بازگشت

صبره


لقد كان الصبر من الصفات الذاتية للأئمة الطاهرين من أهل البيت(عليهم السلام) فقد صبروا علي مكاره الدهر، ونوائب الأيام، وصبروا علي تجرّع الخطوب التي تعجز عن حملها الجبال، فقد استقبل الإمام الحسين (عليه السلام) علي صعيد كربلاء أمواجاً من المحن الشاقة التي تذهل كل كائن حي، مترنّماً



[ صفحه 28]



بقوله(عليه السلام): «صبراً علي قضائك يا رب، لا معبود سواك».

وصبر الإمام الباقر (عليه السلام) كآبائه علي تحمل المحن والخطوب. وإليك بعض تلك المحن:

1 ـ انتقاص السلطة لآبائه الطاهرين، وإعلان سبّهم علي المنابر والمآذن، وهو (عليه السلام) يسمع ذلك، ولا يتمكن أن ينبس ببنت شفة فصبر وكظم غيظه، وأوكل الأمر الي الله الحاكم بين عباده بالحق.

2 ـ ومن بين المحن الشاقة التي صبر عليها التنكيل الهائل بشيعة أهل البيت (عليهم السلام) وملاحقتهم تحت كل حجر ومدر وقتلهم بأيدي الجلادين من عملاء السلطة الاموية، وهو لا يتمكن أن يحرك ساكناً، وقد فرضت عليه السلطة الرقابة الشديدة، ورفضت كل طلب له في شأن شيعته.

3 ـ وروي المؤرخون عن عظيم صبره انه كان جالساً مع أصحابه إذ سمع صيحة عالية في داره، فأسرع اليه بعض مواليه فأسرّ إليه بشيء فقال (عليه السلام):

«الحمد لله علي ما أعطي، وله ما أخذ، إنْهَهُم عن البكاء، وخذوا في جهازه، واطلبوا السكينة، وقولوا لها: لا ضير عليك أنت حرة لوجه الله لما تداخلك من الروع...».

ورجع إلي حديثه، فتهيّب القوم سؤاله، ثم أقبل غلامه فقال له: قد جهّزناه، فأمر أصحابه بالقيام معه للصلاة علي ولده ودفنه، وأخبر أصحابه بشأنه فقال لهم: إنه قد سقط من جارية كانت تحمله فمات [1] .

4 ـ وروي أيضاً: أنه كان للإمام(عليه السلام) ولد وكان أثيراً عنده فمرض فخشي علي الإمام لشدة حبه له، وتوفي الولد فسكن صبر الإمام، فقيل له: خشينا عليك يا ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فأجاب وهو مليُّ بالاطمئنان والرضا بقضاء الله قائلاً:



[ صفحه 29]



«إنّا ندعو الله فيما يحب فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما يحب» [2] .

لقد تسلّح الإمام(عليه السلام) بالصبر أمام نوائب الدنيا وقابل كوارث الدهر بإرادة صلبة، وإيمان راسخ، وتحمّل الخطوب في غير ضجر ولا سأم محتسباً في ذلك الأجر عند الله تعالي.


پاورقي

[1] عيون الاخبار وفنون الآثار: 218.

[2] تأريخ دمشق: 51 / 52، عيون الاخبار لابن قتيبة: 3 / 57.