بازگشت

سبابة الباقر


لقد ظنوا أنهم لا يتمكنون من تقويض المخيم في كربلاء الا بعد انشاء المذبحة!!! و لقد أنشأوا - فعلا. جحيم المذبحة، و لم يتركوا رجلا واحدا من النازلين في المخيم علي رمق من حياة!!! لقد عدوهم واحدا واحدا، فبلغ عددهم مئة و تسعة و ثلاثين جثة مضرجة بالدم! بعدئذ هجموا علي البلس فمزقوها، و قطعوا الحبال، و قوضوا الأوتاد، و موهوا الأطناب!!!.

يا للمسرحية البلهاء - يقوم بتمثيلها - فوق خشبة منصوبة في فسيح العراء - حاكم اسمه خليفة محمد، في يده شريعة منسولة من مناجم الحق و من منزهات القضاء، و بين يديه فيالق جيش، و معدات حرب، و رفاصات منجنيق، و سيوف، و رماح، و نبال، و سهام، و جمال مصبرة علي العطش، و خيول مطهمة للنزال، و حتي رفوف من حمام مطوق زاجل، و قرود مدربة علي الرقص لعاري، و ببغاوات مفصحة النطق، و أفواج من الصقور الصاقرة، و من البزاة المجهزة للانقضاض.

أجل... ما باله هذا الخليفة الحامل كتاب الحق، و رسالة التجميع حول الحوض المطهر، لا يصون الأمة و يحميها من الحيف و هدر الدم!!! فليكن له من الزعم ما يبرر أوامره بتقويض مخيم كل مناعته بلس مشدودة علي أوتاد.!!!... ولكن عدل السماء و عدل القيمة الحاصلة في حضارة



[ صفحه 80]



الانسان، لا تجيز لحاكم - مهما تدنت فيه مراتب الوعي و مراتب الوجدان - ان يستبد ببلس المخيم، و يخنق كل من ينزل فيه من انسان و من حيوان!.

لم يكن علي قائد الجيش البالغ ثلاثين ألفا، و هو يطوق مخيما في كربلاء، لا ينزل فيه أكثر من مئة و ثمانين من النساء، و الأطفال، و المرضي المهازيل، و الرجال العزل، أن يتصرف كما تصرف، و أن يفعل ما فعل!!! لو أنه لم يكن الأحمق و الأجرم، لجاء ولف القوم ببلس خيامهم، و ساقهم علي رواحل خيولهم و جمالهم، الي سجن ممدود في أقبية بعض القصور التي شادها الحاكم الذي يرعي الرعية بالعدل و الروية...

سيحاكم القضاء اقوم، و سيعلمهم كيف يكونون المؤمنين الصالحين، لا المجرمين العاصين الهاربين من وجه العدالة، و النازلين في قلعة خلف مخيم...

أما بلس المخيم في كربلاء، فلم يثقبها: لا نبل أعور، و لا سهم من عماء، و لم توقص عنقا واحدا من أعناق أوتادها، لا يد من جريمة و لا جريمة من فيض غباء، انها لا تزال حية صامدة في عين الزمان...

ثقب واحد - فقط - أحدثته سبابة الباقر في بلاس من بلس المخيم المطل علي الساحة الهارب منها رجاء و عزاء و ضياء... سيدخل من هذا الثقب - بالذات - شعاع آخر، تستنير به الأمة في يثرب، بعد ثلاثة عقود جديدة يستلم فيها محمد بن زين العابدين زمام إمامة مقهورة، لا تجد أمامها من سبيل، غير تفجير العلم لمحو الجهل، و تبديد الحيف، و الظلم، و الاساءات!.

سيكون توسيع جامعة آل البيت، بعلم الفيزياء، و الكيمياء، و الجغرافيا، و ما شابهها من علوم الفلسفة، و الفقه، و الطب، و الحساب، ما يحرك الفهم، و المدارك، و القابليات المتحفزة في الذهن و البال... ستكون سبابة الباقر - و ان عمرها الآن أربع سنوات - شعاعا ناعما و ضئيلا



[ صفحه 81]



في لحظات الضحي، ولكنه سيكون مؤججا و سخيا عندما يبلغ ساعات الظهيرة.

سيكون الباقر - بعد الآن - قد عانق جده الكبير مساحات خلوده في أمة جده النبي: اماما في ظل امام. ان في الفصل الجديد الآتي وصلة البحث و تتمة الكلام.



[ صفحه 85]