بازگشت

الإمام الباقر وبناء الجماعة الصالحة


اعتمدنا في هذا البحث بشكل اساسي علي الكتاب القيّم الذي نشره المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) «دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة» لسماحة السيد محمد باقر الحكيم (دام عزه) واستخلصنا منه ما يناسب حياة الإمام محمد الباقر(عليه السلام) بشكل خاص من هذه الموسوعة.

إن إصلاح الأوضاع الاجتماعية يتوقف علي وجود جماعة صالحة تقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة الي الإسلام والي المنهج السليم الذي تبنّاه أهل البيت (عليهم السلام)، استناداً الي الأوامر الإلهية في تشكيل الاُمة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.

ولهذا سعي الائمة المعصومون (عليهم السلام) الي بناء الجماعة الصالحة ورسم المعالم والملامح اللازمة لها لتكون الطليعة الواعية المخلصة لتبنّي مسؤولية الاصلاح والتغيير طبقاً لمنهج أهل البيت (عليهم السلام).

وقد شرع أهل البيت(عليه السلام) في تكوين الجماعة الصالحة منذ عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فإنّه الي جانب تبليغه العام قام بإعداد مجموعة صالحة تهتم بالدعوة الي الله علي بصيرة ووعي وأبدي لهم عناية فائقة حيث خصص لهم أوقاتاً خاصة، وكلّف الإمام عليّاً (عليه السلام) بإعداد آخرين.

واستمرالإمام علي(عليه السلام) بعد رحيل رسول الله(صلي الله عليه وآله) بانجاز هذه المهمّة، وكرّس جهوده لتهيئة الطليعة والكوادر الرسالية. وقد أثمرت نشاطاته حينما



[ صفحه 138]



عادت له السلطة، وكان لتلك الكتلة الصالحة دور كبير في إخماد الفتن الداخلية وتقرير منهج أهل البيت (عليهم السلام) في الواقع العملي.

وواصل الإمام الحسن (عليه السلام) مسيرة جده وأبيه، حيث كان أحد بنود الهدنة مع معاوية هو إيقاف الملاحقة لأنصاره وأنصار أبيه، وتفرّغ الإمام (عليه السلام) بعد الهدنة لتوسيع قاعدة الجماعة الصالحة لتقوم بأداء دورها في الوقت والظرف المناسب. وبالفعل قامت بالتصدي للانحراف الاُموي في عهد يزيد، وشاركت مع الإمام الحسين (عليه السلام) في حركته المسلحة للاطاحة بالحكم الجائر.

وكان للجماعة الصالحة دور كبير في قيادة الثورات المسلحة ضد الحكم الاُموي علي طول الخط، كثورة أهل المدينة، وثورة المختار، وثورة التوابين، التي أعقبت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) الإصلاحية وكان لمجموعها دور كبير في إرساء دعائم منهج أهل البيت (عليهم السلام) وتعميقه وتجذيره في العقولوالقلوب والممارسات السلوكية والتعجيل في زوال الحكومات الجائرة.

واستمر الإمام زين العابدين (عليه السلام) في استثمار الفرص المتاحة لتكملة البناء الذي شيّده من سبقه من الائمة الأطهار، فقد تمتع بحرية نسبية في إعداد الطليعة الرسالية في عهد عبد الملك بن مروان، لتكون ذراعاً لحركة أهل البيت (عليهم السلام) في عهده.

واستمر الإمام الباقر (عليه السلام) في تشييد هذا الصرح ورفده بعناصر جديدة لتستمر الحركة الإصلاحية علي منهج أهل البيت (عليهم السلام) وتقريره في واقع الحياة، فقد ربّي (عليه السلام) مجموعة من الفقهاء المصلحين وعلي رأسهم: زرارة بن أعين، ومعروف بن خربوذ، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، وبريد بن معاوية العجلي.



[ صفحه 139]



وربّي طبقة ثانية التي تلي المتقدمين ومنهم: حمران بن أعين، واخوته، وعبدالله بن ميمون القدّاح، ومحمد بن مروان الكوفي، واسماعيل ابن الفضل الهاشمي، وابو هارون المكفوف... وآخرون [1] .

وتنوّعت مهمة الجماعة الصالحة، فمنهم الفقهاء، ومنهم قادة الثورات، ومنهم المصلحون الذين كانوا يجوبون الأمصار لتعميق منهج أهل البيت (عليهم السلام) في القلوب والنفوس.

وفيما يلي سوف نستعرض بعض مظاهر حركة الإمام (عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة، وإعدادها إعداداً شمولياً بشمول الإسلام وشمول منهج أهل البيت (عليهم السلام) لجميع مرافق الحياة الانسانية.

وقد أوضحنا أن المهمّة الأساسية للإمام الباقر(عليه السلام) بعد العقود الثلاثة من النشاط المستمر للإمام زين العابدين(عليه السلام) بهذا الاتجاه هي رسم المعالم التفصيلية للجماعة الصالحة وبيان كل ما يلزم لتكوين المجتمع الاسلامي النموذجي في وسط التيارات المنحرفة التي ملأت الساحة الإسلامية العامّة، وهي الي جانب كونها النموذج المطلوب للاُمة المسلمة الرائدة تكون الذراع الحقيقي للأئمة(عليهم السلام) لإقرار الإسلام الشامل في المجتمع الإسلامي الآخذ بالتمادي في الانحراف والانهيار; إذ من خلالها يكون النشاط الحقيقي للإمام الباقر(عليه السلام) في مرحلته الخاصة التي تجلّت في رسم هذه المعالم وإقرارها وتربية الأجيال عليها. وهي المهمة التي اشترك فيها أبوه الإمام زين العابدين وابنه الإمام الصادق وحفيده الإمام الكاظم(عليهم السلام).

وقد لخصّنا هذا البحث الأساسي في عشر نقاط أساسية ترتبط بالجماعة الصالحة وتوضح معالمها الرئيسة.



[ صفحه 140]




پاورقي

[1] مناقب آل أبي طالب: 4 / 229.