سهام علي
و ذهبا يطويان المسافات الطويلة في دمشق و أراد هشام أن يريهما كنوزه من الذهب و الفضة و يقول لهما أنه أوتي ملكا كبيا.
[ صفحه 69]
مرت ثلاثة أيام علي وصولهما دمشق و كان هشام لا يسمح بدخول القصر و ابتسم بمكر و هو يفكر بما أعد لغريمه.
كان هشام متربعا علي سرير الملك، و في حضرته علية القوم وقادة الجيوش، و في يد كل منهم قوس و هم يرشون سهامهم نحو هدف في آخر البلاط.
و دخل عليه السلام و خلفه ابنه يمشي.. صاح هشام بلهجة يعوزها شيئا من الأدب:
- يا محمد ارم مع اشياخ قومك.
أجاب أبوجعفر و هو يدرك ما يرمي اليه:
- اني قد كبرت عن الرمي فاعفني
حانت لحظة الانتقام.. سوف يجعل من شيخ العلويين نادرة يتندر بها.. عند ما تطيش سهامه هنا و هناك وسط قهقهة الآخرين.. هتف منتشيا:
- كلا لا بد أن تشارك قومك في الرمي!
و خاطب هشام بغلظة أحد الرماة:
- أعطه قوسك.
امسك ابوجعفر بالقوس و وضع سهما في كبده و رمق الهدف بنظرة ثابتة و حانت لحظة الانطلاق؛ هتف احدهم مبهورا و هو يري السهم نابتا في مركز الهدف.
[ صفحه 70]
أخذ أبوجعفر سهما آخر و سدد باتجاه الهدف فأصاب به نصل السهم الأول..
وراحت السهام العلوية يتبع بعضها بعضا حتي شق تسعة أسهم..
نسي هشام كل أحقاده أمام مشهد أخاذ.. رأي كل شي ء يتهاوي أمام سهام رجل من قريش.. هتف الأحول مأخوذا بما يري:
- أجدت يا أباجعفر.. أنت أرمي العرب و العجم..
و انتبه الي نفسه ماذا يفعل؟! لقد احضره مع ابنه لينكل به ليقلل من شأنه ليجعل منه اضحوكة أمام الآخرين.. وها هو يمجده.
شعر بشي ء من الندم و أطرق الي الأرض يفكر و طال السكوت و شعر الامام بالغضب من هذه المعاملة وراح ينظر الي السماء و كان عليه السلام اذا غضب نظر الي السماء.
و تدارك هشام الموقف فنهض من علي سرير ملكه العريض و قاد الامام ليجلس مبالغة في اكرامه و تقديره و قال:
- يا محمد لا تزال قريش تسود العرب و العجم ما دام فيهم مثلك.
لله درك.. من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟
أجاب أبوجعفر بأدب الانبياء:
[ صفحه 71]
- تعلمته أيام حداثتي ثم تركته.
تساءل هشام و قد انتبه الي وجود جعفر:
- ما أظن أن في الارض أحدا يرمي مثل هذا الرمي..
و سكت هنيهة ليقول:
- أيرمي جعفر مثل رميك؟
أجاب أبوجعفر و هو يسدد سهما من نوع آخر:
- نحن أهل بيت نتوارث الكمال و التمام اللذين انزلهما علي نبيه في قوله تعالي: (اليوم أكلمت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا).
و شعر هشام بالكلمات تلسعه لسعا فقال بغيظ مكبوت:
- من أين ورثتم هذا العلم و لستم أنبياء؟!
قال عليه السلام بلهجة فيها نوع من التحدي:
- ورثناه عن جدنا و قد قال: «علمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح من كل باب ألف باب».
و سكت هشام علي مضض و قد بدا مستسلما تماما..
و اجتاحته آلاف الشكوك و الهواجس.. انه ليس أمام رجل أعزل كما كان يتصور وقفزت الي ذهنه بعض التقارير التي تحذر من حركة مسلحة قد يقوم بها أخوه زيد. [1] .
[ صفحه 72]
و عند ما جثم الصمت علي المكان نهض الامام عليه السلام و نهض أثره هشام يودعه فيما كان أشياخ القوم ما يزالون متحلقين حول مشهد السهام النابته في نصل بعضها البعض!
پاورقي
[1] سئل الامام الباقر عليه السلام أي أخوانك أحب اليك؟
قال: أما عبدالله فيدي التي ابطش بها، و أما عمر فبصري الذي أبصر به و أما زيد فلساني الذي انطق به، و أما الحسين فحليم يمشي علي الأرض هونا و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، سفينة البحار: 2 / 273.