بازگشت

الانحراف الاخلاقي


لقد حوّل الاُمويون الانظار الي الغزوات، وحشّدوا جميع الطاقات البشريّة والمادّية باتجاه الغزوات; وذلك من أجل إشغال المسلمين عن التحدّث حول الاوضاع المنحرفة، وعن التفكير في العمل السياسي أو الثوري لاستبدال نظام الحكم بغيره، ولم يكن هدفهم نشر مفاهيم وقيم الإسلام كما يتصوّر البعض ذلك، لأنّهم كانوا قد خالفوا هذه المفاهيم والقيم في سياستهم الداخلية، وداسوا كثيراً من المقدسات الاسلامية، وشجّعوا علي الانحرافات الفكرية.

وأدّي توسّع عمليات الفتح والغزو الي خلق الاضطرابات في المجتمع الإسلامي وتشتيت الاُسر بغياب المعيل أو فقدانه، كما كثرت الجواري والغلمان ممّا أدّي الي التشجيع علي الانحراف باقتناء الأثرياء للجواري المغنّيات وتملك المخنثين، وانتقل الانحراف من البلاط الي الاُمّة تبعاً لانحراف الحكّام وفسقهم، فقد انشغلوا باللهو والانسياق وراء الشهوات دون حدود أو قيود حتي كثر الغزل والتشبيب بالنساء في عهد الوليد بن عبد الملك بشكل خاص [1] .

وكانت همّة سليمان بن عبد الملك في النساء، وانعكس ذلك علي المجتمع حتي كان الرجل يلقي صاحبه فيقول له: كم تزوجت؟ وماذا عندك من السراري؟ [2] .

وقد وصف أبو حازم الاعرج الوضع الاجتماعي والاخلاقي مجيباً سليمان بن عبد الملك علي سؤاله: ما لنا نكره الموت؟ بقوله: لأنكم عمّرتم



[ صفحه 103]



دنياكم وأخربتم آخرتكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران الي الخراب [3] .

وكان سليمان يسابق بين المغنيين ويمنح السابقين الجوائز الثمينة [4] ، ويجزل العطاء للمغنيات. كما ازداد عدد المخنثين في عهده [5] .

وأقبل يزيد بن عبد الملك علي شرب الخمر واللهو [6] ، ولم يتب من الشراب الاّ اسبوعاً حتي عاد اليه بتأثير من جاريته حبّابة [7] .

وكان يقول: ما يقرّ عيني ما أوتيت من أمر الخلافة حتي اشتري سلامة وحبّابة فارسل من يشتريهما له [8] .

وهكذا وصل الانحراف الي ذروته، حينما أصبح اللهو والمجون من اُولي هموم حكّام الدولة.

وليس غريباً أن تنحرف الاُمة بانحراف حكامها وولاتهم وأجهزة الدولة، وبهذا الانحراف كانت تبتعد الاغلبية من الناس عن الاهداف الكبري التي حددها المنهج الاسلامي، ولا تكترث بالاحداث والمخاطر المحيطة بالوجود الاسلامي.


پاورقي

[1] الاغاني: 6 / 219.

[2] البداية والنهاية: 9 / 165.

[3] مروج الذهب: 3 / 177.

[4] الاغاني: 1 / 317.

[5] المصدر السابق: 4 / 272.

[6] مروج الذهب: 3 / 196.

[7] الاغاني: 15 / 295.

[8] المصدر السابق: 8 / 346.