مدرسته
أقامها معاوية دولة قوية شيد بناءها بدماء كبار الصحابة و التابعين، كالامام الحسن السبط، و عمر بن الحمق الخزاعي، و حجر بن عدي الكندي و أصحابه، و غيرهم من كبار المسلمين، و ظن ابن هند أن دولة بني أمية ستبقي أبد الأبدين.
و بعد مقتل الحسين الشهيد بدأت تتصدع، و لم ينفعها حزم عبدالملك بن مروان، و بطش طاغيته الحجاج بن يوسف.
أخذت الدولة الأموية بالانهيار في زمن هشام بن عبدالملك حيث بدأت الدعوة للعباسيين في ايران.
و استغل الامام أبوجعفر عليه السلام هذا الظرف المناسب لفتح مدرسته، ليتخرج منها المئات من العلماء فكان ذلك مصداقا لما أخبر به الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم جابر بن عبدالله الأنصاري: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي، يبقر العلم بقرا، أي يفجره تفجيرا، فاذا رأيته فاقرأه مني السلام.
نعم، بقر أبوجعفر العلم و فجره، حتي امتلأت الدنيا بعلمه، و نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره.
قال جابر الجعفي: حدثني أبوجعفر سبعين ألف حديث [1] .
و قال محمد بن مسلم: ما شجر في رأيي شي ء الا سألت عنه أباجعفر عليه السلام، حتي سألته عن ثلاثين ألف حديث [2] .
[ صفحه 348]
و نقل بعض من شاهده في الحج: انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات، و يستفتحون أبواب المشكلات فلم يرم حتي أفتاهم في ألف مسألة ثم نهض يريد رحله [3] .
قال الشيخ المفيد: و كان الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام من بين أخوته خليفة أبيه علي بن الحسين عليهماالسلام و وصيه، و القائم بالامامة من بعده، و المبرز علي جماعتهم بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد، و كان أنبههم ذكرا، و أجلهم في العامة و الخاصة قدرا، و لم ظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين عليهماالسلام من علم الدين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب، ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام، و روي عنه معالم الدين بقايا الصحابة، و وجوه التابعين، و رؤساء فقهاء المسلمين، و صار بالفضل به علما لأهله، تضرب به الأمثال، و تسير بوصفه الآثار و الأشعار، و فيه يقول القرطي:
يا باقر العلم لأهل التقي
و خير من لبي علي الأجبل
و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه:
اذا طلب الناس علم القرآن
كانت قريش عليه عيالا
و ان قيل: أين ابن بنت النبي
نلت بذاك فرعا طوالا
نجوم تهلل للمدلجين
جبال تورث علما جبالا [4] .
و قال ابن شهرآشوب: و قد روي عنه معالم الدين بقايا الصحابة، و وجوه التابعين، و رؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة: جابر بن عبدالله الأنصاري، و من التابعين: جابر بن يزيد الجعفي، و كيسان السختياني صاحب الصوفية، و من الفقهاء نحو: ابن المبارك، و الزهري، و الأوزاعي، و أبي حنيفة، و مالك، و الشافعي و زياد بن المنذر النهدي، و من الصنفين نحو: الطبري، و البلاذري و السلامي، و الخطيب في تواريخهم، و في الموطأ، و شرف المصطفي، و الابانة، و حلية الأولياء،
[ صفحه 349]
و سنن أبي داود، و الألكاني، و مسندي أبي حنيفة و المروزي، و ترغيب الأصفهاني، و بسيط الواحدي، و تفسير النقاش و الزمخشري، و معرفة أصول الحديث، و رسالة السمعاني، فيقولون: قال محمد بن علي، و ربما قالوا: قال محمد الباقر [5] .
و قال: اجتمعت العصابة علي أن أفقه الأولين ستة، و هم أصحاب أبي جعفر، و أبي عبدالله عليهماالسلام، و هم: زرارة بن أعين، و معروف بن خربوذ المكي، و أبوبصير الأسدي، و الفضيل بن يسار، و محمد بن مسلم الطائفي، و بريد بن معاوية العجلي.
و قال أيضا: و من أصحابه حمران بن أعين الشيباني و اخوته: بكير، و عبدالملك، و عبدالرحمن، و محمد بن اسماعيل بن بزيع، و عبدالله بن ميمون القداح، و محمد بن مروان الكوفي، و اسماعيل بن الفضل الهاشمي، و أبوهارون المكفوف، و ظريف بن ناصح، و سعيد بن ظريف الاسكاف الدؤلي، و اسماعيل بن جابر الخثعمي، و عقبة بن بشير الأسدي و أسلم المكي - مولي ابن الحنفية - و أبوبصير ليث بن البختري المرادي، و الكميت بن زيد الأسدي، و ناجية بن عمارة الصيداوي، و معاذ بن مسلم الهراء النحوي، و بشير الرحال [6] .
و قال أبونعيم الأصبهاني: و روي عنه من التابعين: عمرو بن دينار، و عطاء بن أبي رباح، و جابر الجعفي، و ابان بن تغلب، و روي عنه من الأئمة و الأعلام: ليث بن أبي سليم، و ابن جريج، و حجاج بن أرطاة، في آخرين [7] .
و اليوم، و بعد مضي ثلاثة عشر قرنا علي تأسيسه عليه السلام لهذه المدرسة، لا يزال الفقه و الحديث و التفسير و غيرها من العلوم عيالا عليها، يستمد من منهلها العذب، و يغترف من معينها الفياض.
[ صفحه 350]
پاورقي
[1] أعيان الشيعة 4 ق 2 / 28.
[2] رجال الكشي 109.
[3] المناقب 2 / 275.
[4] الارشاد 279.
[5] المناقب 2 / 284.
[6] المناقب 2 / 295.
[7] حلية الأولياء 3 / 188.