تفسير القرآن الكريم
قرأت في الفصل السابق - مدرسة الامام - الظروف الملائمة لتأسيسه عليه السلام مدرسته الكبري، و الدروس التي كان يلقيها علي طلابه، و كان من بينها علم التفسير.
و لو أنصف الناس الأئمة لرجعوا اليهم في التفسير، لاختصاصه بهم دون غيرهم، فهم عدول القرآن الكريم - كما في حديث الثقلين - و هم المشار اليهم في قوله تعالي: «و ما يعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم».
ان من يتصفح كتب التفسير يجدها مملوءة بما ورد من تفاسيرهم عليهم السلام، حتي ألفت بعض التفاسير مقتصرة علي الروايات الواردة عنهم عليهم السلام [1] .
و يؤسفني أن لا يساعد حجم هذه السلسلة علي الاكثار مما ورد من تفسير الامام الباقر عليه السلام.
و في عقيدتي أن المتتبع يستطيع أن يؤلف تفسيرا كاملا للقرآن الكريم، مقتصرا بذلك علي التفاسير الواردة عن الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام.
نذكر بعض ما ورد عنه عليه السلام.
1 - قوله تعالي: «و لا تقربوا الزني انه كان فاحشة و ساء سبيلا» [الاسراء: 32].
قال عليه السلام في قوله تعالي: «انه كان فاحشة» معصية و مقتا، فان الله يمقته و يبغضه «و ساء سبيلا» هو أشد الناس عذابا، و الزنا من أكبر الكبائر [2] .
[ صفحه 351]
2 - قوله تعالي: «و فضلنهم علي كثير ممن خلقنا تفصيلا» [الاسراء: 70] . قال عليه السلام: خلق كل شي ء منكبا غير الانسان خلق منتصبا [3] .
3 - قوله تعالي: «أولم ير الذين كفروا أن السموات و الأرض كانتا رتقا ففتقنهما» [الأنبياء: 30].
وفد عمرو بن عبيد فقيه البصرة - علي محمد بن علي بن الحسين ليمتحنه بالسؤال، فقال له: جعلت فداك ما معني قوله تعالي: «أولم ير الذين كفروا أن السموات و الأرض كانتا رتقا ففتقنهما».
ما هذا الفتق و الرتق؟
فقال عليه السلام: كانت السماء رتقا لا تنزل المطر و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات.
فانقطع عمرو بن عبيد و لم يجد اعتراضا [4] .
و سأله أخبرني جعلت فداك عن قوله عزوجل: «و من يحلل عليه غضبي فقد هوي» [طه: 81] ما ذاك الغضب؟
فقال أبوجعفر عليه السلام: هو العقاب يا عمرو، انه من زعم أن الله عزوجل زال من شي ء الي شي ء فقد وصفه صفة المخلوق، ان الله عزوجل لا يستفزه شي ء و لا يغيره [5] .
4 - قوله تعالي: «أولئك يجزون الغرفة بما صبروا» [الفرقان: 75].
قال عليه السلام: الغرفة: الجنة، بما صبروا علي الفتن في دار الدنيا [6] .
5 - قوله تعالي: «فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا» [الأحزاب: 49].
قال عليه السلام: «فمتعوهن» حملوهن بما قدرتم عليه من معروف، فانهن يرجعن بكآبة من أعدائهن، فان الله كريم يستحي، و يحب أهل الحياء، ان أكرمكم أشدكم اكراما لحلائله [7] .
[ صفحه 352]
6 - قوله تعالي: «و أني لهم التناوش من مكان بعيد» [سبأ: 52].
قال عليه السلام: انهم طلبوا الهدي من حيث لا ينال، و قد كان مبذولا من حيث ينال [8] .
7 - قوله تعالي: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي» [ص: 75].
قال محمد بن مسلم: سألت أباجعفر عليه السلام فقلت: قوله تعالي: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي».
قال: اليد في كلام العرب القوة و النعمة؛ قال الله تعالي: «و اذكر عبدنا داود ذا الأيد» «و السماء بنيناها بأييد» أي: بقوة، و قال: «و أيدناه بروح القدس» أي: قواهم، و يقال: لفلان عندي يد بيضاء، أي نعمة [9] .
8 - قوله تعالي: «سنريهم ءاياتنا في الأفاق و في أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق» [فصلت: 53].
قال عليه السلام: يريهم في أنفسهم المسخ، و يريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله في أنفسهم و في الآفاق، و قوله: «حتي يتبين لهم أنه الحق» يعني بذلك خروج القائم، هو الحق من الله عزوجل، يراه هذا الخلق لا بد منه [10] .
9 - قوله تعالي: «هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين» [الفتح: 4].
قال أبوحمزه: سألته عن قوله عزوجل: «أنزل السكينة في قلوب المؤمنين»؟
قال: هو الايمان.
قال: و سألته عن قول الله عزوجل: «و أيدهم بروح منه»؟
قال: هو الايمان [11] .
10 - قوله تعالي: «ففروا الي الله اني لكم منه نذير مبين» [الذاريات: 50] .
[ صفحه 353]
قال عليه السلام: حجوا الي الله عزوجل [12] .
11 - قوله تعالي: «ان من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم» [التغابن: 14].
قال عليه السلام: و ذلك أن الرجل اذا أراد الهجرة الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعلق به ابنه و امرأته، و قالوا: ننشدك الله أن تذهب عنا فنضيع بعدك، فمنهم من يطيع أهله فيقم، فحذرهم الله أبناءهم و نساءهم، و نهاهم عن طاعتهم. و منهم من يمضي و ينذرهم و يقول: أما والله لئن لم تهاجروا معي، ثم جمع الله بيني و بينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشي ء أبدا.
فلما جمع الله بينه و بينهم، أمره أن يتوق بحسن وصله فقال: «و ان تعفوا و تصفحوا و تغفروا فان الله غفور رحيم» [13] .
12 - قوله تعالي: «و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا» [الانسان: 12].
قال عليه السلام: بما صبروا علي الفقر و مصائب الدنيا [14] .
[ صفحه 354]
پاورقي
[1] كتفسير علي بن ابراهيم القمي، و فرات الكوفي، و العياشي، و الحويزي، و السيد البحراني.
[2] تفسير البرهان 2 / 417.
[3] تفسير البرهان 2 / 429.
[4] نور الأبصار 207.
[5] التوحيد 168.
[6] بحارالأنوار 17 / 167.
[7] تفسير البرهان 3 / 329.
[8] التوحيد 153.
[9] تفسير البرهان 4 / 64.
[10] الغيبة للنعماني 44.
[11] تفسير البرهان 4 / 195.
[12] تفسير البرهان 4 / 237.
[13] تفسير علي بن ابراهيم 684.
[14] كشف الغمة 215.