بازگشت

الاصلاح الاقتصادي


لم يكن الإمام (عليه السلام) علي رأس سلطة حتي يستطيع اصلاح الاوضاع الاقتصادية اصلاحاً عملياً وجذريّاً، ولذا اقتصر (عليه السلام) علي نشر المفاهيم الاسلامية المرتبطة بالحياة الاقتصادية السليمة متمثّلة في النظام الاقتصادي الاسلامي، والتي تعصم مراعاتها الانسان والمجتمع من الانحراف الاقتصادي التي من أسبابها: الانسياق وراء اشباع الشهوات اشباعاً مخلاً بالتوازن الاقتصادي، فحدّد الإمام (عليه السلام) الاهداف المتوخاة من التصرّف بالاموال، إذ جعل الله المال وسيلة لتحقيق الهدف الذي خلق الانسان من أجله، وهو الوصول الي عبادة الله تعالي، وتطبيق منهجه في الحياة، قال(عليه السلام): «نعم العون الدنيا علي طلب الآخرة» [1] .

وأوضح الأهداف المشروعة التي يبتغي طلب المال من أجلها، فقال(عليه السلام): «من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس، وتوسيعاً علي أهله، وتعطفاً علي جاره ; لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر» [2] .

واستعان (عليه السلام) بالأحاديث الشريفة الواردة في ضرورة المشروعية في التصرفات الاقتصادية، فروي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) انّه قال: «العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال» [3] .

وأكّد (عليه السلام) علي حرمة جملة من التصرفات المالية كالتطفيف في المكيال، إذ قال (عليه السلام): «اُ نْزِل في الكيل: (ويل للمطففين)، ولم يجعل الويل لأحد



[ صفحه 132]



حتي يسميه كافراً...» [4] .

كما دعا(عليه السلام) الي استصلاح المال وتنمية الثروة بشكل صحيح بقوله(عليه السلام): «من المروءة استصلاح المال» [5] .

وقدّم اشباع حاجات المسلمين وسد ثغرات حياتهم علي أهم العبادات المستحبّة وهو الحج تطوعاً، فقال(عليه السلام): «لأن أحجّ حجة أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة ورقبة ـ حتي انتهي الي سبعين ـ، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين، أشبع جوعتهم وأكسو عورتهم وأكفّ وجوههم عن الناس أحبّ اليّ من أن أحجّ حجة وحجة ـ حتي انتهي الي عشر و عشر وعشر ومثلها حتي انتهي الي سبعين ـ» [6] .

ودعا(عليه السلام) الي الترفّع عن الحرص والطمع حيث روي عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنّه قال: «... لن تموت نفس حتّي تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حلّه، فإنّه لا يدرك ما عند الله إلاّ بطاعته» [7] .

ووجّه الأنظار الي الآثار السلبية للحرص فقال: «مثل الحريص علي الدنيا، كمثل دودة القزّ، كلّما ازدادت علي نفسها لفّاً ; كان أبعد لها من الخروج حتي تموت غمّاً» [8] .

وأكّد علي زوال المال ما دام الانسان مخلوقاً للآخرة ومعرّضاً للفناء فقال: «ملك ينادي كل يوم: ابنَ آدم; لِدْ للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب» [9] .



[ صفحه 133]



وكان (عليه السلام) يحثّ علي القناعة لأنها إحدي مقدمات السعادة الروحية، وقد تجلّي ذلك في سلوكه وقوله (عليه السلام): «من قنع بما أوتي قرّت عينه» [10] .

ودعا الي مراعاة القصد والوسطية وتجنّب الافراط والتفريط في الطرف والإنفاق في مختلف الظروف واعتبره من المنجيات، فقال(عليه السلام): «امّا المنجيات فخوف الله في السر والعلانية، والقصد في الغني والفقر» [11] .

كما حدّد الإمام(عليه السلام) لكل انسان حقّه، وحذّر من الاعتداء علي أموال الآخرين لأنها تؤدي الي الخلل الاقتصادي فضلاً عمّا لها من تأثيرات سلبية اُخري علي المستقبل الاُخروي للفرد والمجتمع، نلاحظ ذلك في قوله (عليه السلام): «من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه أربع: من اصاب مالاً من غلول أو ربا أو خيانة أو سرقة ; لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا في حجّ ولا في عمرة» [12] .

ومن أجل تحقيق التوازن الاقتصادي، ورفع المستوي المعاشي لعموم الناس دعا (عليه السلام) الي الالتزام بالانفاق الواجب، فقال: «ان الله تبارك وتعالي قرن الزكاة بالصلاة... فمن أقام الصلاة، ولم يؤت الزكاة، فكأنه لم يقم الصلاة» [13] .

وروي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قوله: «ملعون كل مال لا يزكّي» [14] .

وبيّن الآثار السلبية لمنع الزكاة فقال (عليه السلام): «وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام) قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها» [15] .

وحدّد (عليه السلام) حدود البذل بأنه الإيصال الي مرتبة إغناء الفقير لإنقاذه من الفقر وآثاره السلبية، فقال (عليه السلام): «اذا أعطيته فأغنه» [16] .



[ صفحه 134]



ولا يتحقق التوازن الاقتصادي ولا التكافل الاجتماعي إلاّ باشتراك جميع الناس في ممارسات مكثّفة لرفع المستوي الاقتصادي لجميع الفقراء والمعوزين، من خلال القيام بالايثار والانفاق التطوعي مضافاً الي أداء الحقّ الشرعي الواجب، لذا حث (عليه السلام) علي الاحسان وأداء اعمال البر والصدقة فقال: «البرّ والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء» [17] .

وحث علي معونة الاخوان وقضاء حوائجهم فقال(عليه السلام): «من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام في حاجته ; ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر» [18] .

وروي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) انّه قال: «داووا مرضاكم بالصدقة... وحصنوا أموالكم بالزكاة» [19] .

وحدّد الإمام (عليه السلام) موارد الانفاق المنسجمة مع الشريعة الإسلامية، وأثبت انحراف الاُسلوب الذي قام به الحكّام حيث قاموا بتوزيع الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيد بالقيود التي وضعها المنهج الاسلامي.

فقد روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قوله: «خمسة لعنتُهم وكلُّ نبيّ مجاب...، وذكر منهم: المستأثر بالفيء والمستحل له» [20] .

كما حدّد (عليه السلام) موارد اعطاء الصدقات فقال: «ان الصدقة لا تحلّ لمحترف، ولا لذي مرّة سوي قوي...» [21] .

وكان (عليه السلام) يقوم بانفاق ما يحصل عليه علي الفقراء والمعوزين لتقتدي به الاُمة، وتعرف انحراف الممارسات المالية التي كان يقوم بها الحكام والمخالفة للاُسس الإسلامية والقواعد الثابتة للانفاق.



[ صفحه 137]




پاورقي

[1] الكافي: 5 / 73.

[2] المصدر السابق: 5 / 78.

[3] المصدر السابق.

[4] تفسير نور الثقلين: 5 / 527.

[5] الخصال: 1 / 10.

[6] الكافي: 4 / 2.

[7] المصدر السابق: 2 / 74.

[8] المصدر السابق: 2 / 134.

[9] المصدر السابق: 2 / 131.

[10] سفينة البحار: 2 / 452.

[11] الخصال: 1 / 84.

[12] أمالي الصدوق: 359.

[13] الكافي: 3 / 506.

[14] وسائل الشيعة: 9 / 29.

[15] الكافي: 3 / 505.

[16] المصدر السابق: 3 / 548.

[17] الخصال: 1 / 48.

[18] المحاسن: 99.

[19] وسائل الشيعة: 9 / 29.

[20] الكافي: 2 / 293.

[21] وسائل الشيعة: 9 / 231.