بازگشت

الانحراف السياسي


اتّبع الحكّام الاُمويون سياسة من سبقهم في تحويل الخلافة الي ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء دون سابقة علم أو تقوي، وتوزيع المناصب المهمّة والحسّاسة في الدولة علي ابنائهم واقربائهم والمتملقين لهم، واستبدوا بالأمر فلا شوري ولا استشارة إلاّ مع المنحرفين والفسّاق من بطانتهم. ولشعورهم بعدم الاحقيّة بالخلافة استمروا علي نهج من سبقهم في اتخاذ الارهاب والتنكيل وسيلة لتثبيت سلطانهم، فحينما وجد الوليد بن عبد الملك أنّ ولاية عمر بن عبد العزيز علي مكة والمدينة قد أصبحت ملجأً للهاربين من ظلم بقية الولاة، قام بعزله [1] تنكيلاً منه بالمعارضين وارهابهم وغلق منافذ السلامة أمامهم.

وكان سليمان بن عبدالملك محاطاً بثُلّة من الرجال الذين عرفوا بفسقهم وانحرافهم وسوء سيرتهم كما وصفهم أعرابيّ عنده، بعد أن أخذ منه الأمان، فقال له: يا أمير المؤمنين، انه قد تكنّفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، وابتاعوا دنياهم بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله، ولم يخافوا الله فيك، حرب للآخرة وسلم للدنيا، فلا تأمنهم علي ما يأمنك الله عليه، فإنّهم لم يأتوا إلاّ ما فيه تضييع وللاُمة خسف وعسف، وأنت مسؤول عما اجترموا،



[ صفحه 100]



وليسوا مسؤولين عمّا اجترمت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك [2] .

واتّبع ابناء عبد الملك الوليد وسليمان سيرة أبيهم، والتزموا بوصيته في قتل الرافضين للبيعة، والتي جاء فيها: ادع الناس الي البيعة، فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا [3] .

وأقرّ كثير من الفقهاء سياسة الحكّام الأمويين خوفاً أو طمعاً أو استسلاماً للأمر الواقع، فقد أقرّوا ما ابتدعوا من ممارسات في تولية الحكم كالعهد الي اثنين أو أكثر، فقد عهد سليمان بالحكم الي عمر بن عبد العزيز ومن بعده ليزيد بن عبد الملك، فأقرّ كثير من الفقهاء ذلك، حتي أصبحت نظرية من نظريات تولّي الحكم [4] .

وحينما تولّي عمر بن عبد العزيز الحكم حدث انفراج نسبي في السياسة الاُموية، كما لاحظنا، وقام ببعض الاصلاحات ومنح الحرية النسبية للمعارضين، وألغي بدعة سبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وردّ الي أهل البيت (عليهم السلام) بعض حقوقهم، واعترف بالممارسات الخاطئة لأسلافه من الحكّام، حتي امتدحه الإمام الباقر (عليه السلام) علي ذلك [5] .

ولكن حكمه لم يدم طويلاً ; إذ عاد الوضع الي ما كان عليه.

وامتازت هذه المرحلة بسرعة تبدّل الحكّام، فقد حكم سليمان ثلاث سنين، وحكم عمر بن عبد العزيز ثلاث سنين أو أقل، وحكم يزيد بن عبد الملك أربع سنين، وكان كل حاكم ينشغل بالإجهاز علي ولاة من سبقه، وكثرت الاختلافات في داخل البيت الاُموي تنافساً علي الحكم، كما كثرت



[ صفحه 101]



الفتن الداخلية في عهدهم، حتي قام قتيبة بن مسلم بخلع سليمان والاستقلال في خراسان [6] .

وقام يزيد بن المهلب في سنة (101 هـ) بخلع يزيد بن عبد الملك وجهّز اليه يزيد من قتله وقتل أتباعه.

وأحاط يزيد نفسه بالمتملّقين الذين يبررون له انحرافاته حتي افتوا له انه ليس علي الخلفاء حساب [7] .

وهكذا كانت الاُمة الاسلامية محاطة بالمخاطر من كل جانب، ففي سنة (104 هـ) ظفر الخزر بالمسلمين وانتصروا عليهم في بعض الثغور.

وفي عهد هشام بن عبد الملك ازداد الارهاب والتنكيل بأهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم وسائر المعارضين، حتي اجترأ هشام بن عبدالملك علي سجن الإمام الباقر (عليه السلام) وأقدم علي اغتياله [8] وأصدر أوامره بقتل بعض أتباع الإمام الباقر (عليه السلام) إلاّ أنّ الإمام استطاع أن ينقذهم من القتل [9] .

والتجأ الكثير الي العمل السرّي للإطاحة بالحكم الاُموي، فكان العباسيون يعدّون العدّة ويبثون دعاتهم في الاقاليم البعيدة عن مركز الحكومة وخصوصاً في خراسان، وأخذ زيد ابن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يعدّ العدّة للثورة علي الاُمويين في وقتها المناسب، لأنّ الاُمويين كانوا قد أحصوا انفاس الناس عليهم لكي لا يتطرقوا إلي انحرافاتهم السياسية أو يعلنوا عن معارضتهم لها.



[ صفحه 102]




پاورقي

[1] الكامل في التاريخ: 4 / 577.

[2] الكامل في التاريخ: 3 / 178.

[3] البداية والنهاية: 9 / 161.

[4] الاحكام السلطانية: 13، الماوردي.

[5] الكامل في التاريخ: 5 / 62.

[6] تاريخ ابن خلدون: 5 / 151.

[7] البداية والنهاية: 9 / 232.

[8] مناقب آل أبي طالب: 4 / 206.

[9] بحار الانوار: 46 / 283.