بازگشت

الانحراف في الميدان الاقتصادي


لقد تصرّف الحكّام بالأموال العامّة وكأنّها ملك شخصي لهم، فكانوا ينفقونها حسب رغباتهم واهوائهم، علي ملذاتهم وشهواتهم وكان للجواري والمغنيين نصيب كبير في بيت المال، كما كانوا ينفقون الأموال لشراء الذمم



[ صفحه 104]



والضمائر، ويمنحونها لمن يشترك في تثبيت سلطانهم أو مدحهم والثناء عليهم، فقد مدح النابغة الشيباني يزيد بن عبد الملك فأمر له بمائة ناقة، وكساه وأجزل صلته [1] .

فتنافس الشعراء فيما بينهم للحصول علي مزيد من الأموال كما تنافس المغنّون لنيل الهدايا من الحكام أو ولاتهم.

وكان الحكّام يعيشون في أعلي مراتب الترف والبذخ، ويبذّرون أموال المسلمين علي لهوهم وشهواتهم، وعلي المقربين لهم، في وقت كان كثير من الناس يعيشون حياة الفقر والجوع والحرمان.

وازداد التمييز الطبقي حينما عُطِّل مبدأ التكافل الاجتماعي، ولم تكترث الدولة بمعاناة الناس وهمومهم ولم تتدخل في الحث علي الانفاق.

وقد ضاعف الحكّام من الضرائب، فاضافوا ضرائب جديدة علي الصناعات والحرف وخصوصاً في عهد هشام بن عبد الملك، الذي كان ينفق ما تجمّع لديه علي الشعراء المادحين له [2] .

وقد وصف سليمان بن عبد الملك حالات الترف والمجون التي وصلوا اليها قائلاً: قد أكلنا الطيب، ولبسنا اللين، وركبنا الفاره، ولم يبق لي لذة إلاّ صديق أطرح معه فيما بيني وبينه مؤنة التحفظ [3] .

وهكذا انساق الناس ـ وخصوصاً ـ أتباع الاُمويين وراء شهواتهم ورغباتهم، وانشغل الكثير في السعي للحصول علي الأموال بأي وجه أمكن.



[ صفحه 105]




پاورقي

[1] الاغاني: 7 / 109.

[2] المصدر السابق: 1 / 339.

[3] مروج الذهب: 3 / 76.