بازگشت

الانحراف الفكري والعقائدي


ازداد الانحراف في عهود الملوك المتعاقبين علي الحكم، وكان للافكار والعقائد نصيبها الاكبر من هذا الانحراف، ولم يكترث الحكّام بهذا الانحراف بل شجّعوا عليه; لأنه كان يخدم مصالح الحكم القائم، ويشغل المسلمين عن همومهم الأساسية وبخاصة التفكير في مجال تغيير الاوضاع وإعادتها الي ما كانت عليه في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).

فكثرت في عهد الاُمويين الانحرافات الفكرية والعقائدية وتعدّدت



[ صفحه 98]



وتعاظمت، وأصبح لها أتباع وأنصار، وتحولت الي تيارات وكيانات خالف الكثير منها الاُسس الواضحة للعقيدة الاسلامية، وابتدعوا ما لا يجوز من الاُمور المخالفة للقرآن الكريم وللسنة النبوية، فانتشرت أفكار الجبر والتفويض والإرجاء، كما انتشرت أفكار التجسيم وتشبيه الله تعالي بخلقه، وكثرت الشبهات حول ثوابت العقيدة، وكثر الحديث حول ماهية الله تعالي وذاته، وتنوّعت تيّارات الغلوّ، حتي زعم البعض حلول الذات الإلهية في قوم من الصالحين، وقالوا بالتناسخ، وانتشرت الزندقة، فجحدوا البعث والنشور، وأسقطوا الثواب والعقاب وزُوِّرت الأحاديث والروايات واختُلِق كثير منها; لدعم التسلط الاُموي، كما راج اختلاق الفضائل لصالح المنحرفين من الصحابة، وطرحت نظرية عدالة جميع من صحب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أو رآه أو ولد في عهده، بينما منعوا ـ من جانب آخر ـ من نشر فضائل أهل البيت(عليهم السلام).

وكان للحكّام دور كبير في تشجيع هذا الانحراف المتمثّل في اختلاق النصوص وقد وصف الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) ذلك قائلاً: «إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها علي ثلاثة أقسام: أحدها: الغلو. وثانيها: التقصير في أمرنا. وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا» [1] .

وانتشرت ظاهرة الإفتاء بالرأي، وراج القياس في الأحكام والتفسير بالرأي لآيات القرآن المجيد، كما انتشرت أفكار التصوّف والاعتزال عن الحياة، وفصل الدين عن السياسة.

وأشغل الحكّام كثيراً من الناس بالجدل في المسائل العقلية التي لا فائدة فيها، وشجّعوا علي اقامة مجالس المناظرة والجدل العقيم في ذات الله تعالي وفي الملائكة، وفي قدم القرآن أو حدوثه.



[ صفحه 99]



وهكذا كان للحكّام دور كبير في خلق المذاهب المنحرفة والتشجيع عليها، لا سيّما بعض المذاهب التي كانت تحمل شعار الانتساب الي أهل البيت (عليهم السلام) كالكيسانية لغرض شق صفوف أتباع أهل البيت (عليهم السلام) الذين كانوا يستهدفون الواقع السياسي المنحرف.


پاورقي

[1] عيون أخبار الرضا: 1 / 304.