بازگشت

جهاد أهل البيت ودور الإمام الباقر


ترتكز العملية التربوية علي ثلاثة عناصر أساسية هي: المربي والنظام التربوي والمتربّي. وحينما تفتقد العملية التربوية المربّي الكفوء أو النظام التربوي الصالح فإنها سوف تنحرف ولا تؤتي ثمارها الصالحة.

وقد جاء الإسلام ليربّي المجتمع البشري بقيادة الرسول الخاتم المصطفي محمد بن عبدالله(صلي الله عليه وآله)، وخطي النبي(صلي الله عليه وآله) في طريق التربية الشاق خطوات كبيرة، واستطاع في ظلّ الشريعة الاسلامية ونظام الإسلام التربوي أن يربّي من تلك الجماعات الجاهلية اُمّة صالحة ورشيدة.

ولكن فقدت الاُمة الاسلامية المربّي الكفوء حين غادرها الرسول(صلي الله عليه وآله) الي ربّه، وبهذا انهدم العنصر الأوّل من عناصر التربية الثلاثة.

وكان انهدام هذا العنصر كفيلاً بهدم العنصرين الآخرين إذ لم يكن مَن تزعّم قيادة التجربة بعد النبي(صلي الله عليه وآله) كفوءاً لها ككفاءة النبي نفسه، علماً وعصمةً ونزاهةً وقدرةً وشجاعةً وكمالاً.

أجل; لقد تزعّم التجربة مَن لم يكن معصوماً ولا منصهراً في مفاهيم الرسالة ولا قادراً علي حفظ الاُمّة من الانحراف عن الخط الذي رسمه الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) لها، ذلك الانحراف الذي لم يعرف المسلمون مدي عمقه



[ صفحه 56]



ومدي تأثيره السلبي علي الدولة والاُمّة والشريعة علي طول الخط ولعلّهم اعتبروه تغييراً في شخص القائد لا تغييراً في خط القيادة.

وقد قام الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) بدور جبّار لصيانة الإسلام والحفاظ علي التجربة الاسلامية وعلي دولة الرسول وحاولوا جهد إمكانهم حفظ الاُمّة المسلمة من التمادي في الانحراف والانهيار، وعملوا بشكل عام علي خطّين رئيسين للوقوف بوجه هذا الانحراف الكبير الذي لم يدرك إلاّ الرسول(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار مدي عمقه وخطورته علي الشريعة والدولة والاُمة جميعاً.

والخطّان الرئيسان اللذان عمل الأئمة(عليهم السلام) عليهما وكان عليهم أن يوظّفوا لذلك نشاطهم يتمثّلان في:

1 ـ خط تحصين الاُمة ضد الانهيار بعد وقوع التجربة، بأيدي اُناس غير مؤهّلين لقيادتها، واعطائها القدر الكافي من المقومات لكي تواصل مسيرتها في الاتجاه الصحيح، وبقدم راسخة.

2 ـ خط محاولة تسلّم زمام التجربة وزمام الدولة ومحو آثار الانحراف وإرجاع القيادة الكفوءة إلي موضعها الطبيعي لتكتمل عناصر التربية ولتتلاحم الاُمة والمجتمع مع الدولة والقيادة الرشيدة [1] .

اما الخط الثاني فكان علي الأئمة الراشدين أن يقوموا له بإعداد طويل المدي، من أجل تهيئة الظروف الموضوعية اللازمة التي تتناسب مع مجموعة القيم والأهداف والأحكام الاساسية التي جاءت بها الرسالة الاسلامية وأريد تحقيقها من خلال الحكم وممارسة الزعامة باسم الإسلام القيّم وباسم الله المشرّع للانسان تشريعاً يوصله إلي كماله اللائق به.



[ صفحه 57]



ومن هنا كان رأي الأئمة الأطهار في استلام زمام الحكم هو: أنّ الانتصار المسلّح الآنيّ غير كاف لإقامة دعائم الحكم الاسلاميّ المستقر، بل يتوقف ذلك علي إعداد جيش عقائدي يؤمن بالامام وبعصمته إيماناً مطلقاً ويعيش جميع أهدافه الكبيرة، ويدعم تخطيطه في مجال الحكم، ويحرس ما يحقّقه للاُمة من مصالح أرادها الله لها في هذه الحياة.

وأما الخط الأوّل فهو الخط الذي لا يتنافي مع كل الظروف القاهرة والمؤاتية، وكان يمارسه الأئمة(عليهم السلام) حتي في حالة الشعور بعدم توفر الظروف الموضوعية التي تسمح للإمام بخوض معركة يتسلّم من خلالها زمام الحكم من جديد.

ان هذا الخط يتمثّل في تعميق الرسالة فكرياً وروحيّاً وسياسياً في الاُمة نفسها; بغية إيجاد تحصين كاف في صفوفها ضدّ الانهيار، بعد تردّي التجربة وسقوطها، وذلك بايجاد قواعد واعية في الاُمة وايجاد روح رسالية فيها وايجاد عواطف صادقة تجاه هذه الرسالة في الاُمة [2] .

واستلزم عمل الأئمة الأطهار(عليهم السلام) في هذين الخطّين قيامهم بدور رساليّ إيجابي وفعّال علي طول الخط لحفظ الرسالة والاُمة والدولة وحمايتها جميعاً باستمرار.

وكلما كان الانحراف يشتدّ كان الائمة الأطهار يتّخذون التدابير اللازمة ضد ذلك. وكلما وقعت محنة للعقيدة أو التجربة الاسلامية وعجزت الزعامات المنحرفة من علاجها ـ بحكم عدم كفاءتها ـ بادر الأئمة(عليهم السلام) إلي تقديم الحلّ ووقاية الاُمة من الأخطار التي كانت تهدّدها.



[ صفحه 58]



فالأئمة المعصومون(عليهم السلام) كانوا يحافظون علي المقياس العقائدي في المجتمع الاسلامي إلي درجة لا تنتهي بالاُمة إلي الخطر الماحق لها [3] .

ومن هنا تنوّع عمل الأئمة(عليهم السلام) في مجالات شتّي باعتبار تعدّد العلاقات وتعدّد الجوانب والمهامّ التي تهمّهم باعتبارهم القيادة الواعية الرشيدة التي تريد تطبيق الإسلام وحفظه للانسانية جمعاء.

فالأ ئمة الأطهار (عليهم السلام) مسؤولون عن صيانة تراث الرسول الاعظم(صلي الله عليه وآله) وثمار جهوده الكريمة المتمثلة في النقاط الأربع التالية:

1 ـ الشريعة والرسالة التي جاء بها الرسول الأعظم من عند الله تعالي والمتمثلة في الكتاب الكريم والسنة الشريفة.

2 ـ الاُمة التي كوّنها وربّاها الرسول الكريم بيديه الكريمتين.

3 ـ الكيان السياسي الاسلامي الذي أوجده النبي (صلي الله عليه وآله) والدولة التي أسسها وشيّد أركانها.

4 ـ القيادة النموذجية التي حققها بنفسه وربّي من يكون كفوءً لتجسيدها من أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

لكنّ عدم امكان الحفاظ علي هذا المركز القيادي وتفويت الفرصة علي القيادة التي عيّنها الرسول(صلي الله عليه وآله) بأمر من الله تعالي لا يمنع من ممارسة مسؤولية الحفاظ علي المجتمع الاسلامي السياسي وصيانة الدولة الاسلامية من الانهيار بالقدر الممكن الذي يتسنّي للقيادة الشرعية بالفعل وبمقدار ما تسمح به الظروف الراهنة.

كما ان سقوط الدولة الاسلامية لا يحول دون الاهتمام بالاُمة المسلمة



[ صفحه 59]



ودون الاهتمام بالرسالة والشريعة الإسلامية وصيانتها من الانهيار والاضمحلال التام.

وعلي هذا الاساس تنوّعت مجالات عمل الائمة الطاهرين(عليهم السلام) بالرغم من اختلاف ظروفهم من حيث نوع الحكم القائم، ومن حيث درجة ثقافة الأمة ومدي وعيها، ومدي إيمانها ومعرفتها بالأئمة(عليهم السلام)، ومدي انقيادها للحكام المنحرفين، ومن حيث نوع الظروف المحيطة بالكيان الاسلامي والدولة الاسلامية، ومن حيث درجة التزام الحكّام بالاسلام، ومن حيث نوع الأدوات التي كانوا يستخدمونها لدعم حكمهم وإحكام سيطرتهم علي رقاب الاُمّة.

فقد كان لائمة أهل البيت(عليهم السلام) نشاط مستمر تجاه الحكم القائم والزعامات المنحرفة، وقد تمثّل في إيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف، بالتوجيه الكلامي، أو بالثورة المسلحة ضد الحاكم حينما كان يشكّل انحرافه خطراً ماحقاً، كثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ضد يزيد بن معاوية وان كلّفهم ذلك حياتهم، أو عن طريق إيجاد المعارضة المستمرة ودعمها بشكل وآخر من أجل زعزعة القيادة المنحرفة بالرغم من دعمهم للدولة الاسلامية بشكل غير مباشر حينما كانت تواجه خطراً ماحقاً أمام الكيانات الكافرة.

وكان لهم(عليهم السلام) نشاط مستمر كذلك في مجال تربية الاُمة عقائدياً وأخلاقياً وسياسيّاً وذلك من خلال تربية الأصحاب العلماء وبناء الكوادر العلمية والشخصيات النموذجية التي تقوم بمهمة نشر الوعي والفكر الاسلامي وتصحيح الأخطاء الحاصلة في فهم الرسالة والشريعة، ومواجهة التيارات الفكرية الوافدة أو التيارات السياسية المنحرفة أو الشخصيّات العلمية المنحرفة التي كان الحكام الجائرون يستخدمونهم لدعم حكوماتهم. وكانت



[ صفحه 60]



من جملة مهامّهم دعوة الناس الي السير وراء القيادة الإلهية بعد الرسول(عليهم السلام) والمتمثّلة في إمامة أهل البيت الأطهار، وتصعيد درجة معرفة الاُمة والايمان بهم والوعي اللازم تجاه امامتهم وزعامتهم.

هذا بالإضافة الي نزول الأئمة(عليهم السلام) إلي ساحة الحياة العامة والارتباط بالاُمة بشكل مباشر والتعاطف مع قطّاع واسع من المسلمين; فإن الزعامة الجماهيرية الواسعة النطاق التي كان يتمتع بها أئمة أهل البيت(عليهم السلام) علي مدي قرون لم يحصلوا عليها صدفة، أو لمجرد الانتماء الي رسول الله(صلي الله عليه وآله); وذلك لوجود كثير ممن كان ينتسب إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله) ولم يكن يحظي بهذه المكانة عند الناس; لأن الاُمة لا تمنح ولاءها لأحد مجاناً، ولا يملك أحدٌ قيادتها وميل قلوبها من دون عطاء سخيّ منه في مختلف مجالات الحياة، وخاصّة عند الأزمات، والمشاكل.

وهكذا خرج الإسلام علي مستوي النظرية سليماً من الانحراف وان تشوّهت معالم التطبيق، كما أنّ بفضل قيادة أهل البيت الفكرية والمعنوية تحوّلت الاُمة إلي اُمة عقائدية تقف بوجه الغزو الفكري والسياسي الكافر واستطاعت أن تسترجع قدرتها وتماسكها علي المدي البعيد كما لاحظناه في القرن المعاصر بعد عصور الانهيار والتردي.

وقد حقق الأئمة المعصومون (عليهم السلام) كل هذه الانتصارات بفضل اهتمامهم البليغ بتربية الكتلة الصالحة التي آمنت بهم وبإمامتهم وبفضل إشرافهم علي تنمية وعي هذه الكتلة وايمانها من خلال التخطيط لسلوكها وحمايتها باستمرار واسعافها بكل الأساليب التي كانت تساعد علي صمودها في خضمّ المحن وارتفاعها إلي مستوي جيش عقائدي رساليّ يعيش هموم الرسالة ويعمل علي صيانتها ونشرها وتطبيقها ليل نهار.



[ صفحه 61]




پاورقي

[1] أهل البيت، تنوع أدوار ووحدة هدف: 59.

[2] أهل البيت، تنوع ادوار ووحدة هدف: 131 ـ 132 و147 ـ 148.

[3] أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف: 144.