بازگشت

من التراث الفقهي للإمام الباقر


وتحدث الإمام ابو جعفر (عليه السلام)عن حكم القتال والحرب في الإسلام حينما سأله رجل من شيعته عن حروب الامام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) فقال له:

«بعث الله محمداً (صلي الله عليه وآله) بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة لا تغمد حتي تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتي تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيراً، وسيف مكفوف، وسيف منها مغمود، سله إلي غيرنا، وحكمه إلينا.

فأما السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيف علي مشركي العرب، قال الله عز وجل: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) [1] (فإن تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاخوانكم في الدين) [2] هؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام، وأموالهم فيء وذراريهم سبي علي ما سن رسول الله(صلي الله عليه وآله) فإنه سبي وعفا، وقبل الفداء.

والسيف الثاني: علي أهل الذمة قال الله سبحانه (وقولوا للناس حسناً) [3] نزلت هذه الآية في أهل الذمة، ونسخها قوله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) [4] فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية



[ صفحه 231]



أو القتل، وما لهم فيء، وذراريهم سبي، فاذا قبلوا الجزية علي أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم، وحلت لنا مناكحهم [5] ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم، ولم تحل لنا مناكحتهم، ولم يقبل منهم إلا دخول دار الإسلام والجزية أو القتل.

والسيف الثالث: علي مشركي العجم كالترك والديلم والخزر، قال الله عزّوجلّ: في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم، ثم قال: (فضرب الرقاب حتي إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتي تضع الحرب أوزارها) [6] .

فأما قوله: (فإما مناً بعد) يعني بعد السبي منهم «وأما فداء» يعني المفاداة بينهم، وبين أهل الإسلام، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام، ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا في الحرب.

وأما السيف المكفوف: فسيف علي أهل البغي والتأويل قال الله: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الاُخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله) [7] فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) ان منكم من يقاتل بعدي علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل، فسأل النبي (صلي الله عليه وآله) من هو؟ فقال: خاصف النعل ـ يعني أمير المؤمنين ـ وقال عمار ابن ياسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) ثلاثاً [8] وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتي يبلغوا بنا السعفات من هجر [9] لعلمنا أنا علي الحق، وانهم علي الباطل، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل ما كان من رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أهل مكة يوم فتحها فإنه لم يسب لهم ذرية، وقال: من أغلق بابه فهو



[ صفحه 232]



آمن، ومن القي سلاحه فهو آمن، وكذلك قال أمير المؤمنين(عليه السلام): يوم البصرة نادي فيهم لا تسبوا لهم ذرية، ولا تدفِّفوا علي جريح [10] ولا تتبعوا مدبراً، ومن اغلق بابه والقي سلاحه فهو آمن.

والسيف المغمود: فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله عزّوجلّ:(النفس بالنفس والعين بالعين) [11] فسله إلي اولياء المقتول وحكمه إلينا.

فهذه السيوف التي بعث الله بها محمداً (صلي الله عليه وآله) فمن جحدها أو جحد واحداً منها و شيئاً من سيرها فقد كفر بما انزل الله تبارك وتعالي علي محمد نبيه» [12] .

واستمد فقهاء المسلمين الاحكام التي رتبوها علي قتال أهل البغي من سيرة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب الجمل، كما أخذوا عن أئمة الهدي (عليهم السلام) الكثير من الاحكام في هذا الباب.


پاورقي

[1] التوبة (9): 5.

[2] التوبة (9): 11.

[3] البقرة (2): 83.

[4] التوبة (9): 29.

[5] في التهذيب والكافي «مناكحتهم».

[6] محمد (47): 4.

[7] الحجرات (49): 9.

[8] الثلاث: التي قاتل مع تلك الراية الصحابي العظيم عمار بن ياسر هي: يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين، وكان يتزعم تلك الحروب أبو سفيان عميد الأمويين.

[9] هجر: ـ بالتحريك ـ بلدة باليمن، كما إنها اسم لجميع أرض البحرين.

[10] لاتدففوا علي جريح: أي لا تجهزوا عليه.

[11] المائدة (5): 45.

[12] تحف العقول: ص288 ـ 290، ورواه الكليني في فروع الكافي، والشيخ الصدوق في الخصال، والشيخ الطوسي في التهذيب.