بازگشت

آل البيت


انهم - بالتخصيص - علي و فاطمة و الحسن و الحسين. انهم البيت الذي «شاءه الله ليذهب عنهم الرجس و يطهرهم تطهيرا».

لماذا هذا البيت تتخصص له النظافة و الطهارة؟ و ليس سواه من البيوت التي يعمر بها مجتمع الجزيرة؟ أليست الأمة كلها الآن هي بيت النبي، يشمله بحبه و بولهه، و يسكب عليه كل حرف من حروف نجاواه؟.

ولكن البيت الذي أعده النبي هو - في وسيع خلده، و رحيب جنانه - بيت الأمة بالذات، ينظفه من الرجس، يرويه بالطهر، ليكون - في المطلق - هالة مثلي، تنسج كل الجزيرة بيوتها علي طرازه المنقي، و المصفي، و المروي بالجمال... انها الامة بالذات، ينثر عليها النبي الكريم، في كل لحظة من اللحظات، ألغازا و رموزا و آيات، حتي يكون لها - أبدا - ما يشغلها عن غزل الترهات، بتفتيق الألغاز من مخائبها، و حل الرموز من أصفادها، و تسديد التبصر بالآيات و أبعاد مراميها...

لو أبصرت - فعلا - هذه الأمة كم هو عظيم هذا النبي المرتفع من عتمات ليلها، ليخلصها من كل عتمة تتكسر فيها زجاجة المصباح!!! لما كان لها أن تفوت لحظة واحدة في الاصغاء اليه، لأن في اطاعته جدوي تتخبأ في عتمة اللغز أو في لطوة الرمز، ولكنها - في غد أو ما بعد غد - تنكشف الجدوي عن لؤلؤة يحتاجها العقد الذي ستزين الأمة به - في الغد - جيدها.



[ صفحه 58]



ان حائط بيت الأمة الذي راح النبي الي بنائه كان في رهصه الأول، أي في أول مدماك من مداميك الأساس، و لم يجد للزواية الركيزة الا حجرا مسحوبا من مقلع الصوان... و مقالع الصوان في جزيرة الرمل مرذولة، لا لأنها المكفولة في تحقيق المتانات، بل لأنها ليست سهلة - كالرمل - في جبلة الطين، و صلبة تحت مجسة الشاقوف، و يهرب منها البناؤون، ففي خشونتها ما يقطع الخيط و يقرض الازميل!.

و لكن النبي المتين ببنائه النفسي - الروحي - النبوي، كان يفضل بناء أمته بناء متينا لا رجس فيه و لا أي من عهن، يدعمه الطهر في المسارات المنزهة، و يرمقه التاريخ بعين من غد لا يرقي اليه غير المرسخين بالصدق، و العفاف، و النزاهة المثلي، و كلها مزايا، تهيمن عليها و تفرضها متانة في العقل، و متانة في الرصد، و متانة في اللب، و متانة في الروح.

لم يجد النبي الكريم في تجواله الميقن بالحق غير علي في فتحة الباب، و كشفة المقلع، فتناوله بباعيه العريضين الي صدره الأمتن، و جدله جدلا بابنته فاطمة الزهراء، ليكون من البناء المرجو فرع مطيب بالحسنين... يوما بعد يوم. و يتعدي أساس البيت رهصه الأول... سيكون علي رأس الزاوية... لأن الصوان في عملية التأسيس كلزوم ما يلزم...

أليس حيفا علي النبي - و قد احتضن الأمة كلها - و استنجد الله من أجلها حتي ينجيها من رجس ذميم يمرغها فيه اختناقها بحبال قبلياتها؟!! أجل، أليس حيفا - عليه - و قد اعتبر الجزيرة كلها قبيلة واحدة في مناعة الإسلام أن يلتقط بعلي، و يغسله من رجسه، و يمسحه بأفاويه الطيب، و يلفلفه مع ذريته الطالبية بوشاحات الخلافة علي أمة المسلمين، لا لأي سبب من الأسباب، بل لأنه يلبس العباءة الخشنة المنسوجة علي المكوك الطالبي!!!.



[ صفحه 59]



حرام علي القلم أن يؤلف من الكلمة سهما يشير بالحيف الي نبي المسلمين: فهو المتكلم بلسان الحق، و لسان التنزيه... أما علي، فان المزايا التي هي جمع باقات في غزل عباءته، قد عينت لحمته بنبي المسلمين ... سيلبث طالبيا يجري في عروقه دم الجدود، و من أبهاهم شيبة الحمد. أما العبقرية التي امتصت الرسالة و دمجتها بسجاياه، فهي التي شددت الموصلة في اتجاهها نحو لملمة القطب.

و قطب علي أوسع بكثير من قبلية... انه فضاء من قيم تأخذ بها أمم عديدة من أمم الأرض، و تتحضر. أما أن يأخذ النبي عليا الي صدره في عيد الغدير، مشيرا اليه بأنه نعم الولي. و نعم الخليفة، و نعم الضمانة للأمة في كنف الاسلام... فيا عجباه، و يا عجب التاريخ يكتبه الصدق و المنطق، و يا عجب السماء، و يا عجب التراب المنهال علي أضرحة الأولياء و الأنبياء الصادقين... لو أنه لم يفعل!.

ان هتاف النبي معلنا نظافة أهل بيته من الرجس، و تطيبهم بالطهر بصيغة المطلق، كان اشارة من اشاراته الأنيقة - كأنها السبابة الممتدة من كفه نحو علي بأنه الطاهر القادر علي سياسة أمة بتخليصها من كل رجس، و تطهيرها تطهيرا - ان المولعين بالحق يتمكنون من نشر راياته، و لن يكون لخفاش قول في سطعة النور. لقد كان اعلان النبي بطهارة أهل بيته، رمزا معلقا علي رأس بنان من بناناته الناطقات.

و ان تعليق سياسة الأمة بخيط منضد علي مغزل مستقيم، معناه أن امامة اثني عشر هي الخيط الممدود و المنقي من النسالات و من العقد، و هو المنقول علي المغزل الصحيح. و لا يشتد الا به الحبل السليم... ان الغزال هو علي بمغزله القويم، و ان الغزالين من بعده - علي مدي محترم من محطات السنين - هم من خطه في مهلة التدريج، و هم المتناوبون علي ضبط النسيج - و هم المصطفون حول فوهة البئر، يقدسون الحبل و الدلو



[ صفحه 60]



الغارف من القعر ريا لا رجس فيه و مطهرا تطهيرا.

لماذا لا يكون لنا هذا التيقن؟ بأن الرسول - و قد ألم بآيات الكتاب - هو العليم بما يجول في الضمائر، و بما ينام في طيات الصدور!!!.

ان يكن لنا أنه نعم العليم و نعم الفهيم، فما هذا الجهد يبذله: تارة في التصريح، و طورا في التلميح، و أحيانا كثيرة في الاشارات المصبوبة في الألغاز المطوية في الرموز؟!!!.

و لكن النبي العظيم الفهيم العليم، قد سكب كل قرارته في الواقع الناجز المعلن عن ذاته:

انه لك أيتها الأمة الملمومة من شعاب الأمس، كتاب فاقرئيه، و نهج فارسميه في صفحة الضمير، و ما لم تفهمي الكتاب بمحجريك، فأي نفع لذراعيك في حمل الكتاب؟!.

و ما لم تحفري النهج الجديد بأصغريك، فأي نهج لقدميك تعودان بك الي الرمل في هاتيك السهوب؟!!.

سيكون لك - يا أمتي - أن تقرئي الكتاب بعين كعين علي، و أن ترتسمي بنهج قد ارتسم به الإمام علي... فعلي هو الكشاف بالعين الوسيعة، و كذلك هو النهاج في المرامي المنيعة... فليكن الذين يقطعون بك الطريق، من معدنه و من لونه، و من فسحة عينه... سيكون لك يا أمتي عن الطريق السوي شرود!!!.

و لكن العلم الذي ستتوسع به الخطوط العريضة عبر التجارب الطويلة و المريرة. سيرشدك الي نهج علي، و هو المشحون بصدق المزايا!!!.

ان المزايا - وحدها - في كتابي، سيقرأها عليك من هم امتدادي في خط علي... فانتظري الغد - يا أمتي و تثبتي به نظيفا من الرجس، مليئا بالعلم، و الحق، و النزاهات المطهرة تطهيرا.



[ صفحه 61]



ألا فليكن لنا رؤية و تجرد و اتزان كلما وجهنا الظن نحو صف الامامة... سيكون لنا من التجرد المحرر من الهوي أن نراه خطا عريضا و بهيا، تنمو به روعة الاسلام، بحيث تنزهه الطالبية فيه من دون أن نعتبرها الا وصلة جليلة و مطهرة، تدفع الروعة تلك الي حقيقة التكامل و صفوة الانتظام.

ليست الطالبية الملتحمة في بهجة الصف من غير الطالبية المتدهن بها الرسول الغارق في بحار السور... الا فليحترم تواصل الموج في معارج أليم أي من واقف علي الشط، يسبر الغور بعصا عرجاء لا بمجذاف مطيب.

لقد قدم الرسول نفسه للأمة و ما بخل عليها لا بعرقه، و لا بدمه، و لا بروحه، و لا بكل ما في جوهره من طالبية عريقة بالمكرمات. فأي بذل نفيس لا يحسب له في وصلة البذل، و هو يقدم للأمة حبلا طويلا من أصلابه المتمرسين به في مدراج القرآن، ليكونوا - من بعده - معاول و مساند، يتعهدون المسيرة و يتحملون مواقع الضيم، و يرقون بها الي التحقيق المعين في مقاطع الآيات؟!.

أجل - انهم طالبيون، ولكنهم من الصنف المتصلب بالممارسات - أبا عن جد - و هي الممارسات التقية لا تلك الموسومة بالقبلية... ليكونوا خير من يتمكن من ايصال الأمة الي المراحل المشتهاة... و لقد سخا عليهم جدهم الرسول، و محضهم كل حبه، و كل أشواقه المديدة، حتي لا يخيبوا في عمليات التمثيل المشقوق في ضلع الرسالة... لقد جعلهم القصد لحمة في التسلسل، و لحمة في الشوق و البث، و لحمة في الاستحالة...

لقد استحال كل واحد منهم شبها بجده الأعلي، ان الشوق اليه،



[ صفحه 62]



و الخشوع الكامل، أمام ذاكره، و التقيد المطلق بمضامين كتابه، و شمهم بالشبه، سواء أكانوا قد ولدوا بين يديه فامتصوه بأعينهم، و مسامعهم، و كل حجاهم كالامام علي، و الحسن، و الحسين. فاستحال كل واحد منهم شبيها به: في تصرفه أو في تحدثه، أو في تفرده بصياغة المواقف و النهوج، أم كانوا قد ولدوا بعد انتقاله الي المجال الرحيب... حسب الإمام علي بن الحسين من جده الرسول يحصل علي شبهين: واحد، أغرقه في لقب «زين العابدين» و آخر لأحد أبنائه كان مرسوما في خطوط ملامح الوجه، لقد أخذ بهذه الملامح الشبيهة بالرسول الصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري...

يا طالما نزلت في هذه الأذن الذكية انطباعات رضية حملها هدا الأنصاري و راح يرشها علي المؤمنين، كأنها ثواب لهم، لأنهم صدقوا الوحي يحمله يقين الرسول. و أطاعوا كل همسة همس بها بال الرسول... يا لمحمد الباقر يهمس باسمه جده الرسول.



[ صفحه 63]