بازگشت

الكلمة الأولي


أيها الإمام الباقر يا نجي الرسول

أيها البحار المدعو الي الغوص الكبير.

من أنت واقفا علي شاطي ء ممدود؟.

تأخذ اليمّ بجفنين غارقين في نصف نعاس، فوق عينين غائرتين في ضجيج من مدي!!! هل أنت تستشرف أعماق اللجج، بقدمين حافيتين مغروزتين في حيز من رمل؟ بينما هي اللجج أبعاد غائرات، تعلو بها و تهبط محامل الموج! أم انك الواقف المطرق، تتبصر بحوملات الأثقال، بكشح ضامر مركوز فوق ساقين من وصب؟ انما الأثقال كالجبال الراسيات، تتماسك بها مجادل الماء من الأعلي الي الأسفل، في عملية من توحيد ادراج المتون بأعماق السكون!.

ولكنك أنت المستشرف و ان تكن مطرق الرأس و مغمض العينين من دون أن توهن و من دون أن تهاب، و أنت المتبصر المتبصر، ولن تدهي بارتياب!.

فالخط خطك مبنيا علي مقالب الأدراج، ليس له الا التقصي عن كل باب تعرقل الضوء عنه غلطة المزلاج! فالأبواب - في الشرفات الزاهية - هي في انفتاحاتها علي المطلات الرخية، تحمل النور الي أرجاء القصور،



[ صفحه 16]



و لا تحرمها من دعابات الصبا و مناجياته الندية!.

انها الأبواب المحكمة في تركيز فواعدها علي المدرجين! تلبي في مدرجها الأول - انفتاحا علي تموجات النور، و انعطافات النسيم، و تستعصي انقفالا - في مدرجها.

مدرجها الثاني - عندما تلج عليها الغضبتان: غضبة الاعصار، و غضبة اللص في ادلاجه المارق الخارج من عب شيطان.

هنيئا لك أيها النجي البحار خط عريض شددت العزم منه في الغوص المقعر، انه الخط المجدول في مضامين الانضباط، وقعت عليك الآن مجالاته في مدي الغرف و الجمع و التفجير، و هكذا رحت تبقر الأرض في سبيل استخراج كنوزها المتسترات، و رحت تشق مياه اليم تكشيفا عن الدر الهاجع في قعر العباب، و كذلك الجو فوق رأسك، و هو الوسيع بمهابة ربك الأعلي من كل علو، و الأجدي من أي صواب، فانك رحت اليه - تقيا، تقيا - تفتق تحت كرسي ملكوته آيات و آيات، جمعها في قرآنه من فيض ربه في الرحاب، نبيك الكريم الذي هو جدك البعيد المرامي و العزيز الصفات، لتكون قوتا لأمته الغرثي، و لكل أمم الأرض جمعاء، يوم تسمو بها الآيات من حضيض الذل، و الجهل، و الحيف الي الجنان السموات.

و خطك العريض، يا حلقة في الخط العريض، هو من أتقي و أنقي و أبقي ما انشد في عرض الخطوط، فهو تمثيل الصيانة، و الحصانة، و المتانة في خط يرسخه العرض كي يشرق به طول الامتداد.

جدان لك يا ابن زين العابدين، سهرا ليلا عريضا لا يقاس بالسنين، علي ضوء الرسالة المنزلة من خلف حلقات السنين، و هي الوحيدة التي وجداها تجمع الأمة إلي حقيقة الوجدان.... و ما كاد يطلع عليهما فجر السهر، حتي كانت بين أكفهما خيوط الزنار مجدولة علي خصر أمة تعبت كثيرا من لهاث الهجير!.



[ صفحه 17]



ليس الزنار يا سيدي المصداق، و أنت ربطة فيه، الا حبل الامامة، انه الحبل المفتول علي مغزل الرسالة، في كل نسلة منه حرف من روح آية.... أما المراس، و أما المران المشتق من لحظات القراءة، فإنهما في حقيقة الضم الي رجاحة الرهان؛ فالإمامة تعب آخر في حقيقة السهر المجدي لنقل الخط العريض المكثف إلي امتداد مثمر، تنبض به خفقات الصدور - و إنها الامامة في لقاحات الوعي، تكسبها الممارسات علما جديدا، و سهرا عتيدا، من أجل دفع الأمة - بالانسان - الي يقظات وسيعة، لا يحققها الا العلم، و الفهم، و صدق الرشاد، و انها الرسالة - جهد جليل و سديد - تتماسك بها الأمة و تبني بها خلودا مجتمعيا كريما تتمتن به بنية الانسان.

و انها الامامة بتحديدها الحصري، و تركيزها البنيوي، و تسديدها المعنوي، فإن الزمان أعجز من أن يحصي لها النبضات - أو بالأحري المبتكرات - لأنها اكتمال المجتمع في الفرد، و انبثاق الفرد من حفيظة الأمة التي هي مجتمع حي و متكامل، تعززه الرسالة بالعلم الصحيح، و الصدق الوحيد الصحيح... كل ذلك، في مطلق شموله، هو تبشير و عزم الرسالة في تحقيقها منهجها العظيم، ليكون الانسان متينا في حضن الحياة الكريم.

انها الصفات، و المميزات، و الانجازات في مجمع التجريد سيقوم بها امام بعد امام، في منطلق التمثيل و التحديد، و اماما عن امام ستتم لها - في المجتمع - روعة الترسيخ، و روعة التركيز... و عندئذ، فالأمة كلها وحدة ايمان، و وحدة حق، و وحدة اخراج.

لن يكون الزمن الآتي وقفا علي قرعات الثواني علي عقارب الساعات، انما يكون رهنا بلمسات النهي، تختلج بها أجنة الأرحام، فتلد أجيالا جديدة، وسع لها العلم جنبات الحق، و جنبات الخير، و جنبات



[ صفحه 18]



الشمم! ستكون الصفات الكريمة هذه حميمية في رزم الشمائل، لأن المعنيين بالتعهد الرصين، يتولون زرعها في خلايا النفوس، و في طويات الضمائر.

ذلك هو الخط المرسوم في خلوات الريادة، أصابك منه أيها الإمام الباقر سهم بهي؛ فأنت للعلم السني، تفتش عنه في مخابئه، حتي يتكثف و يتفجر، و هو وسيع في حقول الامتياز، تحتاجه الأمة كيفما اتجهت بها الخطوات، و من دون التحامه فيها، لا قرار لها و لا ثبات، فهي بحاجة اليه، شرط أن يكون نظيفا من كذب و رياء، و هكذا كان لك أن تصدق: في الحديث، و في الفقه، و في نباهة التفسير، و أن تحفظ الآيات الكريمة سنادا لك في قولة الحق و ايقاظ الضمير؛ أما العلم الآخر، فانك سعيت اليه تجمعه من حيث نامت عليه الظنون: فالكيمياء، و الفيزياء، و الطبابة، و الحساب، و كل الحواشي الرياضية و الهندسية فانها المتوافرة في خزائن جدودك الأعلين، تنام علي تمددات بكر، تفاعل بها آباؤك و أجدادك الأقدمون. انهم - بزخمها الهندسي - العلمي الفاعل، خططوا و بنوا بيوتهم، و قصورهم، و شوارع مدنهم، و صناعاتهم، و زراعاتهم... فكانت لهم - علي سبيل المثال - بابل، و نينوي، و شنعار، و الشام، و مكة، و الكعبة المكرمة، و سد مأرب، و قصر الخورنق، و الحدائق المعلقة... و لقد كان لهم أن نظفوا الأرض ما بين النهرين - دجلة و الفرات - من و حول الطمي الخانق، كما حرروا - في ما بعد - أرض مصر من طمي النيل - و كان لهم - علي سبيل التذكير أن نقلوا الي أثينا، و روما، و جندبسابور، ما علم الغير هناك تركيز الحضارات، اقتداء بما حققه العلم، و الفن، و الأسبقية المتحضرة في دنيا سومر، و كامل البقاعات العربية المصطفة علي عرض التخوم. ليست زهيدة أيها الإمام الباقر حصة لك تقوم بها في سبيل جمع العلم من أوتاده و نشره علي اعطاف الأمة التي استفاقت من استكانتها و لما تنشغف بعد. ان الجامعة الوسيعة التي ألهب تياراتها جدك المستهيم



[ صفحه 19]



بتأجيج الحق و النبل في عالم الانسان، هي في شوقك الحثيث بأن توضح معالمها، و تأخذ منها ما يقوم جهدك، و يسدد عزمك في المثابرة و التوسع، لتكون لك في يثرب مدرسة فرعية و مشتقة من الجامعة الأصيلة تستكمل مواردها الفكرية و الروحية، سواء بسواء، بينما تكون العلوم فيها قواعد نور تفسر الخطوط و تركزها علي مناهجها الأصيلة. ان تلقيح الفكر بسنابل العلم المدبج، يوسع موائد الأمم، و يطهر حضاراتها. و ينمي الخير في الانسان، و يشهي المعروف و يعقم المنكر.

شكرا لك أيها السيد الإمام الباقر، تأخذ الي عاتقك ما أوكل اليك. فالمدرسة التي تعهدتها في يثرب، هي فرع من جامعة، تنال منها النور و تكمل لها الحدث. ان ابنك الإمام الصادق، سيستوفي منك، و بين يديك، شروط الإمامة، في حقيقة المثابرة و صحة المران، و سيكون له امتداد آخر في التذكير، و التوسيع، و التحقيق، عسي الأمة تستنير - مع طالع الأيام - لتجد أن العلم اذ ما يعتم عليه، تيبس مواردها، و تحصد - هي الأمة - جوعا لا يكون له اسم غير الهوان!!!



[ صفحه 21]