بازگشت

اطلالة الشبيه


إيه يا أم عبدالله، يا أيتها الصديقة المفطومة عن كل عيب و رجس. لقد نقل اليك أبوك الإمام الحسن اسم جدتك فاطمة. فطابت فيك المزايا الناطقة، كما طيبك الفوح المقدس. فهنيئا لك هذا الفيض تتلملمين به و تنجبين بكرك عبدالله، و قد نطق به البهاء الذي أخذ به جده الإمام الحسين فلقبه بالباهر.

و ها أنت اليوم تبتهلين بوليدك الثاني، و قد شع به سناء مختوم بأكثر من آية، مما جعلك مع هذا الصباح الشهي، تسجدين سجدة السر بين يدي عمك الامام، راجية اليه أن يكون قربك في خشوع الذات، و ينتقي لهذا الوليد الجديد اسما نجيا، يكون مشتقا من هذه الملامح و من مثل هذا الضياء.

لقد لباك الإمام تنادينه بصوت من مهجة مفتونة بمهجة، و هفا اليك بشوق مبلول بحنين الصلاة، و لما اجتباه الطفل اليه، وقف مشدوها يقرأ الخطوط الدقيقة المنثورة علي جبينه كأنها شعيرات من لموع النجمة الزهراء، تخفرها من فوق قمة الراس دويرات دويرات من شعر مجعد، كأنه حلقات من درع محبوك بالزرد، بانتظار وقعة تحصل في الساحة المجهولة! أما عيناه الصغيرتان فكانتا مطبقتين علي فحوي عميق كأن النور فيهما هو المخبأ تحت رقاقات من كسل، تنم عنه زوايا أربع، في كل



[ صفحه 30]



واحدة منها اهتزازات خفيفة كأنها خلجة من هدآت الضحي، أو حبوة من حبوات الأمل، ليكون علي الوجنتين مطاف آخر لموجات سخية باللطف النجي الراضي بذاته، من دون أن تجتذبه الا بسمة خفيفة نادرة، أو نجوي ذكية حائرة... هنالك شفتان يضج عليهما شوق ممتاز و ملهوف الي حزن ثري، كأنه صاعد من كبد تأبي أن ينز عليها ذوب الزعفران.

لقد أخذت يا فاطمة الأم بما بدا من الإمام العظيم، و هو مستغرق في قراءة الوجه النائم علي البحبوحة... و لكنك أخذت - بشكل حميم - عندما رأيته يجبي الأرض بركبتيه و يثلمها بالسجود المكفوف بالرضا المؤمن. سكرت بما شهدت من الوله الصامت المتحرك الحي، و غرقت - من جديد - في غفوة منسولة من الجو المبارك، يسبح فيه طفل مقمط بوشيجة من حلم و خيال.

ولكن الوقت الذي طال علي تهيبات السكون، قطعت من هدأته، نأمه نجية، نزلت في أذن فاطمة اليمني و هي تضم الطفل الي صدرها بالزند اليسار - و سمعت قول الإمام - كأنه النجوي الهابطة من خلف الغمام:

كثيرا ما وشوشنا جابر بن عبدالله الأنصاري يا فاطمة.

بأن واحدا من أبنائنا يميزه شبه بجدي الرسول.

و بعد غوص آخر - غاصه الإمام في التقاسيم - عادت فاطمة تسمعه يقول:

فلنسمه بالباقر.

سيبقر العلوم و يفجرها حقا و هدي.



[ صفحه 31]