بازگشت

حلمه


كان الحلم من أبرز صفات الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فقد أجمع المؤرخون علي أنه لم يسيء الي من ظلمه واعتدي عليه، وانما كان يقابله بالبر والمعروف، ويعامله بالصفح والاحسان، وقد رووا صوراً كثيرة عن عظيم حلمه، كان منها:

1 ـ إن رجلاً كتابياً هاجم الإمام(عليه السلام) واعتدي عليه، وخاطبه بمرّ القول:

«أنت بقر!»

فلطف به الإمام، وقابله ببسمات طافحة بالمروءة قائلاً:

«لا أنا باقر»

وراح الرجل الكتابي يهاجم الإمام قائلاً:

«أنت ابن الطبّاخة!»

فتبسّم الإمام، ولم يثره هذا الاعتداء بل قال له:

«ذاك حرفتها».

ولم ينته الكتابي عن غيّه، وإنما راح يهاجم الإمام قائلاً:

«أنت ابن السوداء الزنجية البذية!»

ولم يغضب الإمام(عليه السلام)، وإنما قابله باللطف قائلاً:

«إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك».

وبهت الكتابي، وانبهر من أخلاق الإمام(عليه السلام) التي ضارعت أخلاق



[ صفحه 27]



الأنبياء. فأعلن إسلامه [1] واختار طريق الحق.

2 ـ ومن تلك الصور الرائعة المدهشة من حلمه: أن شامياً كان يختلف إلي مجلسه، ويستمع إلي محاضراته، وقد أعجب بها، فأقبل يشتدّ نحو الإمام وقال له:

يا محمّد إنما أغشي مجلسك لا حبّاً مني إليك، ولا أقول: إن أحداً أبغض إليَّ منكم أهل البيت، واعلم أن طاعة الله، وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكني أراك رجلاً فصيحاً لك أدب وحسن لفظ، فإنّما اختلف إليك لحسن أدبك!!.

ونظر إليه الإمام(عليه السلام) بعطف وحنان، وأخذ يغدق عليه ببرّه ومعروفه حتي تنبّه الرجل وتبين له الحق، وانتقل من البغض الي الولاء للإمام(عليه السلام)، وظلّ ملازماً له حتي حضرته الوفاة فأوصي أن يصلي عليه [2] .

وحاكي الإمام الباقر(عليه السلام) بهذه الأخلاق الرفيعة جدّه الرسول (صلي الله عليه وآله) الذي استطاع بسموّ أخلاقه أن يؤلّف بين القلوب، ويوحّد بين المشاعر والعواطف ويجمع الناس علي كلمة التوحيد بعد ما كانوا فرقاً وأحزاباً.


پاورقي

[1] مناقب آل أبي طالب: 3 / 337، بحارالأنوار: 46 / 289، الأنوار البهيّة: 142، مستدرك البحار: 2 / 383.

[2] بحار الانوار: 11 / 66.