رحي الايام
و تدور رحي الايام و يشعل التاريخ الحوادث هنا و هناك الفتوحات العسكرية تستمر و تسقط قاعدة كاشغر الاستراتيجية في تركستان [1] .
و في عام 110 توفي «ابن سيرين» البصري مفسر الاحلام المشهور كما توفي الشاعر «جرير» كما توفي الحسن البصري. [2] .
و في عام 112 ه اشتعلت المعارك في جبهات القتال الشمالية الشرقية و تمكنت القوات الاسلامية من تحرير كثير من الاراضي المحتلة و استرداد مدينة اردبيل في اقليم ايران.
و في عام 113 ه تقدمت الجيوش الاسلامية في الاراضي الفرنسية و تمكنها من الاستيلاء علي مدينة «بوردو» عند مصب نهر الرون.
و في عام 114 ه وقع امبراطور الروم ليون الثالث حلفا مع
[ صفحه 81]
ملك الخزر ضد الدولة الاسلامية، و هزيمة الجيش الاسلامي بعد احرازه نصرا ساحقا في مدينة «بواتيه» و ذلك بسبب اختلافات حادة حول توزيع الغنائم دعيت المعركة في التاريخ الاسلامي ب «بلاط الشهداء» و قد لقي القائد الشجاع عبدالرحمن الغافقي [3] مصرعه.
و في هذا العام و في احدي قري الحميمة في ضواحي المدينة المنورة لزم الامام الباقر عليه السلام فراش المرض.
و كان عليه السلام قد بدأ يشعر بدنو الأجل فقد قال ضمن حديثه مع عمته فاطمة بنت الامام الحسين عليه السلام:
- لقد أتت علي ثمان و خمسون سنة. [4] .
و كان عليه السلام يريد أن يقول أن أباه قد مات في هذا السن وجده الحسين كذلك و انه لم يبق له في الحياة فسحة من العمر، لقد أدي ما عليه، لقد فجر الارض ينابيع، و غرس فسائل الحكمة و نثر بذور الوعي و سوف تنبت أشجار المقاومة و تؤتي أكلها و لو بعد حين.
و سرت همسات بين الاذان بان الامام قد دس اليه السم [5] .
و من غير المستبعد أن يلجأ هشام الي هذه الوسائل في تصفية خصومه و منافيسه.
مهما يكن الأمر فقد بلغ الكتاب أجله؛ ولكل أجل كتاب.
و أمضي الامام الساعات الاخيرة من حياته في قراءة آيات
[ صفحه 82]
القرآن العظيم ثم أغمض عينيه عن الدنيا ليفتحهما علي عوالم أخري... عوالم مفعمة بالنور و الدف ء والسلام.
و شيع نعش الامام عليه السلام من الحميمة الي ثري البقيع.. بقيع الفرقد ليواري الثري الي جور أبيه الامام زين العابدين و جوار سبط رسول الله و ريحانته الحسن بن علي عليه السلام.
و كان ابنه جعفر يذرف الدموع بصمت كغيمة حزينة.
لقد رحل عليه السلام و التحق كغيره بالقافلة قافلة الراحلين... أما كلماته فقد ظلت بذورا مجنحة تبحث عن أرض تنبت فيها.. كلماته ما تزال غضة طرية شفافة لأنها نبعت من نفس اكتشفت الحقيقة و عرفت الطريق.. حقيقة الوجود و الطريق الي خالق الوجود... بل أنه لا وجود الا لذات المعبود، و ما عداه سراب يحسبه الظلمآن ماء.
من أجل هذا كان عليه السلام يقول في مناجاته و قد سطعت النجوم في السماء و بدت كقلوب تنبض بالحب الالهي:
- يا كائنا قبل كل شي ء!
و يا باقي بعد كل شي ء.
و اصغ اليه و هو يقول:
«ان استطعت أن لا تعامل أحدا الا ولك الفضل عليه فافعل».
[ صفحه 83]
- «صحبة عشرين سنة قرابة».
- «ما عرف الله من عصاه».
- «اعرف المودة في قلب أخيك بما له من قلبك».
- «الايمان؛ حب و بغض».
- «من كنوز البر: كتمان الحاجة، و كتمان الصدقة، و كتمان الوجع، و كتمان المصيبة».
- «أفضل العبادة! عفة البطن و الفرج».
- «الحياة و الايمان مقرونان في قرن، فاذا ذهب احدهما تبعه صاحبه».
- ان الله يحب افشاء السلام».
- «لا يزال الرجل يزداد في رأيه ما نصح لمن استشاره».
- «سلاح اللئام؛ قبيح الكلام».
- «لا يكون المعروف معروفا الا باستصغاره و تعجيله و كتمانه».
- ما أحسن الحسنات بعد السيئات، و ما أقبح السيئات بعد الحسنات».
- ان الكذب هو خراب الايمان».
- «شر الآباء من دعاه البر الي الافراط، و شر الابناء من دعاه التقصير الي العقوق».
- «ما من نكبة تصيب العبد الا بذنب».
[ صفحه 84]
«بئس الأخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا».
- «اذا دخل أهل الجنة، الجنة بأعمالهم فأين عتقاء الله من النار؟ ان لله عتقاء من النار».
- «اذا شبع البطن طغي»
- (من طلب الدنيا استعفافا عن الناس، وسعيا علي أهله و تعطفا علي جاره لقي الله عزوجل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر».
- «لو صمت النهار لا أفطر، وصيلت الليل لأ أفتر و انفقت مالي في سبيل الله علقا علقا ثم لم تكن في قلبي محبة لاوليائه، و لا بغضة لأعدائه ما نفعني ذلك شيئا».
پاورقي
[1] تدعي اليوم سينكيانع (الصين الجديدة) منذ السيطرة عليها في التوسع الشيوعي حيث اقتسم الروس التركستان مع الصين.
[2] الحسن البصري:
هو الحسن بن يسار البصري: أبو سعيد. كان أبوه من أهل ميسان، سبي حين فتحها و جيي به الي المدينة و أصبح مولي لزيد بن ثابت الأنصاري. من كبار التابعين. كان امام أهل البصرة، و حبر الأمة في زمنه، و هو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء النساك. ولد بالمدينة و نشأ في كنف علي بن أبي طالب، ثم سكن البصرة استكتبه الربيع بن زياد الحارثي، و الي خراسان، في عهد معاوية. لم يكن التحكيم بين علي و معاوية من رأية، لأن عليا صاحب الحق و يجب ألا يقبل التحكيم. كان عظيم الهيبة في القلوب، فكان يدخل علي اولاة فيأمرهم و ينهاهم و لا يخاف في الحق لومة لائم. له مع الحجاج مواقف و قد سلم من أذاه. لما تولي عمر بن عبدالعزيز الخلافة كتب الي الحسن البصري: اني ابتليت بهذا الأمر فانظرء لي أعوانا يعينونني عليه، فأجابه الحسن: أما أبناء الدنيا فلا تريدهم، و أما أبناء الآخرة فلا يريدونك، فاستعن بالله. توفي بالبصرة عن 79 عاما.
الأعلام: 2 / 242، و فيات الأعيان 2: 69، حلية الأولياء: 2 / 131. النجوم الزاهرة: 1 / 267، المعارف: 440، الكامل للمبرد: 562، شذرات الذهب: 1 / 138.البداية و النهاية: 9 / 268.
[3] عبدالرحمن بن عبدالله بن بشر الغافقي من قبيلة غافق و هي فرع من قبائل عك باليمن، من كبار القادة اتصل بموسي بن نصير في الاندلس، و تولي قيادة الشاطي الشرقي في سنة 102 ه بعد مصرع السمح بن مالك في احدي المعارك و قاد الجيش الاسلامي في عملية الانسحاب. انتخبه المسلمون أميرا علي الاندلس.
و في عام 105 عزل عن الامارة ثم اعيد اليها في عام 112 ه و بدأ استعداداته لفتح فرنسا، فوجه دعوة الي المسلين في اليمن و الشام الي مساندته و تدفق المتطوعون الي الاندلس و ألف منهم جيشا كبيرا فاجتاز جبال (البرانس) بجيش من العرب و البربر و أوغل في مقاطعتي (اكيتانيا) و (بورغونية) و استولي علي مدنية (بوردو) و دحر جيوش (شارل مارتل) و تقدم يريد الايغال في فرانسا، فجمع (شار ماتل) جموعه و ألف جيشا كبيرا من الفرنسيين و قبائل الجرمن فنشبت حرب كانت دامية في (بواتية) بقرب نهر (الوار) قتل فيها عبدالرحمن و انسحب المسلمون. و كان سبب خسارتهم الحرب انشغالهم بالغنائم التي كانوا غنموها في حرب جنوبي فرانسا، و ثارت بينهم أهواؤهم العصيبة فاهتبل (شارل مارتل) ما قام بينهم من خصومات و فأجاهم بجموع غفيرة و اضطرهم الي الانسحاب، فأضاعوا الكثير مما كانوا غنموه و استشهد منهم الكثير. تجمع الرويات الاسلامية علي الثناء علي عبدالرحمن الغافقي، بل يذهب بعضها الي القول بأنه أعظم ولاة الاندلس و أكثرهم فضيلة و أشدهم اخلاصا في القيام بما تفرضه الأندلس علي واليها من الواجبات، و هو يمتاز عن ولاة الأندلس بسلامته من النزعة العصبية التي أفسدت علي معظم الولاة أعمالهم.
الأعلام: 4 / 84، ابن الأثير: 5 / 174، نفح الطيب: 1 / 111، 307، البيان المغرب: 2 / 26، ابن خلدون: 4 / 257، دولة الاسلام في الأندلس: 1 / 89، 97، فجر الأندلس: 155، 261، 265.
[4] تذكرد الخواص: 350، كشف الغمة: 2 / 332.
[5] اخبار الدول: 111.