ثمن الكرامة
وحدث ما توقعه كثيرون فقد طلب هشام من حاكم المدينة و مكة أن يرسل اليه زيدا.
أراد هشام أن يحط من شأنه أن يقمعه بعد أن وصلته تقارير تتحدث عن تذمره و دعوته الاصلاحية.
و كعادته حاول هشام الحط من شأنه بعدم السماح له بدخول القصر مع أن أبواب القصر كانت مفتوحة ذلك اليوم للجميع!
و منع زيد من الدخول ثم اذن له و دخل..
و تعمد هشام تحاهله و تظاهر بعدم الانتباه اليه و هو سلوك امتاز به الطغاة للتويض عن النقص و شعور بالحقارة أمام الأحرار..
و سلم زيد كما تقتضي الآداب و أراد هشام الحط منه بعدم رد التحية..
أمام العشرات من الخصور حيا زيد الخليفة تحية رسمية كما هي مراسم الدخول علي الخلفاء و سلاطين بني أمية و لكن هشام لم يرد وامعن في تجاهله.. و لم تمض سوي لحظات حتي دوت كلمات لم تعهدها اروقة البلاط و لا حواشي الملوك.. لأن المرء متي دخل بلاطا وجد عند عرش السلطان ركعا و سجودا.. تري أي بركان كان يتفجر في صدر زيد عند ما هتف:
[ صفحه 76]
- السلام عليك يا أحول؛ فانك تري نفسك أهلا لهذا الاسم. و أراد هشام الرد فصاح:
- بلغني أنك تذكر الخلافة، و تتمناها، و لست أهلا لها و أنت ابن أمه.
أجل ان أم زيد ليست عربية و في هذا منقصة بحسب ثقافة الحكم الأموي القومية.
ولكن هل يكفي أن تكون عربيا لتمشخ بأنفك و تتعالي علي الشعوب و الاقوام الأخري؟!
ورد زيد بمنطق الانبياء و الأحرار و الشهداء:
- ان الامهمات لا يقعدن بالرجال عن الغايات و قد كانت أم اسماعيل أمة لأم اسحاق، فلم يمنعه دلك من أن بعثه الله نبيا و جعله أبا للعرب و أخرج من صلبه خير الأنبياأ محمد صلي الله عليه و اله. وسلم حقا ما الباقر عليه السلام: «سلاح اللئام قبيح الكلام». [1] .
لقد فقد الطاغية توازنه و هو يوقل بلا حياء:
- ما يصنع اخوك البقرة.
و أنفجر بركان غضب مقدس في اعماق زيد ورد بشجاعة:
- سماه رسول الله الباقر، و تسميه البقرة، لشدما اختلفتما لتخالفنه في الآخرة كما خالقه في الدنيا فيرد الجنة و ترد النار. [2] .
[ صفحه 77]
كان ما حصل ثورة كاملة.. كلمة حق أمام سلطان جائر و فقد هشام توازنه و صرخ بالحرس:
- اخرجوه.
و تخطفوه ليخرجوه.
وراح هشام يتميز حنقا و التفت الي من حوله قائلا:
- الستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا.. لا لعمري ما انقرض قوم هذا خلفهم..
أجل هؤلاء هم بقية السيف و لن يدرك الطغاة أبدا أن من المستحيل اخماد الثورة و تنفس زيد مل ء رئتيه هواء طلقا.. الهواء داخل قصور الطغاة هواء بارد ولكنه فاسد..
الهواء النقي هو ما يتنفسه الاحرار من خلال الثورة و التمرد علي الواقع الفاسد و رفض الطاغية.
و في خارج قصر الطاغية انفجرت كلمات ثائرة لقد قرر زيد الثورة عند ما قال خارج القصر:
- ما كره قوم حر السيوف الا ذلوا.
پاورقي
[1] حلية الاولياء: 3 / 184.
[2] شرح النهج: 1 / 1351، عمدة الطالب: 83.