بازگشت

الامام الحسين


انه في الوقت الحاضر امام المسلمين، و سيد البيت، يرعي فيه كل الوشائج... بالأمس نادته فاطمة بنت أخيه الحسن حتي يبارك طفلا لها وفد جديدا الي الحضن الامامي، لقد توسمت فيه كثيرا من البشائر، و لقد باركه جده الإمام و سجد الله تعالي طويلا أمام ملامحه البهية، و لقد سمعناه ساعة تلك يطلق عليه اسم «محمد الباقر».

في البيت الآن امامان يستظلان عيني السيد: واحد منهما في الثانية و العشرين من عمره، يدرجه أبوه لاستلام الامامة بعد أن يكون قد سقاها - هو الحسين - كل صبيب دمه! ان اسمه الآن علي بن الحسين، و قد وجهه الإمام منذ عشرة أيام لزيارة عمه ابن الحنفية الموجود حاليا في اليمن، أما زين العابدين فهو هاجع في اسم علي الي ما بعد أن يشوي ضلوعه و قيد الحزن، و يشرب الآسي من عينيه، دمعهما الأحمر!.

أما الإمام الثاني فهو الذي يفرض الآن أوامره علي جده الحسين المتربع أمامه في بهو الدار في يثرب. ان الصغير البالغ ثلاثا من عمره، يلف من الوراء عنق الحسين بدراعيه الطريتين، من دون أن تمنعه الثرثة من اعتلاء الكتفين المحدوبتين أمام غنجه، و من الهبوط عنهما الي الحضن المكفوف بزندين يأخذه بهما الجد غمرا و جسا.

انها حالة من حالات الهيام المتحكم بالمشاعر، تستبد الآن



[ صفحه 64]



بالحسين، و هي ترجعه - بالذكريات - الي عهد طفولته الغنية بالمداعبات و الثغثغات كان يهرقها هرقا علي جده الرسول، في أية ساعة من الساعات كان يلقاه فيها: في زوايا البيت، أم فوق الأريكة الممدودة في صحن الدار، أم في لولب من لوالب الزاروب المؤدي الي بوابة المسجد، أم في المسجد بالذات حيث كان الرسول يعتلي منبرا مشدودا من لبن الطين، و يحدث الناس - من فوقه - عن الجنان الفسيحة التي تنتظر المؤمنين الصالحين.

ولكن الرسول قد ترك فجوة كبيرة في بال فتاه الحسين، عندما غافله و غاب خلف طيات الفضاء!!! لقد فتش عنه كثيرا ابن الست سنين، و لم يجد أمامه غير طيف محجوب خلف هالات و هالات، لا يكاد يدنو منها حتي تنشق و تذوب، ليبقي - وحده - غارقا في جفوة الفقدان، كأن الجو كله الذي ينام فيه ملفوف يعتمة سميكة لا نجمة فيها، و لا قمر ولو بقرن ضئيل من شعاع!.

بعد نصف ساعة تعب الفتي الصغير من حفيف ثغثغاته، و استدفأ حضن جده الحسين، و أغمض عينيه ونام، و كذلك أغمض الحسين جفنيه علي ضناه الكبير و هو يقول: يا طفلي المندي بالعبير كم يكون عمرك عندما تصحو عيناك من قطب النوم، فلا تجد حضن جدك الحسين يهفو عليك، كما كان يهفو علي الرسول!!!.

نم الآن يا طفلي ملفلفا باسم جدك الذي يقرئك السلام. ان لك غدا تعي به ما هو موكول اليك، أما ما هو موكول الي، فالغد الآتي سينشره عليك.



[ صفحه 65]