بازگشت

زيد


كان الامام الباقر عليه السلام في العشرينات عند ما ولد أخوه زيد أنه يتذكر جيدا كيف تفأل والده بالقرآن عند ما بشر بولادته...فتح المصحف فخرجت آية مباركة تبشره و تعزيه: (ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة) [1] و أطبق المصحف ليفتحه ثانية فاذا آية أخري تخاطبه: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [2] و طبق المصحف ليفتحه ثالثة فذا هي آية الثورة و الجهاد (و فضل الله المجاهدين علي القاعدين) [3] .

هنا لك الوالد بلهجة فيها فرح و حزن:

- «عزيت عن هذا المولود و انه لمن الشهداء».

و حمل زيد الكتاب بقوة حتي عرف في المدينة المنورة بحليف القرآن.. و فميا كان شباب المدينة منصرفين الي البحث عن الملذات كان زيد ينوء بحمل المسؤوليه ينظر الي العالم من حوله يعج بالشرور.



[ صفحه 73]



و كان أخوه الباقر يحبه غاية الحب و يحترمه و يقدر فيه روحه الأبية و شجاعته و كيف لا يكون ذلك و قد تشرب زيد آيات القرآن.

قال له مرة:

- لقد انجبت أم ولدتك يا زيد، اللهم أشدد ازري بزيد، و كان يعرف أن زيد يعيش هاجس الثورة علي الظلم؛ فما تزال كربلاء تتوهج في ضمير الجليل.. من أجل هذا قال عليه السلام في مجلسن ضم أقرب الاصدقاء و هو يضع كفه علي كتف زيد:

- هذا سيد بني هاشم.. اذا دعاكم فأجيبوه، و اذا استنصركم فانصروه [4] .

الذين يعرفون زيد يدركون آلامه التي هي آلام كل الناس الطيبين في زمن نحاسي يسحق بلا رحمة الفقراء و البسطاء.

و الذين يعرفونه جيدا يعرفون أن وراء هذه الملامح الهادئة براكين تتفجر غضبا ضد الظلم و الظالمين.

و شي ء واحد كان يميز زيدا عن غيره هو أنه لا يري للحياة من معني اذا كان ثمنها الذل..

أراد أن يعيش حرا في زمن يصلب الاحرار.. يبحث عن دف ء في عصور الزمهرير..

و الذين يعرفون زيدا و يعرفون هشاما ادركوا أنه لا بد من الصدام يوما ما.



[ صفحه 74]



و الذين شاهدوه كيف يبكي و هو يري أمرأة عجوز تتبع بعيرا مسافات طويلة تلتقط ما يساقط من التمر تقوت به صبايا يتضورن من الجوع.. اختطفت الحروب التوسعية أباهن.

و الذين سمعوه يخاطب تلك المرأة البائسة قائلا:

- أنت و أمثالك سيخرجونني غدا و يسفكون دمي.

هل سمعته تلك المرأة؟ و هل أدركت ما يرمي اليه.. هل تعي تلك البائسه ما يجري حولها.

و هل سمعت بأنباء الخيول العربية و هي تغير علي شواطي بحر الخزر من أرمينيا الي طبرستان و تتوغل في بلاد ماوراء النهر حتي تصل الي فرغانه؟

و هل سمعت بالسفن الحربية تفتتح «سرقوسة»، في جزيرة صقليا.. و هل حدثها أحد عن سيل الغنائم يتدفق الي قصر جاثم في دمشق يحكمه رجل أحول..

و اذا لم تسمع تك البائسة بهذا و ذاك فأنها تحفظ كلمات يتوراثها سكان الكوفة عن رجل كان يحكم الشرق الأوسط ذات يوم ولم يكن يملك الا ما يملكه الفقراء.. أجل تعرفه جيدا أنه علي بن أبي طالب الذي قال:

- ما جاع فقير الا بما متع بن غني.



[ صفحه 75]




پاورقي

[1] التوبة: الآية 111.

[2] آل عمران: الآية 169.

[3] النساء: الآية 95.

[4] عمدة الطالب: 2 / 127.