم



و استشطا هشام غيظا و حقدا، و ما أسرع أن تخطفت ايدي الجلاوزة شاعرا نفث الورح القدس علي لسانه و سيق الشاعر مخفورا الي سجن بعسفان بين مكة و المدينة.



[ صفحه 68]



هذا زمن مصنوع من خشب و نحاس. زمن لا يعرف للكلمة الحرة حرمتها.. زمن غابت فيه الآيات وراء القبضان.

حادثة كهذه لا يمكن أن تسقط من الذاكرة.. من أجل هذا أراد هشام الانتقام من زين العابدين بابنه و حفيده.

ربما يكون العلويون في الحجاز نجوما و في المدينة أقمارا ولكنهم في الشام أحفاد أبي تراب، عدوهم القديم الذي حاربه آباؤهم و أجدادهم بصفين..

و كيف ينسونه و هم ما زالوا علي عاداتهم في لعنه عند كل قنوت في الصلاة.. لقد الغي عمر بن العزيز سبه من فوق المنابر.. في الخطب فكيف يصنع مع اجيال تربت ذلك و نشأت علي السب و الشتم و شابت عليه؟!

من أجل هذا رأي هشام بعينه الحولاء أن وجودهما وحيدين في الشام سوف يكسر شوكتهما.. انه في عاصمة ملكه.. يستطيع أن يفعل ما يشاء.