بازگشت

جابر الأنصاري


انه جابر بن عبدالله الأنصاري... تعرفت إليه بعد إن سمعته يتكلم في جلستين كلاما قصيرا، فاكبرت الكلمة الصغيرة في فمه لا يسكن أبدا صداها.

كانت الجلسة الأولي في بيت الإمام زين العابدين: دخل جابر و الإمام ساجد يصلي، فوقف خلفه في خشوع طويل، و انتظار بلا ملل - ولكن الإمام الغائص في السجود، كانت صلاته أطول من حزنه علي أبيه الحسين شهيد كربلاء. و انتهت الصلاة - بعد وقت طويل - مبلولة بدم أحمر! تقدم الزائر جابر و سجد بين يدي المزور المبرور، و هو يقول:

يا ابن رسول الله أما علمت أن الله تعالي خلق الجنة لكم و لمن أحبكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟! البقاء علي نفسك يا سيدي، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء، و بهم تستكشف الأدواء.

لقد كان كلام جابر بعيد الغور. لقد قصد اسكات حزن يضني، و ابقاء إمام مسؤول عن رعية...

أما الجلسة الثانية فهي التي رأيناه فيها منذ لحظات، ينقل وصية الرسول الي حفيده ابن زين العابدين:



[ صفحه 36]



«جدك الروسل يقرئك السلام، فأنت شبيه به، و لقد ألح علي لأبلغك: بأنه لقبك بالباقر».

ان في التبليغ شهادة تفصح بأن حامل التبليغ ضليع بمقاصد الرسول. و أنه نعم المبلغ و نعم الضليع... فهل يكون لي أن أصيب من مقاتله، أو بالأحري، بعضا من فضائله و مواهبه إذا قلت فيه مثل هذه النبذات؟:

انما هو جابر:

صحابي صادق و ممتاز.

أنه أروع ممن جاء علي صف الأنصار.

و هو شيخ وقور مديد العمر.

بري ء كأنه طفل.

وديع كأنه حمامة.

ذو رأي و حكمة كأنه زهير بن أبي سلمي.

ثابت كأنه صنديد.

ينقصف السيف في يمينه... ولكنه لا يرميه.

قبضة السيف تعشق كفه...

و هكذا البسمة تعشق ثغره...

و يري الأبعاد كلها...

و يشهد لكل واحد منها بكلمة قصيرة.

فاذا ما قالها صمت و تبسم.

عايش الرسول العظيم.



[ صفحه 37]



و أخذ منه قوت عمره...

يا للرسالة نزلت في روعه زرعا...

ألا نراه:

زرع في الأمس،

ما يعيش به اليوم؟



[ صفحه 38]