بازگشت

مع الإمام زين العابدين


أما الإمام علي بن الحسين فان الأمة كلها بما امتد منها الي الكوفة و مخيمات كربلاء، لم تعرف كيف تمت صياغة اسمه بمعادلات عجيبة و لطيفة، حولت فيه حزن النفس من غبار كربلائي عجنته الهمجية بلعاب الكواسر، الي دموع حفارة في عمق اللواعج، فاندفق الألم - من الأغوار السنية - مزاهر مزاهر، توشي الأرض بالصلوات البكر، فان الخشوع الوسيع هو الذي يصفي الانسان من مخالبه، و أظافره، و يدغمه عطرا بسموات.

انه زين العابدين، ما احتوته يثرب حتي امتصته أدعية يزينها التقي بفهم، و علم، و بعد، فكري و روحي... انه أدب محبوك كما تحبك السجاجيد التي كانت تنام عليها في ايران أمه الأميرة شاهزنان قبل أن يتعرف اليها الإمام الحسين، و يقدم لها سجادة أخري هي سجادة الاسلام.

ولكن الهارب من شام يزيد منحورا بكل كراماته، ما التجأ الي خليته اليثربية حتي ينام في مخبأ... انما جاء يصوغ أدبا علي وزن أدب جده في نهج البلاغة، و راح يدور به في يثرب، يعلم الناس كيف يتخلصون من رجس النفس، و يعشقون الحق موصولا بسماء. لقد راح ينقل نفسه الي كل يثرب، و يشرحها ورعا، و يطبقها قولا و نهجا.

لقد كان الإمام زين العابدين مدرسة نقالة، ساعة في ردهات بيته العتيق، و ساعتين في بستانه الناهض بالنخيل، و أكثر من عشر ساعات في المسجد، و في رفقته في أغلب الأحيان - فتي تنام في عينيه دموع حمر، ولكن شيئا آخر، تحت جعادة شعره الأشعث، ما كان يريد أن يسفكها الا إذا نقعت غليلا، أوشفت عليلا...

فعلا - لقد قصد الإمام زين العابدين تعليم كل يثرب الصلاة



[ صفحه 142]



الرائعة، و بنوع خاص، فن الصلاة في مقاصدها البيعدة... ولكن الواقع - أيضا - فليوصف: فيثرب بالذات - و هي بين يديه - لم يتمرس بالقراءة فيها الا قليل قليل من مثل جابرالأنصاري، أما الأغلبية كلها فسجايا جميلة تعشش فيها البراءات، و هي تلمس حيطان المسجد - للتبرك - من دون أن تعرف كيف تكتب اسمه، أو تدرك كنهه.

أربعة هم الموصولون حتي الآن بخط الامامة المحجوزة، انهم احتراز النبي العظيم في بناء الأمة و استمرارية نشوئها من ساعة الصفر الي الساعة المنتظرة، ولكن الأربعة جميعهم و ان كانوا من صفوة النخبة فان الأمة لم تعرفهم الا بأسمائهم المسموعة، لا برموزهم المقروءة، لأن مدرسة واحدة لم تشأ في يثرب، و لا في غير يثرب، اللهم الا المسجد الذي سيوسعه الباقر... لقد بناه اليثربيون ببراءاتهم المعهودة، و نعمت البراءات لو تم لها التعهد المرسوم... ولكن التعهد لم يحصل، لأن القراءة لم تحصل.

ثم أي واحد من الأربعة المنخوبين لادارة الأمة، و تعهدها علي المجال الطويل لم يحجز في خلية ملغية و منسية، ثم تمكنوا من شطبه بلعقة سم. لقد كانت المعركة الكربلائية عاشوراء الحسين، و بدلا من أن يخطفه السم، خطفته الهمجية...