بازگشت

التقية


التقية عملية مشروعة لما لها من آثار ايجابية علي سير الجماعة الصالحة وتوجيه حركتها نحو اصلاح الواقع وتغييره دون عرقلة أو منع أو تحجيم.

وللتقية موارد عديدة تحددها طبيعة الظروف المحيطة بالفرد



[ صفحه 175]



وبالجماعة الصالحة، من حيث القوة والضعف، ومن حيث موقف الحكام وأجهزته من الإمام (عليه السلام) ومن الجماعة الصالحة.

والقاعدة الاساسية في استخدام التقية هي قول الإمام (عليه السلام): «التقيّة في كل ضرورة» [1] .

فالضرورة هي التي تحدّد استثمارها واستخدامها من حيث الوجوب والاستحباب، ومن حيث المرّة والتكرار.

والهدف من التقيّة هو حقن الدماء وحفظها في مواقف ليست ضرورية، وليس لها تأثير علي سير حركة الاصلاح والتغيير، أمّا إذا لم تحقق هدفها ذاك فلا ينبغي ممارستها.

قال الإمام الباقر (عليه السلام): «إنما جعلت التقيّة ليحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدّم فلا تقيّة» [2] .

ومن موارد التقيّة:

أ ـ كتمان المعتقد بالاسلام إذا كان المجتمع مجتمعاً غير اسلامي محارباً للمسلمين، وكتمان المعتقد بمذهب أهل البيت (عليه السلام) إذا كان المجتمع مخالفاً أو معادياً لهم، ويستحل قتل أو تعذيب من يروّج له أو يعلن الانتماء اليه.

أو كان الاعلان عن المعتقد يؤدي الي عزل المؤمن عن المجتمع وعدم التأثر بقوله وفعله، أي في حال عرقلة مهمة الاصلاح والتغيير.

ب ـ كتمان الأحكام الفقهية إن ادّت الي الضرر الكبير.

ت ـ كتمان الآراء السياسية.

ث ـ كتمان الأسرار السياسية.



[ صفحه 176]



ج ـ كتمان البرامج والخطط المعدّة لاصلاح الواقع وتغييره.

والتقية قد تكون بكتمان هذه الموارد، أو التظاهر بغيرها. وبعبارة اُخري: ان التقيّة هي المصانعة مع المخالفين أو المعادين للجماعة الصالحة تخلّصاً من عدوانهم وأذاهم، أو إضرارهم بالعمل.

والتقيّة هي الموقف المتوازن بين الانعزال عن المجتمع والابتعاد عن ميدان الاصلاح والتغيير، وبين المواجهة والصراع، لأنّ عدم ممارستها يؤدي الي واحد من الموقفين، وفي كليهما لا يحقق الانسان اهدافه في الحياة الاجتماعية، وقد يؤدي احياناً الي النكوص والتراجع أو التخلّي نهائياً عن المنهج السليم، أو الانحراف عنه.

فالانعزال قد يؤدي الي الوقوع في حبائل الغلو، والتحول إلي الباطنية كما حدث للحركة الاسماعيلية.

والمواجهة قد تؤدي الي الضعف أمام أساليب الأرهاب والإغراء والخداع والتضليل ان كانت الجماعة الصالحة غير مهيئة لخوض غمار الصراع والمواجهة.

وقد استطاع الإمام (عليه السلام) أن يحافظ علي أمن الجماعة الصالحة بتأكيده علي التقيّة، حيث استطاع أن يوسّع قاعدته الشعبية، ويرفد الجماعة الصالحة بأفراد جدد، وبكوادر جديدة، واستطاع أن ينشر علوم أهل البيت (عليه السلام)، وان يشيع الفضائل والمكارم في المجتمع، دون ان يمنح للحكّام فرصة لاغتياله أو اعتقاله أو منعه من نشاطاته العامة في التدريس، واللقاءات، والزيارات.

والتقيّة قد تتوقف احياناً وفي حدود خاصة علي تظاهر الانسان بالجنون حفاظاً علي نفسه والجماعة التي ينتمي اليها، وهي حالة نادرة أمر بها الإمام (عليه السلام) جابر بن يزيد الجعفي، حيث كتب اليه كتاباً في ذلك، فلما دخل



[ صفحه 177]



الكوفة، لم يُرَ ضاحكاً ولا مسروراً، وتظاهر بالجنون، وبعد أيام من كتاب الإمام (عليه السلام) جاء كتاب هشام بن عبد الملك يأمر بقتله، فتركه الوالي ولم يقتله، بعد أن أخبره الناس بجنونه [3] .


پاورقي

[1] بحار الأنوار: 72 / 399.

[2] المصدر السابق: 72 / 399.

[3] بحار الأنوار: 46 / 283.