بازگشت

ساحات كربلاء


و جاء دور كربلاء - انها المحطة الأخيرة للاستراحة الكبيرة التي نامت فوق أوشحة المسرح. لقد تم فيها التخييم لعشرة أيام من بداية محرم، بعدها تقوضت الخيام و انشلت خشبات المسرح... و أما الستارات، فانها تلك التي تضرجت بعقيق و عندم و مرجان!!! و بقيت منشورة علي صفحات الجو تتفيأ بها - منذ ذلك الحين الي كل حين - حروف مفتوتة من ضلوع كل ألياذة تسقيها البطولات النادرة عبير الدم.

لقد انتثرت الخيام، كأنها المصنفة الجيوب، خلف الخشبة العريضة المنصوبة في صدر المكان، هكذا تمثلها الخيال من الواقع الذي اندمجت به:

- مخيم وسيع كان يلتم فيه الركب المرافق للحسين - لم يكونوا فيلقا لحرب، أو قوادا لجيش... بل انهم أهل و أربطة وفاء؟ رافقوا السيد، حتي إذا ما ناله ضيم شربوا معه نكد الضيم سواء بسواء. لقد كانوا معدودين بمئة أو ما يزيد قليلا، و كلهم أوفياء مخلصون، كمحمد ابن العم عبدالله بن جعفر مع أخيه عون، أو كمتفان آخر، زوج دلهم المشهورة بحبها لآل البيت، و اسمه زهير بن القين.

- و مخيم ثان - أضيق قليلا من الأول - كان يتلطي فيه الحريم، و الأطفال، و المرضي: مثل علي بن الحسين و قد طرحه - مريضا - اسهال



[ صفحه 77]



عنيف قرب زوجته فاطمة بنت الحسين لتعتني به... في هذا المخيم النسائي انحجب الفتي الصغير - محمد الباقر - و لم يسمح له أبدا بالظهور أمام جده، لأن كربلاء كلها معدودة - منذ أن خيم فيها الركب - ساحة حرب.

- و مخيم ثالث كان ينحشر فيه محضر و الطعام، و بين أيديهم ظروف و قرب الماء، و مواعين أخري مليئة بالمؤن.

- و مخيم رابع يتسع للخيول و الجمال و البراذين، مع سائسيها، أما الأعلاف فكانت حشو أكياس و أخياش في مخيم ملاصق.

تبقي الساحة الكبيرة، فهي الممتدة أمام المخيمات و ما حواليها، لقد - تحولت كلها الي ميدان حرب، تساقطت فيه - علي أبواب المخيم الأول - نبال و سهام، كأنها حبال من ضرام.

لقد كان التحدي مريرا قام به عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد جيش مؤلف من ثلاثين ألفا لإسكات جيش آخر، قابع - كما رأينا - خلف قلاع الخيام! انه حصار ذميم، قوامه التخويف و الترهيب و التذليل، لدفع المحاصرين للركوع و الاستسلام!!! ولكن الحسين، و قد اتخذ القرار الأعصي، فانه نزل الي ساحات البراز و دفقات الصراع، شامخ الرأس، مديد الباع.

لا يأخذ منه النبل مساحة جرح حتي يلثم الجرح بفم و هو ينادي:

أين هي النبال كلها، و أين هي السهام.

لا توسع الجروح - في جسدي - و لا تغمرني بالدم!!!

ان الجروح مساحتي - يا أمتي - تعلو بك الي.

و أنا فوق القمم، و تنجيك من فرط الغباء.

و من فرط السقم...



[ صفحه 78]



ان جدي النبي - يا أمتي - بانتظارك.

و بانتظاري، ليوم الزهو، تتلبسينه.

و ترفلين - به - بين الأمم!!!

يا للفتي محمد الباقر - و قد نقب بلاس المخيم بسبابة يده اليمني - يري جده الحسين في اليوم العاشر من أيام البراز، يسقط أرضا، و هو كله - من قمة رأسه حتي أصابع قدميه - مساحة حمراء من دم... قذف البلاس و ارتمي في ساحة الدم... و تقاذفت بنفسها أمه فاطمة، وراءه معولة... و اعولت أخت الحسين، زينب... و كل النساء اعولن وهن يزحفن علي الرمل... و قام أبوه علي من فراش المرض، و لحق به و هو يجر قدميه فوق لطخ الدم!!!.

ولكن الجيش المتدفق الي ساحة الميدان، لملم الأطفال، و المريض، و النادبات، و جعلهم حزما حزما... و توجه بهم الي قصر الوالي عبيدالله بن زياد!!!.

أما رأس الحسين فهو المقطوع عن الكتفين و عن الوريدين الملونين الآن بزرقة الموت، و قد أصبح مشكوكا برأس الرمح، يرقصون به فوق الرمل الأحمر الملطخ بهمجية الراقصين.



[ صفحه 79]