بازگشت

الباقر


لقد تعجل الإمام الحسين علي أم الوليد الجديد. و علينا نحن المتنصتين الي كل نأمة نأمت بها الأحداث، و تناقلتها ألسنة التاريخ، ليكون لنا - في معرض الاصغاء المصفي - رأي مستخلص من صدق الوقائع، و موقف مبرأ من افتراءات الدس المبثوث بين حروف يهمس بها، في بعض الأحيان، صائغو التاريخ!.

قلت: لقد تعجل الإمام علينا بإفاضة اسمين علي الوليد الجديد... لا شك أن الشبه بجده الرسول قد أكسبه الاسم الكبير. و هو اسم محمد، أما أن يكون الباقر منذ الآن، أي قبل أن يفتح عينيه علي النور، و قبل أن تثغثغ شفتاه بحرف من حروف العلم الذي سيفجره فهما و حقا و تسبيحا، فان ذلك هو مما تعجل به الامام: علي الأم، و علينا، و علي الطفل بالذات، و لما يفتح عينيه بعد علي مساحات النور.

علي الشبيهين بالرسول أن يكونوا - علي الأقل - مثل الرسول طاقة تفجر العلم حسبما تطلب منهم نوعية التفجير!.

عفوك يا حسين. فأنت الأدري بالمضامين. و أنت الأصغي الي همس المسافات الجائلة في دوائر الأبعاد... بالأمس، و ليس الأمس لديك دولابا تكر عليه الثواني و تذوب في بحيرات الزبد، بل هو تركيز الغد في هنيهات الأمس، ليكون للزمن الآتي جذر مغروس في كل يوم عشناه في عمرنا، علي أن نكون قد ملأناه - هذا اليوم المعاش - في ذواتنا، بكل ما



[ صفحه 32]



هو حق في الحياة، و بكل ما هو نور و صواب.

هكذا هي الأبعاد تحت عينيك أيها الامام، زرعها في باحات نفسك جدك الرسول منذ أن كنت في المسجد طفلا تعلو ظهره و هو فوق المنبر يوزع علي الناس: عينيه، و يقينه، و لهاثه... كنت تغمر - بباعيك - رأسه الأوسع من فضاء - ولكنك كنت تشعر و أنت صغير - بأنك بهي كالفضاء و بهيج بهيج كعيني جدك، و هما تغوران في عمق الفضاء.

لقد مكنك جدك الرسول - و أنت طفل - من استطلاع الغد. و جعله جذوة في يومك المفعم منك بالخير و العطاء. من هنا كان لك بالغد - لا سيما إذا كان فسيحا في صدر الزمان - اهتمام مميز بالنشاط و التركيز، باعتباره المدي الزمني الصالح و الكافي للاهتمام بالقضايا الكبيرة، الفكرية - العقائدية - الروحية، و التي تنال منها الأمم القوية مناعتها، و حضارتها، و كل مقوماتها الحياتية الراشدة في المجتمع الانساني المتمكن في الوجود.

ليس بدعا أيها السيد أن تري أبعاد الخطوط، فجدك العظيم، و هو المطوي في يقين أبيك و طويته الأنيقة، هو الذي مهد لك كيفية حفر الخطوط، و أهمية قراءتها بعين تكشف الأبعاد و تستجليها...

و الأبعاد، هي الخطوط العريضة، و المرسومة علي اللوح العريض، فالرسالة - مثلا - هي خط طويل و خط عريض. و كذلك هي الأمة المخصوصة بالرسالة. و كذلك أيضا هي الامامة المرتبطة بالرسالة و بالأمة بشكل وثيق.

و اللوح العريض هو الغد المسلوخ من طينة الأمس، يتطيب بها الزمان، و يطول عمره بما يتجمع اليه من الأعراف السليمة المضخمة بالمناخات العقلية و الروحية، و التي لا يعيش بغيرها وجود الانسان، أو بالأحري وجدانه العفيف.



[ صفحه 33]



ان الفصل المفتوح الآن أمامنا، و عنوانه: خطوط عريضة، هو في تخصيص البحوث و اضاءاتها بالجلاء عن كل ما قرأه الحسين في تقاسيم حفيد له، ليس في محياه الندي سوي براءة مثلي، قد تتخبأ خلفها سمات منثورة في شبه شعيرات نحيلة، جاءت بها، في الخفاء من الأب و من الأم، سليقة خلقية مشطورة الي بطانة الرحم، عاش بها الجنين، و بها نما، و بها تلوّن.

فليكن لنا من مثل هذا النوع من التلميح ما نستضي ء به إذا اقتضت حاجة، و من جملة التلميح أيضا أن نذكر أن للطفل المسمي الآن محمد الباقر ثلاثة جدود علي خط أبيه: الإمام الحسين، و الإمام علي، و النبي الرسول... و له ثلاث جدات علي ذات الخط الأبوي: شهزنان سيدة الأميرات، و فاطمة الزهراء، سيدة النساء، و الأمينة خديجة سيدة المخلصات، و إن المولود الجديد لن يرتبط بخط الامامة قبل ثمان و ثلاثين سنة، أربع منها لا تزال مرهونة بجده الإمام الحسين، و قد قضاها مهموكا بتعبيد الطريق الممدود بين مكة و كربلاء الكوفة، و أخيرا مشاها - خطواته المرسومة - و مهرها بدمه الأزهي من الأرجوان، بعد أن سلم ابنه عليا مقاليد الامارة، مسجلا علي صفحة التاريخ ما يسمي برفض الذل، و تمجيد العنفوان.

لقد تكحلت عينا محمد الباقر - علي مدي عشرة أيام متعاقبة في ساحات كربلاء - باثمد أحمر، لم يفارقها مدي العمر.

بعد أربع و ثلاثين سنة من هذه اللحظة المصبوغة بنبل الدم، أغمض عينيه ذلك الذي لقبه جده الرسول بزين العابدين، و انتقلت خلافة الرسول إلي فتي مفتوح الجبين، اشهب الصفات، أصهب، نقل إليه جده الرسول شوقا من أشواقه الميممة بالعلم الوسيع، و العلم الرفيع، و العلم المنيع - لقد حمل إليه لفحة الشوق البليغ، رجل صحابي سجد



[ صفحه 34]



طويلا بين يدي الرسول، و تبارك كثيرا بلثم بناناته - انه جابر بن عبدالله الأنصاري. لقد أطال الله بعمره حتي شاهد الفتي، فاحتضنه، و اشبعه لثما - و هو يقول له:

«جدك الرسول يقرئك السلام، فأنت شبيه به، و لقد ألح علي لأبلغك بأنه لقبك بالباقر».



[ صفحه 35]