بازگشت

الوليد بن عبدالملك


واستولي الوليد بن عبدالملك علي الحكم بعد هلاك أبيه في النصف من شوال سنة (86 هـ) ولم تكن فيه أية صفة من صفات النبل بحيث تؤهله للخلافة، وإنما كان جباراً ظالماً [1] وكان يغلب عليه اللحن، وقد خطب في المسجد النبوي، فقال: يا أهل المدينة ـ بالضم ـ مع أن القاعدة تقتضي نصبه لأنه منادي مضاف.

وخطب يوماً فقال: يا ليتها كانت القاضية ـ وضم التاء ـ فقال عمر بن عبدالعزيز: عليك وأراحتنا منك [2] وعاتبه أبوه علي إلحانه، وقال: إنه لا يلي العرب إلا من يحسن كلامهم، فجمع أهل النحو ودخل بيتاً فلم يخرج منه ستة أشهر، ثم خرج منه، وهو أجهل منه يوم دخل [3] .

وطعن عمر بن عبدالعزيز في حكومته فقال: إنه ممن امتلأت الأرض به جوراً [4] ويقول المؤرخون: إنه كان كثير النكاح والطلاق إذ يقال: إنه تزوج ثلاثاً وستين امرأة [5] غير الإماء.

وفي عهد الوليد قتل الحجاج سعيد بن جبير التابعي صبراً وكان قتله من الأحداث الجسام التي روّع بها العالم الإسلامي.

وكانت مدة خلافته تسع سنين وسبعة أشهر، توفي بدير مروان



[ صفحه 78]



سنة (96 هــ) وكان عمره خمساً وأربعين سنة [6] .

ثم بويع سليمان بن عبدالملك بعهد من أبيه بعد هلاك أخيه في جمادي الآخرة سنة (96 هـ) فاستلم الحكم ونكّل بآل الحجاج تنكيلاً فظيعاً، وعهد بتعذيبهم الي عبدالملك بن المهلب [7] وعزل جميع عمّال الحجاج واطلق في يوم واحد من سجنه واحداً وثمانين ألفاً، وأمرهم أن يلحقوا بأهاليهم، ووجد في السجن ثلاثين ألفاً ممن لا ذنب لهم وثلاثين ألف امرأة [8] وكانت هذه من مآثره وألطافه علي الناس.

لكنه كان مجحفاً أشد الاجحاف في جباية الخراج فقد كتب الي عامله علي مصر اسامة بن زيد التنوخي رسالة جاء فيها: «احلب الدر حتي ينقطع، واحلب الدم حتي ينصرم». وقدم عليه اسامة بما جباه من الخراج، وقال له: إني ما جئتك حتي نهكت الرعية وجهدت فان رأيت أن ترفق بها وترفه عليها، وتخفف من خراجها ما تقوي به علي عمارة بلادها فافعل فانه يستدرك ذلك في العام المقبل فصاح به سليمان: «هبلتك اُمك احلب الدر، فاذا انقطع فاحلب الدم» [9] .

ودلت هذه البادرة علي تجرده من الرحمة والرأفة علي رعيته، فقد أمات الحركة الاقتصادية، وأشاع الفقر والبؤس في البلاد.

وكان شديد الاعجاب بنفسه، حتي أ نّه لبس يوماً أفخر ثيابه وراح يقول: أنا الملك الشاب المهاب، الكريم، الوهاب، وتمثلت أمامه إحدي



[ صفحه 79]



جواريه فقال لها: كيف ترين أمير المؤمنين؟!!

فقالت: أراه مني النفس، وقرة العين، لولا ما قال الشاعر...

فقال لها: ما قال:؟

قالت: إنه قال:



أنت نعم المتاع لو كنت تبقي

غير أن لا بقاء للإنسان



ليس فيما بدا لنا منك عيب

عابه الناس غير أنّك فاني



فكانت هذه الأبيات كالصاعقة علي رأسه، فقد تبدد جبروته وإعجابه بنفسه، ولم يمكث إلا زمناً يسيراً حتي هلك [10] وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام، وتوفي يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة (99 هـ) [11] .


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء: 223.

[2] تاريخ ابن الأثير: 4 / 138.

[3] المصدر السابق.

[4] تاريخ الخلفاء للسيوطي: 223.

[5] الاناقة في مآثر الخلافة: 1 / 133.

[6] تاريخ ابن الأثير: 4 / 138.

[7] المصدر السابق: 4 / 138.

[8] تاريخ ابن عساكر: 5 / 80.

[9] الجهشياري: 32.

[10] مروج الذهب: 3 / 113.

[11] تاريخ ابن الأثير: 4 / 151.